يمثل العم محمود السعدنى حالة خاصة فى تاريخ الأدب والصحافة والحياة الاجتماعية فى مصر والعالم العربى لما امتلكه من مساحة ود كبيرة ومتسعة فى حياة هذا الشعب الذى كتب بلغته آلاف المقالات وعشرات القصص والمسرحيات التى تعبر عن حاله وتصف شعور أهله فى سهولة ويسر وعمق ويُطلق عليه فى عالم الكتابة (السهل الممتنع).. هذا غير آلاف الحكايات التى قصها وحكاها هذا الحكاء العظيم الذى امتلك فصاحة وألمعية وسرعة رد فعل نادرة التكرار. سنوات عمر السعدنى التى وصلت ل 82 عاماً ونحتفل بعيد ميلاده ال90 فهو من مواليد 20 نوفمبر 1927 قضاها كلها ممتلئًا بحب هذا الوطن مصر عاشقًا لترابه، عرف مكنون سر شخصيتها وقوتها الكامنة فى البساطة العميقة. فطاف أنجاء هذا الوطن يبحث عن هؤلاء البسطاء ويكتب عنهم ويدافع ويقف فى وجه الجبروت والطغاة. بحث عن المتناقضات وعاش فيها بتوازن ولا أجدع لاعب (ترابيز). امتلك ناصية اللغة العربية و(عكمها) فأخرج لقرائه أحلى وأرق نوع من الكتابة والعناوين الجذابة الرائعة فى مقالاته وكتبه وقصصه ومسرحياته. حتى وصل إلى نوع من الكتابة حمل اسمه (كتابة) سعدنية. عفوًا لم يصل لمستواها أو يقترب أحد. هذا الأديب.. الأريب الذى بدأ كاتبا للقصة القصيرة أواخر الأربعينيات وأبدع مجموعة (جنة رضوان) التى اعتبرها النقاد فتحا ومنعطفا خطيرا فى هذا العالم الأدبى الجديد.. الذى تفنن السعدنى فى رصد عالمه والوصول لأعماق النفس البشرية. (هذا الفران) - رضوان- الذى يعيش حياته أمام النار بكل ما فيها من لهيب وجذوة وحرارة لصناعة الخبز ومن أجل لقمة العيش.. يحلم بدخول الجنة ويقص لأصدقائه وأسرته الحال هناك فى المكان الذى من المفترض حسب الدين والقرآن أنه حارسه. ويبهرنا هذا التضاد أو الحلم أو المقابلة أو الفكرة التى أخذنا لها العم محمود. إن الكتابة والرصد لتاريخ محمود السعدنى مازالت تحتاج الكثير لجمع تراث هذا (اللوزعى) الذى خاض معارك صحفية صعبة المراس وكان وما زال رائدا فيها ومبتكرا لها فى الدخول لأعماق الشخصية المصرية.. هل ينسى التاريخ كتابه البارع الجمال (ألحان السماء) عن دولة تلاوة القرآن الكريم فى مصر.. هذا الكتاب الذى قرأه واستمع له الملايين على مدار القرون. هل فكر أحد أو جادت قريحته بفكرة الكتابة عن أبرع من تلوه هذه واحدة أما الأخرى اختيار هؤلاء الأساطين من القراء. ثم إن اسم الكتاب وحده -عفوا- حكاية لا تُنتجها إلا قريحة هذا الموهوب.. محمود السعدنى هو أحد نتاجات العبقرية المصرية الخالصة الهوى.. والهوية بروح ابن البلد.. المشاكس الصعلوك.. النبيل اللى يفهمها وهى طايرة بحب وإخلاص ووطنية وسخرية. البرازيلى تذكرنى كتاباته بلاعبى البرازيل الذين لا يكفون عن الترقيص و(التغزيل) وإحراز الأهداف بمتعة وجمال وأداء راق ينفذون إلى المرمى.. ومرمى السعدنى وهدفه هنا القارئ الذى (ما يفتأ) أن (يبسمل) فى مقال أو كتاب أو قصة للسعدنى حتى يسلبه الرجل إرادته ويواصل القراءة.. ويسترسل.. ويستمتع بالأسلوب (البرازيلى).. أى السعدنى حتى يصل للنهاية. الموهبة حبكة درامية نابعة من موهبة صافية وقعت أثيرها منذ ثلاثين عامًا حين اكتشفت السعدنى على صفحات أخبار اليوم عقب عودته من المنفى منتصف الثمانينيات وكنت «طالب ثانوى» بجرجا الثانوية.. وقرأت «ثم أن» بقلم محمود السعدنى بصورته المميزة فى صدر المقال ثم تابعت هذا الرجل عقب التحاقى بدار العلوم باحثا ومنقبا عن كتبه فى سور الأزبكية والتهمتها كاملة بداية من المضحكون وفى كل مرة أتساءل من أى نبع إبداعى هذا السعدني؟ والتحقت بصباح الخير فى روزاليوسف (ملعب صباه وأيقونة إنتاجه) فكانت مجلداته ضالتى لاستكمال ما فاتنى من إنتاج قريحة السعدنى والذى أكرر أنه كنز مازال فى انتظار الباحثين. لهذا المبدع الذى لا أظن شطب يومًا أو بيّض أو أعاد ما جادت به قريحته !! (حسب تعبيراتنا الصحفية)، والموهبة الربانية التى صقلتها رحلاته ومعارفه وتجاربه الحياتية التى عشقها وعشق كل ما فيها. الساخر سخرية محمود السعدنى قال عنها بعض الباحثين إن لجوء السعدنى للسخرية فى كتاباته وحكاياته يمثل انعتاقا وتحايلا، وأكاد لا أشك فى أنه كان يتخوف أحيانا من ملل القارئ وسآمة السامع، فيعطى لكتاباته مساحة من الحرية فى الانتقال من الجاد إلى الهزل ومن الحكمة البليغة إلى النادرة اللطيفة. كان حريصا على التنوع وتعدد الصور، وأسعفته ثقافته وسعه اطلاعه وحظه الوافر من المعرفة على التأريخ لبعض الظرفاء فى مصر الحديثة. لقد جاء تحليله ونقده للأحداث بعبارات بسيطة تهكمية ساخرة. كان يؤمن أن الفائدة من التاريخ هى العبرة والتنصح من خلال معرفة الأحوال الماضية وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن.. من علم التاريخ زاد عقله. الظرفاء لقد كان السعدنى تحولاً خطيراً ومؤثراً فى تاريخ ظرفاء مصر فى العصر الحديث الذين تناولوا أحوال البلاد والعباد بظرف وسخرية وإسقاط على الواقع بفكاهة لاذعة ومصطلحات غريبة، فقد عرفت مصر الحديثة عبدالله النديم صاحب التنكيت والتبكيت بكل ما فيه من سجع وجناس وطباق ونقد للحكام والمسئولين والإنجليز.. والخديوى والحاشية وكل ما لا يقف فى صف المواطن المصرى البسيط (ملح الأرض) ثم عبدالعزيز البشرى.. وعبدالحميد الديب (شاعر البؤساء) وإبراهيم ناجى.. وحفنى محمود والمازنى صاحب حصاد الهشيم.. وفكرى أباظة الضاحك الباكى ومحمد عفيفى ملك الابتسام والانسجام والقافية.. وجليل البندارى.. وكامل الشناوى وشقيقه مأمون.. ومحجوب ثابت وبيرم التونسى الذى سخر من طوب الأرض شعرا ونثرا.. وغيرهم الكثير ممن عبر بقوة وجمال لحظيرة الفكاهة ولكن السعدنى حالة خاصة جدا.. رمانة الميزان لقد كان بمثابة رمانة الميزان.. أو العقد الفريد وسط هذه الكوكبة كان كالبرق الخاطف فى تراكيبه كالريح فى لقطاته وقفشاته «صاروخ عابر الحدود» لأنه مُنح اللمحة.. والنفحة فامتلك الكلمة والجملة والمفرادات.. ومتحكم (بتلالبيبها) فمنحنا كمية هائلة وضخمة من العلوم والمعارف والحكايات والإصلاح الاجتماعى لكل من حوله من الأصدقاء والمعارف والأقارب..