منذ فجر التاريخ كان نهر النيل شاهداً على قيام أولى حضارات الأرض، الذى يمتد بطول 6.695 كيلو متر، ويبدأ مساره من بحيرة فيكتوريا ثانى أكبر بحيرة للمياه العذبة فى العالم والأكبر فى إفريقيا، ويتجه شمالاً حتى المصب فى البحر المتوسط، ليغطى بذلك حوض النيل مساحة 3.4 مليون كيلو متر مربع. ويمر النيل -أطول أنهار العالم- ب10 دول إفريقية يُطلَق عليها دول حوض النيل وهى (كينياوأوغنداوتنزانيا ورواندا وبوروندى والكونغو الديموقراطية وإثيوبيا وجنوب السودان وشمال السودان ومصر)، بالإضافة إلى وجود دولة إريتريا كمراقب. ويتكون نهر النيل من فرعين رئيسيين يقومان بتغذيته و هما النيل الأبيض فى شرق القارة و النيل الأزرق فى إثيوبيا، ويشكل النيل الأزرق 80-85% من مياه النيل الإجمالية، ولا يحصل هذا إلا أثناء مواسم الصيف بسبب الأمطار الموسمية على مرتفعات إثيوبيا، بينما لا يشكل فى باقى أيام العام إلا نسبة قليلة، وتُقَدّر مساهمة النيل الأزرق فى مياه النيل بضعف مساهمة النيل الأبيض تقريبا، وهناك عدة اتفاقيات تنظم توزيع مياه النيل بين دول المنبع و المصب أولها اتفاقية 1929 التى جاءت بين مصر وبريطانيا التى كانت تنوب عن السودان وأوغنداوتنزانيا، فقد نصت على ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أية أعمال رى أو كهرومائية أو أية إجراءات أخرى على النيل وفروعه أو على البحيرات التى ينبع منها. أما اتفاقية 1959 فقد وقعت فى 5 نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929وليست لاغية لها، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان فى ظل المتغيرات الجديدة التى ظهرت على الساحة آنذاك وهو الرغبة فى إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات فى أسوان. وقد حددت لأول مرة اتفاقية نوفمبر 1959 بين مصر والسودان كمية المياه ب55.5 مليار متر مكعب سنويا لمصر و18.5 مليار للسودان. تلت اتفاقية 1959 العديد من إطارات ومبادرات التفاهم التى تمت بين مصر وأوغندا من جهة عام 1991 ومصر وإثيوبيا من جهة أخرى عام 1993 ضمنت جميعها عدة مبادئ، أهمها عدم قيام أى من الدولتين بعمل أى نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضرراً بمصالح الدولة الأخرى والتشاور والتعاون بين الدولتين بغرض إقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه وتقليل الفاقد، لكن تلك التفاهمات والآليات التى وُقِعَت فى التسعينيات لم تكن أبداً فى محل الاتفاقيات أو المعاهدات، لذا فجميعها لا يلزم الطرف الآخر بالالتزام قانونياً بتلك المبادئ. ومن ثم تعتبر اتفاقية 1959 هى المحورية والتى ضمنت استحواذ كل من مصر والسودان على 90 % من إجمالى مياه النيل بواقع 84 مليار متر مكعب، تذهب 55 مليار متر مكعب لمصر و 18 مليار متر مكعب للسودان، ويأتى ذلك فى الوقت الذى لاتعتمد فيه دول المنبع على نهر النيل فى تأمين حاجاتها المائية لأغراض الزراعة وإنتاج الغذاء بقدر اعتمادها على الأمطار الموسمية التى تقدر بعشرين مرة حجم مياه النيل والتى يذهب معظمها هدراً لعدم توافر التقنيات و الإمكانيات اللازمة للاستفادة منها، ومن ثم كان الطموح الإثيوبى المائى حاضراً منذ عقود والذى استغله الغرب والصين لتحقيق أهدافهما لغزو إفريقيا. وعلى صعيد مواز، يبرز مسلسل استغلال الغرب والصين لأفريقيا وهو ليس بجديد، حيث يسعى لاستغلال طموح شعوب القارة ونهب خيراتها، بل تزداد حدته يوماً تلو الآخر، ليس فقط لثرائها