عندما كانت الاذاعة هي الوسيط الاعلامي الوحيد, لم يكن هناك صانع للنجوم الا من خلالها, يلهث المطربون والممثلون ليعبر صوتهم عبر أثيرها, كان مذيعو الاذاعة اشهر من نجوم السينما, وأكثر تأثيرا من الزعماء السياسيين ونجوم المجتمع, والان وبعد76 عاما علي انشائها هل تحتفظ بنفس قوتها؟! هل خرج لها منافسون؟! هل تلاشت الاذاعة المصرية امام اذاعة خاصة وحيدة ومئات الفضائيات؟! ولماذا لم تخرج للنور اذاعات اخري, خاصة مع وجود منافسات من عشرات الاذاعات التي انتشرت عبر الانترنت؟! محمد عبد العزيز نموذج من المذيعين الذين استطاعوا أن يحققوا قدرا من الشهرة والجماهيرية من خلال الاذاعة, واستطاع أن يفوز بسبع جوائز إبداع من مهرجان القاهرة للاعلام علي مدار خمس سنوات متتالية, علي الرغم من أنه ليس من جيل المشاهير. يقول محمد انه من الذين ينحتون في الصخر وكان يتساءل كيف يمكن للإذاعي أن يحقق الشهرة في ظل مئات الفضائيات والوسائط الاعلامية, فلم يعد هناك اهتمام إعلامي بالإذاعة كما كان في السابق, لكن الجوائز التي حصلت عليها أسهمت بقدر كبير بأن هناك من يتابعنا ويهتم بنا وأن ما نقوم به ليس طاقة مهدرة. وأضاف ان العمل في الاذاعات الخاصة لو توافرت يزيد من شهرة المذيع حيث مساحة أكبر من الحرية, وبالتالي قدر أوسع من الإبداع والشهرة, ولكن لا توجد الا إذاعة واحدة خاصة, موضحا ان إذاعات الانترنت لا تحقق شهرة لا للمذيع ولا للضيف, لأن جمهورها محدود يقتصر علي صفوة المثقفين وتتطلب ظروفا معينة عند الاستماع إليها. مصنع النجوم وعلي عكس تصور عبد العزيز يقول الإذاعي الكبير فاروق شوشة أن الإذاعة تظل هي مصنع النجوم كما كانت, فهي صنعت أعظم المطربين وأرقي أنواع الدراما, موضحا أن نظرة الناس لها أكثر احتراما من التليفزيون لأن الإذاعة والعاملين بها حافظوا علي القيم الاعلامية الصحيحة, والتزموا بالصورة الحقيقة للإعلام, وبالتالي هي الأكثر رقيا وتهذيبا من لغة الفضائيات, التي تحدث حولها مشاكل يومية. أما الإذاعية الكبيرة نادية صالح, الرئيس الأسبق لإذاعة الشرق الأوسط, فتؤكد أن النجم يصنع نفسه وبذاته بغض النظر عن المكان, النجم هو النجم يسطع في أي مكان بمواهبه وقدراته, وموهبته تحديدا هي التي تصنعه فالإذاعة لا تصنع نجوما ولا التليفزيون ولا الصحف ولا أي مجال آخر بل إن الشخص الموهوب مع العمل الدؤوب والذكاء الفطري والاجتماعي والصبر يستطيع أن يحقق الشهرة والنجومية في مجاله, وأن يثبت نفسه في أي مكان, وما ينطبق علي المذيع ينطبق أيضا علي الضيف فالضيف الموهوب يجذب إليه الناس بفكره ولغته وذكائه وموهبته, وتبدي دهشتها من عدم وجود إذاعات خاصة علي الساحة, وأرجعت السبب أنه ربما يكون للجوانب الاقتصادية لأن القطاع الخاص دائما وأبدا يبحث عن الربح فضلا عن استقطاب مذيعي الاذاعات الحكومية,( وعن إذاعات الانترنت تقول لها جمهورها الخاص وتحاكي لغة العصر والتكنولوجيا لكن الرقيب عليها هو الضمير فقط, وأضافت أن المذيع أو الاعلامي الراسخ المؤمن برسالته والموهوب هو الذي يحافظ وبقوة علي القيم الاعلامية السليمة بغض النظر عن نوع الجهة أو الوسيلة التي ينتمي إليها, وقالت أن هناك أشخاصا ساهموا في تشكيل شخصيتها الإذاعية وخرجت من تحت عباءتهم ومنهم المرحومة صفية المهندس والأستاذة آمال فهمي والأستاذ فهمي عمر. وتقول الدكتورة لمياء محمود, نائب رئيس إذاعة صوت العرب, أن الإذاعة أصبحت الأن مثل محطة ترانزيت يتدرب فيها المذيع ويحصل علي أعلي الخبرات ثم نجده فجأة انتقل للتليفزيون وهذا حدث مع90% من مذيعي الإذاعة والذين أصبحوا الآن نجوما في التليفزيون مثل أحمد بصيلة ونرمين البيطار وعلي مبارك وريهام إبراهيم وأحمد عتابي, وهذا يسعدنا أنهم أبناء الإذاعة, أما بالنسبة للضيوف فقد تفردت الإذاعة باستضافة كل شرائح الفكر المصري لأن الإذاعة تحديدا تقوم علي الاعلام التنموي المحقق لوظائف الاعلام المعروفة فتجد الضيوف هم حصيلة الخبراء والعلماء وأساتذة الفكر وصفوة المثقفين