وكل من يلتقيه ويطلب منه يد العون والمساعدة لقد طرق محمود السعدنى كل أبواب الأدب والصحافة والفن بمهارة تعبيرية ومصطلحات قمة فى الروعة والبساطة والانسيابية ودليل ذلك عناوين مقالاته التى اختار لها أسماء فيها من الرشاقة والتعبير ما لم يأت به الأوائل أو كما قال الشاعر الأموى الشهير جرير : أنا وإن كنت الأخير زمانه..لآت بما لم تأت به الأوائل «ثم أن» بما فيه من دلالة لغوية فنية.. والآخر هذا الرجل الذى كتب فيه عن جل خلق الله من البشر المسئوولين وغير المسئوولين.. المواهب وأنصافها.. الكبار والصغار. من الآخر كل أصناف البشر الذين عرفهم أو اقترب منهم أو اقتربوا منه ك،ان هذا الرجل (ترمومتر) الحياة لمن يتناوله السعدنى بقلمه و(ينشن) على أبرز ما فيه ثم يصوب ويهدف ويعود من جديد ليحوم.. ويقفز ويلدغ كالنحلة من أجل إصلاح الأحوال وهو المقال الذى كان ميلاده على صفحات صباح الخير وروزاليوسف.. لسنوات طوال. «ثم أن» بمنتهى الإعجاب والاندهاش هل هناك عنوان لمقال أكثر قوة ولا طرافة أو تعبير عن الأحوال بمثل هذا الاختزال والجمال. ولم تفارق البساطة والاختزال عناوين كتب السعدنى ومؤلفاته التى تحتاج لمزيد من البحث والفحص والدراسة. الولد الشقى قصة حياة السعدنى التى دشنها فى نصف دستة من الكتب تباعا تحت عنوان مذكرات الولد الشقى.. وهنا أتوقف أمام مصطلح الولد الذى لازم عمنا محمود طويلا وأؤكد أن مدلوله يحمل فى طياته معانى الولد بحماس وقوة ونبل وفروسية إنما كلمة الإعجاب الأكثر إثارة فى مصر حين تقول عن أى شخص حقق عملاً يقارب الإعجاز والإنجاز فنصرخ قائلين (دا ولد.. أو يا ولد) (أو نقول ولد ماجبتوش ولادة) أما الشقاوة فإنها الشقاوة المحببة.. شقاوة أولاد البلد.. فتوات بداية القرن العشرين.. النضج والوعى الاجتماعى وحفظ الحقوق.. وترويض الأسود. رحلات رحلات ابن بطوطة.. (الموكوس فى بلاد الفلوس)، (السعلوكى فى بلاد الإفريكى).. (بلاد تشيل وبلاد تحط)، (ساخر على الرصيف)، (حمار من الشرق).. مؤلفات من عرق جبين العبد لله.. تجارب شخصية 100% امتلأت بالقصص والعبر والحكايات والمطبات التى وقع فيها الولد الشقى إنها أدب الحكايات والسفر الذى تعب منه طوال عمره.. (شيل وحط) فى لوحات تعبيرية ولا أروع.. دراسات لكل أنواع البشر فوق الأرض. تجربة نادرة التكرار لقد امتلك محمود السعدنى ناصية البيان كتابة وحديثا وهذه شهادة منصوص عليها بمؤلفاته التى تركها فى كل أنواع الأدب. القصة القصيرة - اللون الأدبى - الذى كان أول من وضع بصماته فيه بمجموعة (جنة رضوان) بداية الخمسينيات ثم مجموعة قصصية تحت اسم (بنت مدارس) التى قال عنها أحد النقاد والأكاديميين نصا فى الستينيات : يذكرنى محمود السعدنى فى مجموعة قصصه هذه (بألفريد هيتشكوك) المخرج الأمريكى المعروف الذى لم يكن يهدأ إلا إذا أظهر شخصه فى أفلامه بأية صورة فى دور صغير أو ثانوى. وعندما لم يجد لنفسه يوما فى الرواية مكانا تفتقت حياته عن صورته فى أحد الجرائد الطافية على الموج.. وقد أورد د. ماهر شفيق فريد بمقال له فى الهلال العدد الخاص عن حكاية الولد الشقى 2007 إدراج الدكتور محمود المنزلاوى أقصوصة للسعدنى تحت اسم (إلى طما) مترجمة إلى الإنجليزية فى كتابة قصص عربية قصيرة 1945-1965 (مركز الأبحاث