بالمعادن والطاقة ولكن لإدراكهما أهميتها على الصعيدين الإقليمى والدولى نظراً لموقعها بين قارات العالم وامتلاكها مجارى ملاحية مهمة وفقاً للتصنيف العالمى، كما أنها تشكل إحدى ساحات الصراع العربى - الإسرائيلى، لذا عملت الولاياتالمتحدة من خلال إسرائيل، وعملائها على التغلغل فى القارة وخلق علاقات مع دولها عامة ودول القرن الأفريقى خاصة، لما تمثله من عمق استراتيجى وأمنى فى ظهر الوطن العربى، فهذه المنطقة تضم مضيق باب المندب، الذى يفصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندى من ناحية، وخليج عدن وبحر العرب من ناحية أخرى، ما يسهل التسلل إلى الدول العربية، ومن ثم حصارها وتحجيم دورها. وتلاقت الجهود الغربية مع الطموح الإثيوبى، وبين عامى 1956 و1964، أجرت الولاياتالمتحدة عمليات تحديد موقع مشروع سد «النهضة الاثيوبى الكبير»، عن طريق دراسة للمكتب الأمريكى للاستصلاح، و الذى كان يجرى أبحاثه على 26 موقعاً، منها 4 على النيل الأزرق، وحمل سد النهضة فى تلك الدراسة اسم «سد بوردر»، بعد أن أعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين المشروع وإسناده إلى شركة إيطالية، وقامت بالفعل بوضع حجر الأساس للمشروع فى أبريل2011 وغيرت اسمه إلى «سد النهضة». ووفقاً لما ذكره كتاب: «نهر النيل فى عصر البريطانيين» ل«تيرجى تفيدت» البروفيسور بجامعة أوسلو، كانت هناك محاولات عدة من جانب الإدارات الأمريكية المتعاقبة بإقامة عدد من السدود فى إثيوبيا تعود إلى عقود مضت، حيث حصلت شركة أمريكية على إذن من إثيوبيا بإنشاء سد على بحيرة تانا، خلال ثلاثينيات القرن الماضى، غير أن البريطانيين أوقفوا ذلك بموجب أحكام اتفاقية 1929. ومنذ تلك الفترة نجحت إثيوبيا فى تشييد عدد قليل من السدود فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، ولكنها لا تحمل سعة تخزين عالية، كما أن إمكانياتها لتوليد الطاقة ظلت فى مستويات متوسطة، وكانت تُستَخدم لرى الأراضى الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية. وفى عام 2005 كان حوالى 85 % من سكان إثيوبيا بدون خدمات كهربائية، ومع الزيادة المطردة للسكان، أخذ الطموح الإثيوبى مساراً أكثر جدّية، حيث تنوى إثيوبيا أن تكون مصدراً إقليمياً للمياه وللطاقة كذلك، ومع زيادة الطلب على الطاقة من دول الجوار الإثيوبى سواء جنوب السودان، أو شمال السودان، وكذلك كينيا، وعبر جيبوتى والبحر الاحمر إلى اليمن، ومع وجود مصر كخصم أساسى للطموحات المائية الإثيوبية، أصبحت إثيوبيا مسرحاً للعديد من عمليات تمويل إنشاء السدود على روافد النيل، وصولاً لسد النهضة. وتوازى مع ذلك تكالب كبير على القرن الأفريقى من قبل الصين وإيران والولاياتالمتحدة وإسرائيل، فوجود الأخيرة ليس لأسباب اقتصادية فقط وإنما لأسباب استراتيجية، ومنها الاعتراف بها، ومحاولة حصار مصر فى دول منابع النيل وعزل العالم العربى فى الأطراف. ففى عام 1998 اتخذت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأسبق بيل كلينتون خطوات لتعزيز السياسة الرامية لعزل الشمال الأفريقى، مصر والسودان (دولتى المصب) عن دول حوض النيل فى ظل إقامة مشروع «القرن الأفريقى الكبير» بحجة اندماج دوله فى الاقتصاد العالمي؛ ليضم إثيوبيا وإريتريا (دولتى النيل الأزرق)، وأوغنداوكينيا ورواندا وبوروندى (دول البحيرات العظمي)، بالإضافة إلى جيبوتى والصومال وصولاً إلى ساحل البحر الأحمر، ويتمثل خطر هذا المشروع فى التهديد