ماذا يعني غياب ميليس زيناوي المفاجئ من الساحة في القرن الافريقي؟ وما نتيجة الفراغ الذي تركه رحيل رجل أثيوبيا القوي بسبب المرض الغامض والمريب؟ وما تأثير ذلك علي قضية مياه النيل والخلاف بين دول المنبع ودولتي المصب التي كان زيناوي المؤثر فيها والمحرض علي اعادة النظر في حصص تلك الدول في مياه النيل؟ بالنسبة للولايات المتحدة فإن اثيوبيا تمثل حليفها القوي في منطقة القرن الافريقي في مواجهة التطرف وغياب زيناوي يعتبر خسارة فادحة لمصالحها واستراتيجيتها في مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة في الصومال والصراع المسلح بينها الذي استمر علي مدي سنوات وتدخل زيناوي بالاتفاق مع أمريكا ودخول الجيش الأثيوبي لكي يساعد قوات الحكومة الصومالية في مواجهة تلك الجماعات التي تهدد الامن والاستقرار في المنطقة واستمر الوجود الأثيوبي المسلح في الصومال ولكنه انسحب مؤخرا ولم يفلح زيناوي في فرض سيطرته علي الصومال وكان يلعب بهذه الورقة لتدعيم علاقته مع أمريكا. بالنسبة لإسرائيل التي تعتبر اثيوبيا نقطة تدخل لها في القرن الأفريقي وبما يؤمن مصالحها في البحر الأحمر وكان زيناوي يحظي بتأييدها ولا يخفي انحيازه إلي جانبها في مقابل المساعدات المالية والاسلحة التي تقدمها اليه وبدرجة ان نتنياهو وصفه بعد رحيله بأنه صديق حقيقي لإسرائيل التي تلعب في حوض النيل من خلال زيناوي وتقوم شركات اسرائيلية بالمساهمة في بناء السدود الصغيرة علي النيل الازرق في أثيوبيا للتحكم في مياه الأنهار هناك عند دولتي المصب »مصر والسودان« وقد ساعد زيناوي ذلك التسلق الإسرائيلي إلي دول الحوض وهو ما يؤثر علي حصة مصر والسودان في مياه النيل ولذلك فإن هناك خشية علي الأوضاع في هذه المنطقة الحيوية والتي كان يشجعها زيناوي من خلال الاتفاقية الاطارية! وأما بالنسبة لمشكلة المياه والسدود وحوض النيل فإن غياب زيناوي قد يكون له تأثيره علي الموقف المتشدد لأثيوبيا الذي يحرض دول الحوض علي الاتفاقية الاطارية لاعادة توزيع الحصص بين دول المنبع ودولتي المصب، ولاشك ان وفاة زيناوي قد أثارت تساؤلات حول ملف حوض النيل، وحول مستقبل العلاقات المصرية الاثيوبية بشكل خاص وحول امكانية حدوث انفراجة بالنسبة للخلافات حول التوقيع علي الاتفاقية الإطارية الشاملة لدول حوض النيل لانها تضع قواعد جديدة ومتغيرة والتي تعارضها دولتا المصب وكان زيناوي تزعم توقيع الاتفاقية في أوغندا عام 2010 ووقعتها سبع دول.. وكان ينتقد حصة مصر في مياه النيل ويطالب بمراجعة اتفاقية 9291 والاتفاقيات الأخري. ووصلت حملة زيناوي إلي حد الادعاء بأن مصر تعارض بناء سدود علي نهر النيل الازرق والأنهار الأخري التي تنبع من أثيوبيا لتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة للتنمية وكان يتخذ موقفا معاكسا تجاه مصر بالذات.. بالرغم من أن مصر أعلنت موافقتها المبدئية علي بناء سد النهضة - سد الألفية العظيم - في اثيوبيا بشرط التأكد من أن ذلك لن يلحق أضرارا بحصص دولتي المصب من مياه النيل وكان زيناوي يضغط علي دول المنبع لتوقيع الاتفاقية الجديدة.. ولكن يبدو ان الموقف الاثيوبي لن يتغير بعد رحيل زيناوي وتشير تصريحات خليفته هيلا مر يام إلي أنه لن يختلف عن موقف زيناوي وأنه سوف يتمسك بنفس الموقف المتشدد فيما يتعلق بتوزيع حصص مياه النيل. وكان ميليس زيناوي يؤكد أن مشروع سد الألفية العظيم سيفيد عمليا مصر والسودان وأن أثيوبيا يمكنها بناء السد اعتمادا علي نفسها وقال أن مصر تحاول منع أثيوبيا من القيام بأنشطة تنموية علي نهر النيل الأزرق من خلال الضغوط علي دول المنطقة لمنعها من تقديم أي قروض ومنح لأثيوبيا لبناء سد الالفية. الواقع ان السد الجديد سيؤثر بالسلب علي أداء منشآت مصر المائية خاصة خزان أسوان وقناطر نجع حمادي وإسنا وغيرها ويؤدي إلي تقليل الطاقة الكهربائية بنسبة 02 في المائة علي الطاقة الحالية، وأكثر من ذلك سوف يحدث نقص في الموارد المائية في انشاء السد بمقدار 5 مليارات متر مكعب وبما يؤدي إلي عدم زراعة مليون فدان.. وتشير الدراسات الخاصة بهذا السد إلي انه سيمنع نحو 02 مليار متر مكعب من حصة مصر من مياه النيل والتي تبلغ 55 مليار متر مكعب بموجب الاتفاقيات الدولية التاريخية وهو أمر خطير يمس شريان الحياة والشرب والزراعة.. وتقوم اثيوبيا بالمضي في بناء السد دون استشارة دولتي المصب في ذلك وتستعين بالمساعدات المالية الخارجية وكذا الشركات الإسرائيلية. وليس من مصلحة مصر والسودان - دولتي المصب - تصعيد أزمة مياه النيل مع دول المنبع الستة.. وليس من مصلحة مصر بالذات تصعيد الخلاف مع أثيوبيا حرصا علي حصتها المقررة تاريخيا من إيرادات النهر لان 58 في المائة من المياه تأتي من النيل الازرق والانهار الاثيوبية الاخري لان المصالح المشتركة تحتم ضرورة التفاهم حول حق اثيوبيا في اقامة السدود لتوليد الكهرباء.. ومن المفيد محاصرة الأزمة بالقوة الناعمة والتوصل إلي الحل الذي يرضي الأطراف ويحافظ علي مصالحهم بالمشروعات المشتركة! نقلا عن صحيفة الاخبار