والرواد في كافة المجالات, وساعد علي ذلك سعة البث الإذاعي مما سمح بوجود مادة خصبة من الضيوف الذين لا يتقاضون أجرا ماليا لاسيما أساتذة الجامعات وبالتالي يخرج من بينهم نجوم أصبحوا معروفين الآن في التليفزيون بفضل الإذاعة لكن وللأسف الشديد أفسد الاعلام الفضائي علي الإذاعة ضيوفها, وأصبحت المادة هي المتحكمة في من يأتي أو لا يأتي, وفي كل الأحوال مازالت الإذاعة حتي الآن هي البوق الوطني الصحيح والملتزم بكافة المعايير والقيم الاعلامية الصائبة, ونادرا ما تصنع الإذاعة مشكلة لكن نجد ذلك في الفضائيات, وعن إذاعات الإنترنت تقول أنها يمكن أن تصنع نجوما خاصة من الشباب فهم المواكبون لتلك التكنولوجيا لكن المشكلة تكمن في عدم وجود رقيب علي تلك الإذاعات الضمير فقط هو من يحكم أصحابها. ومن جانبه يقول طارق أبو السعود, رئيس شبكة راديو النيل, الإذاعة ظلت وسوف تظل محتفظة بقمة نجاحها وهي تصنع النجوم مذيعين وضيوفا, والضيوف يأتون بدون أجر وهذه ميزة تتفرد بها الإذاعة, وعن سبب نجاح واستمرارية الإذاعة حتي في ظل وجود الفضائيات يقول: الإذاعة طول النهار والتليفزيون جزء من الليل فالإنسان منذ أن يستيقظ من نومه ويذهب إلي العمل ويعود لا يستمع إلا للراديو طوال النهار, أو بتعبير أدق أثناء الحركة, وبالنسبة للإذاعات الخاصة يقول: أعتقد بعد ظهور شبكة الFM والNileFM وراديو مصر ثم شبكة راديو النيل التي تضم( ثلاث محطات أغان ومحطة دراما وأخري رياضية) والتي سوف يتم بثها خلال شهر, لن يكون هناك مجال للمنافسة أو ظهور إذاعات خاصة أخري لأن سوق الإذاعة ستكون قد امتلأت ويقول الإذاعي الكبير وجدي الحكيم أن الإذاعة مازالت قادرة علي خلق وصنع النجوم, غير أن الظروف غير مواتية لها, خاصة في ظل عدم وجود وعي إعلامي, فنجد الآن سوق العمل الاعلامية ممتلئة بأشخاص لم يحصلوا علي تدريب أو أي خبرة, حتي وصلنا لهذه الدرجة من عدم الالتزام لا بالقيم الإعلامية ولا بالرسالة الصحيحة لكن لو توفرت الامكانات لاسيما المالية منها أمام الإذاعة كما كانت قديما, فكل الرموز الفنية والدرامية الكبيرة كانت من انتاج الإذاعة المصرية وهي القادرة علي القيام بهذا الدور حتي في وقتنا الحالي, وبالتالي نجد الممثل الإذاعي في أي دراما يجمع كل قدراته في الأداء الصوتي, ورأينا جميعا كيف نجحت ألف ليلة وليلة والأشكال الدرامية الأخري في الإذاعة عنها في التليفزيون, لأن الإذاعة تخاطب أهم حاسة في الإنسان وهي السمع وهي حاسة لا تنام أبدا حتي لو نام الانسان, ولا يمكن للإنسان أن يعيش بدون الاستماع للراديو, وإذا تأملنا بداية حركة الإنسان اليومية نجدها تبدأ بالراديو فكثير منا يستيقظ علي صوت إذاعة القرآن الكريم, ثم يستمع لنشرات الأخبار وغيرها, الراديو في الغيطان في النوادي في البيت في كل التجمعات وفي كل مكان وهذه ميزة يتفرد بها دون غيره, وأضاف أن أحد كبار السياسيين في العالم سئل عن أول شيء سيفعله إذا قامت الحرب العالمية الثالثة, فأجاب: سوف أفتح الراديو لأستوثق من الخبر ثم أتابع التليفزيون بعد ذلك لأعرف القصة وفي اليوم الثالث سوف أقرأ الصحف لأعرف تفاصيل الأحداث, ويتمني الحكيم أن يعود الدور الانتاجي للإذاعة واكتشاف المواهب الحقيقية وليست المسابقات التجارية التي تهدف للربح, وعن عالم المذيعين يقول أن الإذاعة تقوم بدور تربوي واعدادي رائع للمذيع, تؤهله للوقوف امام الميكروفون بل ويتعلم منها أعلي الخبرات التي تجعل منه شخصا مرغوبا في القنوات المرئية, وعن الإذاعات الخاصة يقول أن الدولة تمنح تراخيص لإنشائها علي أن يكون اتحاد الإذاعة مشاركا( بالإسم فقط) بنسبة لا تقل عن55% والإذاعة الوحيدة التي حصلت علي استثناء هي الFM فهي إذاعة خاصة مائة بالمائة, يملكها السيد عماد أديب, وفي اعتقاده يري الحكيم أن تلك الإذاعات الخاصة لم تقدم نجوما ولا برامج ذات قيمة حتي الآن, بل كلها برامج إعلانية تقدم الهابط من الغناء الرديء من الفنون, فتجدها عبارة عن اعلانات تتخللها إعلانات.