الأمنى والمائى لدولتى المصب، ويزداد الخطر مع تنامى الدور الإسرائيلى داخل دول منابع النيل المناوئة للمصالح المصرية السودانية، وهذا ما حدث مع إثيوبيا، ذات الأطماع التوسعية فى منطقة القرن الأفريقى، وبالرغم من أنها فقيرة مادياً وعسكرياً، فإنها تنتهز فرصة الفوضى السياسية التى تعقب الصراعات الإقليمية، وتنافس القوى الغربية على هذه المنطقة، لتبدأ فى تقديم نفسها كلاعب أساسى يمكنه استخدام أسلوب الضغط فى أعالى النيل لتحقيق أطماع الغرب. وقد توفرت هذه العوامل مع تنافس التنين الأصفر، والحضور القوى لإسرائيل الذى تتخفى وراءه واشنطن وحلفاؤها، بالإضافة إلى وجود خلاف إقليمى، مثلما حدث فى السودان وانفصال شماله عن جنوبه. وتُعتبر إثيوبيا أهم منصة إفريقية لدى عقل الكيان الإسرائيلى، فهى حلقة الوصل بينه وسائر مناطق وسط إفريقيا وجنوبها، لذا احتفظت إسرائيل بعلاقات متميزة مع إثيوبيا على الصعيد الاقتصادى و العسكرى، كما عززت حالة الصراع و العداء الأخيرة بين مصر وإثيوبيا، أهميتها لدى الكيان الإسرائيلى، ما جعل العلاقات بينهما تأخذ منحنى أكثر تطوراً على جميع الأصعدة. وأعلنت شركة ناحل الإسرائيلية وهى الشركة المسئولة عن تطوير وتخطيط المصادر المائية فى إسرائيل أنها تقوم بمشاريع و أعمال فى إثيوبيا لحساب البنك الدولى، وأنها تقوم بأعمال إنشائية فى أوجادين فى الطرف الآخر من إثيوبيا على حدود الصومال، كما كشف العديد من الصحف أن خبراء إسرائيليين قاموا بعمليات مسح لمجرى النيل والمناطق المحيطة به، لتقديم الاقتراحات حول إنشاء عدد من السدود على النيل الأزرق المغذى الرئيسى لمياه نهر النيل. ويهدف التعاون الإثيوبى الإسرائيلى إلى تنفيذ العديد من المشروعات المائية التى يصل عددها الى 40 مشروعاً مائياً على النيل الأزرق، فضلاً عن تنمية الأراضى الزراعية على الحدود السودانية الإثيوبية، كما تعتمد المشروعات الإسرائيلية على الدراسات التى أصدرها مكتب الاستصلاح الأمريكى فى خمسينيات القرن المنصرم وأوائل الستينيات التى كانت بهدف الضغط على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. والحقيقة أن التواجد الإسرائيلى لم يقتصر على الدعم التقنى والفنى لأمور الإنشاءات المائية فحسب، بل شمل أيضاً تطوير الجيش الإثيوبى، بداية من عام 1995، حيث عملت إسرائيل على تنفيذ برنامج خماسى يتعين إعادة هيكلة وتنظيم وتسليح الجيش الإثيوبى ليكون قادراً على مواجهة أية تحديات من داخل القارة الأمر الذى قد يؤشر ربما أن إثيوبيا كانت تخطط لاتخاذ خطوات بشأن ملف المياه منذ عقدين من الزمان. وبحسب الصحف الإسرائيلية فإن إسرائيل بدأت منذ عام 1996 ضخ كميات كبيرة من الأسلحة إلى إثيوبيا شملت طائرات نقل واستطلاع من نوع «عرابا» المنتجة فى إسرائيل، كما شملت دبابات من طراز (ميركافا) السوفيتية التى جرى تحسينها، وكانت إسرائيل قد استولت عليها أثناء حرب 67 إضافة إلى منظومات رادار وصواريخ بحرية، ومنظومات صواريخ «باراك» و«جبريائيل» وصواريخ ومدافع مضادة للطائرات. وتعود أطماع إسرائيل إلى عام 1903 عندما تقدم تيودور هرتزل، مؤسس المشروع الصهيونى، بهذه الفكرة إلى الحكومة البريطانية، بحجة أن هناك فائضاً من مياه نهر النيل عن حاجة مصر، ويصب فى البحر المتوسط دون استخدامه فى الزراعة أو تخزينه، حيث لم يكن لدى مصر فى ذلك الوقت أى خزانات على النيل، إلا أنه لم يحدث شيء. وفى عام 1955 أحياها مجددا رئيس وزراء إسرائيل، ديفيد بن