بوفاة رفعت السعيد الخميس الماضى انطوت صفحة من كتاب اليسار المصرى والعربى، زعيم حزب التجمع الوطنى الوحدوى التقدمى لسنوات، أحد أبرز وجوه الاشتراكية العربية خلال العقود الماضية. انخرط السعيد المولود 1932 فى الحركات اليسارية منذ سنوات المراهقة، فهو أصغر معتقل سياسى فى أواخر الأربعينيات فى عمر السادسة عشرة، وكان عضوا فى منظمة حدتو (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني). ومنذ ذلك الحين وحتى رحيله عن 85 عاما، ظل معارضا شرسا لحركات الإسلام السياسى أو ما يسميه «التأسلم»، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين الذى ظل يطلق عليها «الإرهابية» وعلى مؤسسها حسن البنا «المتأسلم الإرهابي»، حتى قبل أن تدرجه الدولة على قائمة التنظيمات الإرهابية. خلال سبعة عقود، دخل السعيد سجون أغلب حكام مصر، فبعد اعتقاله قصير المدى فى العهد الملكى، كان له نصيب أربع سنوات فى سجون الزعيم جمال عبدالناصر فى 1958 ، وفى عهد السادات، اعتقل فى 1978، وهو التاريخ الذى يتحدث عنه السعيد باعتباره المعارضة الأكثر جذرية فى تاريخه السياسى «تصريح فى عهد مبارك، قبل أن تعرف مصر حكم المرشد وجماعته فى عهد مرسي». لم تقتصر معارضة السعيد للإخوان وحلفائهم على العمل السياسى، بل استخدم تخصصه كمؤرخ (حاصل على الدكتوراة فى التاريخ الحديث من ألمانيا) فى مواجهة مشروعهم، فكتب «حسن البنا لماذا ومتى وكيف» يحلل فيه شخصية مؤسس الجماعة فى سياقه السياسى والاجتماعى بل النفسى. كما وضع مؤلفا ضخما بعنوان «الإخوان المسلمين»، لتقديم «رؤية مختلفة" عما قدمه الباحث الأمريكى ريتشارد ميتشيل فى كتابه القيم بنفس العنوان، والذى ترجمه الراحل عبدالسلام رضوان فى الثمانينيات. وفى السنوات القليلة قبل ثورة 25 يناير قدم كتابه «ضد التأسلم»، وهى أحدث حلقات معركته ضد الإخوان، وهو ما جر عليه انتقادات واسعة من داخل حزبه قبل خارجه. هادن السعيد نظام مبارك، فهو زعيم الحزب الوحيد الذى لم يقاطع انتخابات 1990، كما قبل تعيينه فى مجلس الشورى، وبرر السعيد هذه المهادنة بأنها خطوة لصد صعود الإخوان سياسيا، لكنها لم تمنع انتشارهم، حتى حصلوا على ربع مقاعد البرلمان فى انتخابات 2005. انشق عدد من أعضاء حزبه التجمع فى مقدمتهم عبدالغفار شكر، ليؤسسوا التحالف الشعبى، منددين بهذه المهادنة غير المبررة فى نظرهم. وفى آخر حديث تليفزيونى للقطب اليسارى الراحل قال: «التجمع شريك فى ثورة 30 يونيو، فهو من أوائل من وقف ضد الإخوان.. كما أن السيسى أنقذ مصر من مؤامرة الإخوان». حياة السعيد الفكرية لم تقف عند الإخوان، فهو مؤرخ الحركة اليسارية المصرية الأكبر، خاصة كتبه «الصحافة اليسارية فى مصر»، و«تاريخ الحركة الاشتراكية 1900»، وغيرها كثير، حتى صار أحد المصادر المهمة فى دراسة هذا التيار إلى جانب لجنة كتابة تاريخ اليسار التى أشرف عليها لسنوات المؤرخ وأستاذ التاريخ المعاصر عاصم الدسوقى. لن يحسم الجدل حول السعيد بين مؤيد ومعارض لسنوات قادمة، فقد ظل زعيما للتجمع بشكل فعلى منذ مطلع التسعينيات، حتى مع وجود مؤسس وقائد الحزب خالد محيى الدين (عضو مجلس قيادة ثورة يوليو)، لجرأته على خوض المعارك ضد التيار الإسلامى صاحب الشعبية الكبيرة والمحترف لخلط الأوراق بين الدين والسياسة.•