ارتبط اسمه بمباريات الدورى العام، فهمى عمر - صاحب الصوت العذب الذى استطاع أن يجمع حوله مجموعات من البشر على المقاهى وداخل البيوت، يستمعون إلى وصفه ويستمتعون بتحليله الهادئ الرصين، ليغزل من الحدوتة «5 دقائق»، على شكل استوديو تحليلى لما يدور داخل البساط الأخضر. كان الدورى العام عبارة عن 12 فريقًا، وتُلعب 6 مباريات كل أسبوع - يهتم فهمى عمر، بنقل الصورة للمشاهدين طوال المباراة، بأسلوبه البسيط الذى التف حوله الجميع. فى عيد الإذاعة المصرية الرابع والثمانين، يطل الأستاذ الكبير فهمى عمر، بحكايات من الزمن الجميل ارتبطت بصوته، مؤكدًا أن ذكرى افتتاح الإذاعة حدث جليل يجب أن تضرب فيه مصر كلها «تعظيم سلام». من النيابة إلى الميكروفون يقول فهمى عمر: «بعد دراستى للحقوق، جاءتنى فرصة التعيين فى النيابة وفى الإذاعة فى الوقت نفسه، لكنى فضلت العمل بالإذاعة.. فأحببت هذا المجال للغاية، لما فيه من لقاءات مع العديد من القيادات ومقابلات مع نجوم الفن والرياضة والأدب والصحافة.. فى الحقيقة كان جوّا جميلاً أضفى على حياتى شيئًا من البهجة والراحة النفسية». يرى عمر، أن يوم 31 مايو من الأيام الخالدة فى تاريخ مصر، فهو حدث ذو قيمة وتأثير حول العالم العربى. مستدركًا: «هو اليوم الأخير فى شهر مايو من كل عام، انطلق فيه صوت مصر إلى أنحاء العالم.. هنا القاهرة.. وكانت البداية داخل هيئة التليفونات فى شارع رمسيس، حيث بدأ المذيع أحمد سالم، يردد هنا القاهرة، وألقى على باشا إبراهيم، رئيس أمناء الإذاعة فى ذاك الوقت، كلمة الافتتاح ثم سعيد باشا لطفى». «كانت الإذاعة فى ذلك الوقت حدثًا فريدًا من نوعه فى حياة المصريين، فقدمت اللحن الجميل، والحديث الشائق، والدراما الجاذبة، وكانت لا تزال صورة عاكسة لحياة جميع فئات وشرائح المصريين». يقول عمر: «الإذاعة كان لها دور كبير جدّا فى تهيئة الجو العام الثقافى، فأستطيع القول إن الإذاعة بألوانها المختلفة ساهمت فى تثقيف الفلاح الأُمى.. كان بث الإذاعة لا يتجاوز تقريبًا بين 9 أو 10 ساعات، وبعد قيام ثورة يوليو، بثت برامجها على مدار اليوم إلى كل أنحاء العالم، وتعددت شبكات البث». مؤكدًا أن الإذاعة فى ذلك الوقت كانت الأنيس والجليس للأسرة المصرية والعربية على حدٍ سواء. «الإذاعة علّمتنا احترام التوقيت والانضباط فى الحياة بصفة عامة»- يستكمل عمر: «كان لها تأثير إيجابى علينا جميعًا، علّمت الإنسان احترام الوقت، فنشرة الأخبار كانت تُبث فى الثامنة والنصف صباحًا، إلى جانب البرامج والفقرات المتنوعة التى استقطبت عوالم مختلفة من الفنانين، وفنون الدراما والبرامج الإذاعية الغنائية مثل على بابا». «لعبت الإذاعة المصرية دورًا كبيرًا من الناحية الوطنية؛ أججت مشاعر المواطنين، واستفزتهم وحثتهم على المطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر، فضلًا عن أن أبناءها هم الذين حملوا على عاتقهم إنشاء إذاعات عديدة فى الكثير من البلدان العربية» - يشدد عمر - على أن الإعلام المرئى والقنوات الخاصة، لم تستطع سَحب البساط والريادة من الإذاعة وخيالها الواسع. خير جليس وأنيس يضيف: «الإذاعة بكل ألوانها لعبت أدوارًا كثيرة لا يمكن لأحد أن ينكرها، فكانت وسيلة الإعلام والتثقيف الأولى فى العالم العربى، وستبقى صاحبة خاصية جاذبة للجمهور، رُغم انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى المتنوعة، خصوصًا أنها تعد أسهل وسيط إعلامى لا غنى عنه، خصوصًا أنها متاحة لمن يقود سيارته، فهى تصل إليك أينما كنت، ولا تتكلف أى عبء، سوى ضبط مفتاح الراديو على الموجة المناسبة، كذلك تعد الوسيلة الأنسب التى تؤنس