جوريون، بإعلانه أن مستقبل بلاده سيظل مهدداً وستضطر لخوض الكثير من الحروب مع العرب من أجل الحصول على المياه، وقد ظلت هذه الفكرة مرتبطة بالمراحل التاريخية للصراع العربي- الإسرائيلى، ففى أعقاب الانتصار الذى تحقق فى حرب أكتوبر 1973 وما أعقبه من الحديث عن السلام، طرح الكيان الصهيونى فى منتصف السبعينيات عدة مشاريع للحصول على 10% من إيراد النيل لحل مشكلة المياه لديه، التى كانت مصيرها جميعاً الفشل، لذلك عمل الغرب وإسرائيل على توسيع التغلغل وإحكام السيطرة على دول المنبع بشكل يسهل الضغط على دولتى المصب والرضوخ فى النهاية لما يريده. ويمكن القول إن العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية، مرت بعدة مراحل، كانت أولها «مرحلة الدعم والتغلغل»، التى بدأت عام 1948 وحتى 1972 وخططت خلالها الحكومة الإسرائيلية لبناء علاقاتها معها لتكون قاعدة لتوطيد علاقاتها مع باقى الدول الأفريقية، إلا أنها تراجعت نتيجة لحرب أكتوبر 73 حيث تم قطع العلاقات، التزاماً بقرار «منظمة الوحدة الأفريقية»، وعقب ست سنوات عاد التعاون مرة أخرى، نتيجة لتوقيع معاهدة السلام مع مصر عام 1979. ومنذ ذلك الوقت، عملت إسرائيل خلالها على تطوير علاقاتها مع دول أفريقيا وأعادت علاقاتها مع إثيوبيا عام 1990بهدف استقطابها للضغط على دول المصب، خاصة مصر لتطويقها من الجنوب وعزلها عن محيطها الإقليمى، ولا شك أن مساعى إسرائيل المختلفة للتغلغل فى دول حوض النيل، لا سيما فى دول المنبع السبع للضغط على دولتى المصب، من بين أهدافها الحصول على المياه بأى وسيلة؛ فهى تريد تحويل جزء من مياه النيل إلى صحراء النقب عبر سيناء وترعة الإسماعيلية وقناة السويس. وهذه الفكرة لم تكن جديدة، ومعها «سد النهضة» كأداة تهديد وضغط فى حالة رفض مصر المفاوضات. وعلى الرغم من الدور الإقليمى الكبير لبلاد الحبشة تاريخياً، فإنها أصبحت دولة حبيسة عقب استقلال إريتريا عنها عام 1993 ومن ثم فإنها تعمل على استعادة دورها بأى وسيلة، إذ كانت تتحكم فى الجزء الجنوبى من البحر الأحمر وباب المندب، وكانت تشرف على الامتداد البحرى للسعودية واليمن، ومن ثم عملت الحكومة الإثيوبية على استعادة وضعها فى المنطقة والتغلب على كونها دولة حبيسة، فحصلت على دعم الولاياتالمتحدة وإسرائيل لتفعيل دورها بالوكالة فى المنطقة، وكانت أولى خطوات القوى الخارجية التأثير على سياسات دول حوض النيل واستخدام المياه كورقة ضغط على كل من مصر والسودان، للرضوخ إلى الضغوط المطالبة بتعديل الاتفاقيات السابق إبرامها واستبدالها باتفاقيات جديدة ستؤثر على حصة دولتى المصب من المياه. وبالفعل، طالبت إثيوبيا ومَن خلفها بإعادة توزيع المياه بين دول الحوض، حيث إنها تعارض اتفاقية عام 1929 التى تمنح الحكومة المصرية حق «الفيتو» لإيقاف أى نشاط على النيل أو فروعه أو البحيرات التى ينبع منها ويمكن أن يحد من تدفق المياه أو ينقص حصتها التى تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، كما يرفض النظام الإثيوبى اتفاق عام 1959 الذى أبقى على حصة مصر عند مستوياتها الحالية، ما دفع إثيوبيا لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن. وفصل الإمبراطور هيلاسيلاسى الكنيسة الإثيوبية عن بطريركية الأقباط الأرثوذكس والكرازة المرقسية، منهياً التحاماً كنسياً امتد أكثر من 1600 عام. وحين أقرت مصر الحاجة إلى إطار قانونى جديد، ولدت «مبادرة حوض النيل» فى تنزانيا فى فبراير 1999 لكنها