الأمريكية بالقاهرة 1968) ترجم القصة محمد قدال وراجع الترجمة لويس هول. قصص مترجمة وبالمناسبة (والمعلومة مستقاة من نفس المقال السابق) قامت نائلة نجيب بنقل ست قصص (نصف دستة) من قصص السعدنى القصيرة إلى الإنجليزية هى (السماء السوداء) (الأفريكى)، المأمور، العبقرى، البلوبيف، ديان بيان فو، وذلك فى كتاب عنوانه «السماء السوداء» وقصص أخرى صدر فى عام 1988. وألم أقل من البداية إن السعدنى وأدبه وفنه الكتابى والأدبى والصحف يحتاج إلى فريد من الدراسة والبحث والفحص.. والتنقيب لأنه كاتب موسوعى ابن عصره ونتاج بكر لثقافته. مع أبو الفنون وله باع فى كل ممالك الكتابة وفنونها وعن تلك الممالك التى طرقها.. الإبداع والكتابة للمسرح (أبو الفنون) وفاكهتها الحلوة الطازجة بكل ما فيها من براح.. وببراعة كتب السعدنى وأدلى بدلوه فى هذا الملعب. وكانت قمة الإبداع مسرحية (النصابين) التى شغلت النقاد والجماهير اثناء عرضها وهنا ألتقط عنوانًا كتبه حينها الدكتور عبدالقادر القط جاء فيه عن الرجل: هو يتميز بقدرة فائقة على التقاط المواقف المليئة بالمتناقضات والتى تتيح له أن يمارس براعته فى السخرية اللاذعة. وضمن ما كتبه للمسرح (فيضان النبع)، (عزبة بنايوتى) ، (بين النهدين)، (الأورنس أو البلوبيف)، (4-2-4). وغير ذلك من المسرحيات النوع الأدبى الذى مازال مجهولا ولم يحظ بالدراسات الكافية والذى أظن أن السعدنى صال وجال فيه بكل ما يمتلك من مهارات لفظية ورسم للشخصيات والمواقف التى لم يقدر على قالبها إلاسواه.. رسم الشخصية وهو أحد العارفين بمكامن الشخصية المصرية وسحر النبوغ والتفوق فيها وقد ساعده قلمه فى رسم هذه الشخصية فى كتابيه الخالدين «ألحان السماء» ومن ثم «المضحكون» ونلاحظ مقدار التناقض البعيد بين الشخصيات. فألحان السماء يتحدث عن قراء القرآن الكريم بما فى هذا الأداء من رزانة وخشوع وتفاعل بين الجمهور من المستمعين والمشاهدين.. من كل أطياف المجتمع.. وفى «المضحكون» عن نجوم الكوميديا القدامى والجدد بما فى أدائهم من سخرية وعفوا (فط ونط) وحركة دائبة من أجل جذب أنظار الجماهير بكل أطيافهم، والاثنان يمتطيان خشبة العرض.. دكة المقرئ.. وخشبة المسرح ! لكن لا تشعر أن السعدنى أطل ولا أقل فى وصف أو تقريب أى شخصية تناولها بالكتابة والنقد. فرق كبير.. بين شخصية المقرئ.. والمضحك لكن الغوص فى أعماق الشخصية وإن كلا منهما امتلك روح الموهبة التى تمنحنا بهجة الحياة. ومتعة العيش فى ملكوت الله. فيا الله لهذا المبدع الشقى الذى يبدع فى الكتابة عن محمد رفعت والبنا ومصطفى إسماعيل، أحمد ندا، محمد الصيفى، محمد سلامة، عبدالعظيم زاهر والشعشاعى.. وعبدالباسط عبدالصمد والطبلاوى (أحد اكتشافاته) ومحمد ومحمود صديق المنشاوى وغيرهم من أبناء دولة قراءة القرآن بحلاوة ورقة ونقد.. لم ولن يقترب من حلاوته أحد لا قبل ولا بعد. والمثير تشبيهات السعدنى لكل قارئ بنوع من أنواع الفاكهة فالشيخ رفعت التفاح. الشعشاعى الرمان ومصطفى إسماعيل العنب البناتى.. وهكذا نراه يقفز سريعا ليتناول أيضا بعين الناقد الفنان والكاتب الرائع