ربات البيوت فى أثناء القيام بواجباتهن اليومية.. سيظل الراديو وسيلة الإعلام الأولى؛ هذاهو مبدئى وفلسفتى على وجه العموم». يؤكد عمر، أن الإذاعة المصرية تقدّم مهمة جليلة للمجتمع المصرى بجدارة، وهى أنها تقضى على أمية الأميين فى مصر، لأنها مرآة عاكسة للمجتمع بكل ما يدور فيه، مستدركًا: «إذا وفرنا الإمكانيات المطلوبة للإذاعات الإقليمية المختلفة التى تستطيع أن تتجول فى نواحى الريف والمدن، سيسهم ذلك فى نهوض المجتمع، واكتشاف خاماته الموجودة فى التربة المصرية، مثل أم كلثوم وطه حسين وعبدالحليم حافظ ومحمود عباس العقاد، وغيرهم». يقدم الإذاعى الكبير- الحل- للارتقاء بمستوى هذه الإذاعات الإقليمية، متسائلًا: «هل هناك إمكانيات فى مدينة قنا على سبيل المثال.. أهناك استوديو فى مدن الصعيد.. هل يوجد مذيعون ومقدمو برامج هناك؟ الإجابة هى لا بالطبع؛ لذا يجب أن تهتم الدولة أكثر بإذاعات الصعيد والوجه البحرى، للحديث عن مشاكل القرى والنجوع، وكذلك اكتشاف المواهب، وتسليط الضوء على الإيجابيات الكثيرة التى من شأنها الارتقاء بمستوى المجتمع كوحدة واحدة». بيزنس الإذاعة «هل تحوّلت بعض الإذاعات إلى بيزنس على الهواء، لمضاهاة القنوات الخاصة والإعلام المرئى على وجه العموم؟». يقول فهمى عمر: «للأسف لم أتابع هذه الإذاعات التى تعتمد فى قلب مادتها الإخبارية على تقديم الخدمات الإعلانية، وأقر ديضًا أننى لم أتابع كل القنوات الخاصة الجديدة، بما لا يسمح لى بالحكم عليها بشكل عام»، مشددًا على أن هذه الإذاعات تقريبًا لا تتبع لوائح الهيئة الوطنية للإعلام، كما أن التقارير الرسمية تُظهر معظم مقدمى برامجها من لاعبى الكرة الذين انتهى عمرهم فى الملاعب، وغيرهم ممن هم ليسوا أبناء ماسبيرو. البرنامج العام «إذاعة البرنامج العام هى الإذاعة الأم التى تربينا فيها، لأنها تمتلك الأساس السليم والأسس المنضطبة التى قامت عليها، لكن هذا لا يمنع أننى بين الحين والآخر، أتجول داخل إذاعات أخرى، كالقرآن الكريم والشرق الأوسط» - يتعجب عمر من حال المذيعين الآن: «لا أفهم كيف لمذيع من ماسبيرو أن يخطئ فى اللغة العربية، وينصب الفاعل مثلًا، ولا أتصور أن يقوم أيضًا بتقديم معلومة مغلوطة للجمهور.. فكيف يثق فيه المستمع بعد كل ذلك». • «وهل هناك فرق بين المذيع زمان والآن»؟ - يجيب الإذاعى القدير: «قديمًا كان المذيع يمر على 5 أو 6 اختبارات، أنا على سبيل المثال، مررت ب 5 اختبارات حتى التصفيات النهائية، المذيع يجب أن يكون جعبة معلومات، وهذا ليس موجودًا الآن، وهذا ما أعيبه على بعض العاملين فى مجال الإعلام فى الوقت الراهن». يستكمل عمر: «ليس من حق أى شخص أن يسطو على مهنة الإعلام، سواء كان فنانًا أو لاعب كرة أو غير ذلك، يجب أن يدخل المذيع من الباب الرسمى للمهنة وليس من النافذة». توصيات الميكرفون يقدم فهمى عمر روشتة لتطوير حال الإذاعة والاهتمام بها، مؤكدًا أن دورها يجب أن يكون فعالًا فى التثقيف والتعليم ومحو أمية الأميين فى مصر، وعليها أن تتجول فى ربوع مصر، لتعكس هموم المواطنين وترصد شكواهم ومشاكلهم وطموحاتهم وآمالهم، كذلك تستخرج طاقاتهم ومواهبهم فى شتى المجالات. يتابع عمر: «الإذاعة المصرية المرآة العاكسة لحال المجتمع، تقدم شكواه وتظهر طموحاته وتكتشف خاماته الدفينة.. الإذاعة المصرية بيتى ولحم كتافى من خيرها.. أرجو من أولادها وبناتها أن يُشمروا عن سواعدهم ويبذلوا جهدًا مضاعفًا، ويعملوا من الفسيخ شربات». يختم حواره: «أخلقوا أنتم القوة لتعود الإذاعة كما كانت.. تعود البرامج الجماهيرية والكتابات الدرامية الجذابة.. ابحثوا عن الخامات الجيدة لتصنع المجد». •