لم ترضِ دول المنبع. إلا أن الحكومة الإثيوبية نجحت فى تكوين جبهة مؤيدة لها تضم أوغندا، وتنزانيا، ورواندا، وبوروندى، بعد انهيار المفاوضات فى مؤتمر شرم الشيخ فى أبريل عام 2010. وفى مايو من العام نفسه، أطلق اتفاق الإطار التعاونى لنهر النيل فى عنتيبى الأوغندية، لإلغاء الاتفاقات الموروثة من عهود الاستعمار. إلا أنه بعد مشاورات مكثفة لحقت بهذه الجبهة كينيا، لترفض جميعاً نظرية الحقوق التاريخية. وتأتى عملية بناء الإنشاءات الأولية لسد النهضة بعد أيام قليلة من ثورة 25 يناير 2011 لتجد كل من مصر والسودان (التى غرقت فى أزمة الانفصال) فى مواجهة مفتوحة بشأن قضية أمن قومى هى «المياه». وبحسب خبراء فإن الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية تركز على تهميش الدور المصرى وإغفاله فى حوض النيل من خلال تقديم الدعم المالى لإنشاء مشروعات زراعية فى إثيوبيا فى مواجهة التعاون المصرى الإثيوبى، كما سعى الغرب لإقناع دول المنبع بوجود ظلم واقع عليهم نتيجة الإسراف العربى فى موارد المياه، ثم تقوم بتقديم الدعم الاقتصادى والدبلوماسى لتلك الدول، بالإضافة إلى الوجود العسكرى الأمريكى المشترك فى جنوبالبحر الأحمر بدعوى محاربة الإرهاب والقرصنة، ومن ثم السيطرة والتحكم فى حركة الملاحة الدولية وارتباط ذلك بقناة السويس، ما يؤثر على أمن المنطقة. وفى هذا الصدد قامت الولاياتالمتحدة بإنشاء القيادة العسكرية الأفريقية المعروفة ب«أفريكوم» عام 2008 المنتشرة فى كل البلدان الأفريقية عدا مصر لعزلها عن كونها جزءاً من أفريقيا. وعملت من خلال إسرائيل على توقيع اتفاقيات لبناء سدود وتطوير وإنشاء محطات كهرباء للوصول إلى مياه النيل، حيث يوجد مئات الخبراء الإسرائيليين فى إثيوبيا للعمل فى المشروعات المائية، فضلاً عن إرسال الخبرات المختلفة ضمن بعثات للمساعدة الإنسانية والطبية والبعثات التعليمية والثقافية وأخرى عسكرية وأمنية، لتدريبها على حمل السلاح. وتلعب إيطاليا دوراً له طبيعة خاصة، فرغم كونه يبدو تعاونياً، فإنه يعمل على إشعال الصراع فى منطقة حوض النيل، ووفقاً للصحف الإثيوبية، فإنه يجرى دعم السد من قبل إسرائيل والولاياتالمتحدة وقطر، وذكرت «الرأى الإثيوبية»، أن الدوحة تدعم أديس أبابا، بينما إسرائيل، مثل أى دولة أخرى، قد تتعاقد مع الحكومة لتوريد المياه والكهرباء. من جهة أخرى، تدخل الاستراتيجية الصينية فى حوض النيل ضمن التوجهات الأساسية لسياسة بكين بالقارة، حيث قامت بتمويل الكثير من مشروعات البنية التحتية، مثل السكة الحديد والسدود المائية والطاقة، فى كل من الكونغو الديمقراطية والسودان وإثيوبيا، فى صورة قروض ومنح سياسية واقتصادية تُرد بفائدة. وفى ظل هيمنة التنين الأصفر على سوق معدات الطاقة المائية وبناء السدود فى الخارج، استطاعت تقديم نفسها كدولة رائدة فى هذا المجال، ووقعت هيئة الكهرباء الإثيوبية اتفاقيات مع 3 شركات صينية لتطوير مشروعات الطاقة الكهربائية وتوليد طاقة الرياح، وكانت أولاها اتفاقية شركة مجموعة Gezhoubaلتوليد الطاقة فى منطقة جبنالى داو جنوب البلاد ووصلت تكلفة هذا المشروع إلى 408 ملايين دولار، بإنتاج طاقة 254 ميجاوات. وكان العقد الثانى مع شركة SINHYDRO لإنشاء مشروع فى منطقة «شيمو جايدا» بإقليم أمهرا، ويشمل بناء 5 سدود على خمسة أنهار بقيمة 55 مليون دولار، أما الصفقة الأخيرة فمع شركة HYDRO بهدف إنشاء مشروعات لتوليد الطاقة من الرياح فى منطقتى أدامو وميسو. •