لملوك عرش الضحك والفكاهة نجيب الريحانى وعلى الكسار وإسماعيل ياسين، ومحمد عوض ومدبولى والمهندس وعبدالمنعم إبراهيم والقصرى وعبدالسلام محمد، ومحمد رضا والضيف أحمد وسعيد أبو بكر وعادل إمام وسعيد صالح وصلاح السعدنى هذه الكوكبة التى أمتعت ملايين البشر وأدخلت إلى قلوبهم البهجة فصار لكل منهم متابعين ومحبين فى كل زمان ومكان. «هذا الرجل» تماما إنها الروح المصرية الكامنة فى عقل وقلب هؤلاء المبدعين والمواهب الفطرية التى رسم شخصيتها أحد عناصرها السعدنى). ولم يقتصر رسم الشخصية المصرية لدى السعدنى على كتابين فقط، بل كان المقال الأسبوعى «هذا الرجل» واحدًا من عيون أدب المقالة الصحفية طوال تاريخها فقد كان السعدنى يمسك فيه بسر الأسرار فى الشخصية (سلبا أو إيجابا).. وبمهارة ودون فذلكة بسرعة الصاروخ يصل بنا لجوهر هذه الشخصية فى كل مجالات الحياة العامة والخاصة بداية من الشخصيات السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الرياضية أو الفنية. كان السعدنى يحسها ويراقبها ويلدغها كواحد من المصلحين الاجتماعيين فى المهنة، وشهدت صفحات صباح الخير وروزاليوسف والأهرام الرياضى آلافًا من الشخصيات التى تناولها فى خفة ظل ونقد بناء. على مدار 30 عاما وقد قرأت معظم ما كتب السعدنى لم أشعر كقارئ أن هذا الرجل لا يتحرى الصدق، وأراه يدخل فى مناطق شائكة ويعرضها عرضا سلسًا جميلا، وغرام بقلم يشعرك بقوة صاحبه ومعرفته ببواطن الأمور. نعم فهو عبقرى فذ متفرد وأكرر هو الأكثر بين كتاب مصر طوال تاريخها الذى يمتلك النفاذ لسر أسرار الشخصية. مذكرات أحسن لاعب فى مصر وهنا وضمن الأوراق المهمة فى حياة السعدنى كتابته السيرة الذاتية لأحسن وأشهر لاعب كرة قدم فى مصر بالقرن العشرين (الضظوى) التى شهدتها صفحات روزاليوسف فى الستينيات على حلقات لم أر أبدع ولا أجمل ولا أدق من توصيف لحياة نجم الكرة الشهير مما كتبه السعدنى وصفا دقيقا لمشوار هذا الرجل الذى اقترب منه السعدنى وراح يعطى كتابة المذكرات شكلاً ونفحة من نفحاته الأدبية التى لا تبارى وبالمناسبة لم يتم طباعتها فى كتاب. وهذا يأخذنى للعالم الرحب الذى أبدع فيه كما أبدع فى كل ألوان الأدب والفنون. مجال كرة القدم الذى عشقه فكتب عن كل نجوم الساحرة المستديرة خاصة أندية المظاليم والأقاليم (الإسماعيلى والأوليمبى والمصرى والمحلة) فى عنفوان وجبروت الأهلى والزمالك. وينجح فى أن يحجز مساحات هائلة لدى عشاق ومحبى هذه الأندية وكتب عن كل نجومها وسافر إلى أحراش إفريقيا واقترب من عالمها المثير.. (البكر) الطازج المواهب والفلتات التى نبه وتنبأ بظهورها فى أحد عيون أدب الرحلات من كتابه (الصعلوكى فى بلاد الإفريكى). الطريق إلى زمش.. والظرفاء سوف يقف طويلا تاريخ الأدب وفن الكتابة الصحفية عند الملكة التى منحها الله السعدنى فى اختياراته للتراكيب والعناوين والمعالجات الأدبية، فاقرأ معى عنوان كتاب (الطريق إلى زمش) بكل ما فيه من براعة وإتقان وإسقاط على الواقع حين ترجم حاله فى المعتقل واتهامه لا بالشيوعية ولا أهل اليمين، واحتار فيه المراقبون والضباط عقب رحلة تحرى طويلة. وسألوه عن حاله فقال أنا تابع لحزب (زمش) ترجمتها زى ما أنت شايف وغيرها بلاد تشيل- بلاد تحط- أمريكا يا ويكا -تمام يا أفندم. أما «الظرفاء» فإنه واحد من ألمع ما ألف وتناول السعدنى والذى كتب فيه عن أهم ثلاث عشرة شخصية ظريفة أنتجتها العبقرية المصرية فى العصر الحديث عبدالله النديم - حافظ إبراهيم- عبدالعزيز البشرى - إمام العبد - عبدالحميد الديب - إبراهيم ناجى - حفنى باشا محمود -إبراهيم المازنى - محمد شفيق المصرى - محمد البابلى - محجوب ثابت - مجدى فهمى - بيرم التونسى. فنون أخرى ونقول كمان إن ضمن إنتاج السعدنى المتنوع والمتفرد كتابته لروايتين الأولى حملت عنوان «حتى يعود القمر».. والثانية تحت عنوان «الأرزقيه». ولم يفلت من السعدنى كتابة الدراسات التاريخية فأضاف ثنائيًا مثيراً مازال يلتهمه الباحثون والمؤرخون بكل لهف وشوق، الدراسة الأولى صدرت تحت عنوان (الجزائر أرض اللهب) دراسة عن الثورة الجزائرية فى الستينيات وصدرت إبان اشتعال ثورة المليون شهيد. والدراسة الأخرى حملت عنوان (مصر من تانى) وهى صادرة بداية التسعينيات وكما كتب عنها فى المقدمة أنها نظرة على تاريخ مصر من تانى.. نظرة رجل من الشارع غير متخصص وغير كمسارى وعلى غير علاقة رسمية بالتاريخ والكمسارى معروف!. وهنا أختم نصًا بما كتبه د.نبيل حنفى محمود الكاتب والأستاذ الجامعى فى عدد الهلال السابق الإشارة إليه فى العدد الصادر فى رئاسة تحرير المجتهد مجدى الدقاق فى ثنايا مقاله (سرفانتس مصرى) فى ضوء كتابته عن السعدنى كتب: تميز هذا الفيض الثرى من الكتابات التى أمتع بها محمود السعدنى أجيالا من الناطقين بالعربية بميزتين رئيستين تتمثل أولاهما فى قدرته الفائقة على المزج بين عربية صحيحة وعامية حريفة فى سبيكة لغوية متفردة تكتسى بخفة الدم والفكاهة. وتتلخص الميزة الثانية فى أن عنصرى الفكاهة والسخرية قد استخدما للتخفيف من حدة الهموم والقضايا التى تدور حولها هذه الكتابات. إن المدقق فى ثنايا كتابات السعدنى سوف يكتشف اهتمامه الكبير بقضايا المواطن البسيط ودفاعه الدائم عن مصالح الوطن والأمة دون احتراز للمحاذير السياسية أو حسابات المكسب والخسارة وما يلمسه قارئ كتابات السعدنى أيضا شوقه الدائم إلى الحرية وبغضه العظيم للديكتاتورية والشمولية والفساد. وهذا الاختزال أظنه خير ختام. كلمة لأكرم السعدنى كلمة للعزيز أكرم السعدنى الذى أعتبره خير خلف لخير سلف أو خليفة لعم محمود فى ملاعب الصحافة وعلم دراسة الشخصية واكتشاف أسرارها وهو أحد المبدعين الكبار على الساحة الآن شئنا أم أبينا. فالولد سر أبيه. وأكرم فيه روح وفلسفة وأسلوب وانتشار والده الذى يمتلك الكنوز الكتابية والأسرار الكاملة. ولذلك يقع على عاتقه حمل كبير بالحفاظ على تراث السعدنى الكبير والبحث فى مخطوطاته الورقية والكلامية أيضا وحفظها فى سفر كبير والتنقيب عن كل مأثورات الرجل خاصة مقالاته الصحفية المتناثرة فى صحف ومجلات مصر والعرب لأنها كنز وتستحق الجمع والحفظ والدراسة فهيا يا أبو محمود شمر عن ساعديك.. وورينا الهمة.. والله الموفق. •