مشكلة المياه في دول حوض النيل لم تبدأ من اليوم بل جذورها تبدأ من القرن الماضي وعلي وجه التحديد منذ عام 1929 ولكنها ظهرت علي السطح منذ عام 1959 واخذت منعطفا خطيرا الآن بعد أن قامت أثيوبيا خلال الأيام القليلة الماضية في انشاء سد النهضة وتحويل مسار المجري وبناء 20% من السد لتحجب جزءا كبيرا من المياه عن مصر. "المساء" تقدم للقارئ المعاهدات وآراء الباحثين في ملف المياه وتترك الحكم لابناء مصر دون مزايدات أو دون ظلم ولابد من الانصاف لأن الموضوع أمن قومي لا ندين فيه "حكومات" بذاتها أو رؤساء لاشخاصهم بل نرصد التقصير وعدم اللامبالاة. اتفاقيات وأجندات * في عام 1929 وقعت بريطانيا نيابة عن مصر معاهدة لتضمن اقرار دول الحوض بحصة مصر في مياه النيل وان لمصر حق "الفيتو" الاعتراض في حالة انشاء هذه الدول مشروعات جديدة علي النهر وروافده. * عام 1959 وقعت مصر اتفاقية مع دول الحوض تضمنت بند الأمن المائي الذي يقضي بعدم السماح واقامة مشروعات علي حوض النيل إلا بعد الرجوع إلي دولتي المصب "مصر والسودان". * عام 1989 أقرت محكمة العدل الدولية أن اتفاقية المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود ولا يجوز تعديلها وتضم مبادرة دول حوض النيل مصر والسودان وأوغندا وأثيوبيا والكونغو الديمقراطية وبورندي وتنزانيا ورواندا وكينيا وأريتريا. * عام 1993 بدأت محاولات الوصول إلي صيغة مشتركة للتعاون بين دول حوض النيل من خلال انشاء أجندة عمل مشتركة لهذه الدول للاستفادة من الامكانيات التي يعرضها حوض النيل. * عام 1995 طلب مجلس وزراء مياه النيل من البنك الدولي الاسهام في الانشطة المقدمة فأصبح كل من البنك الدولي وصندوق الأممالمتحدة الانمائي والهيئة الكندية للتنمية الدولية شركاء لتفعيل التعاون ووضع آليات العمل بين دول حوض النيل. * عام 1997 قامت دول الحوض بانشاء منتدي للحوار من اجل الوصول لأفضل آلية مشتركة للتعاون فيما بينهم. * عام 1998 تم الاجتماع بين الدول المعنية من اجل انشاء الآلية المشتركة فيما بينهم. * في فبراير عام 1999 تم توقيع مبادرة دول الحوض العشر في تنزانيا بهدف تدعيم أواصر التعاون الاقليمي بين هذه الدول وتنص المبادرة علي الوصول إلي تنمية مستدامة من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانيات المشتركة التي يوفرها حوض النيل. * في يوليو 2009 عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول حوض النيل بالاسكندرية وصدر تحذيرات باستبعاد دول المصب "مصر والسودان" من توقيع الاتفاقية والتي اعطيت 6 اشهر للدولتين وطالبت مصر بالالتزام بالتشاور والاخطار المسبق في حالة اقامة أية منشآت مائية تفيد ضمان عدم الاضرار بمصالحها القومية وهو ما ينص عليه القانون الدولي من حيث التزام دول المنبع بعدم احداث ضرر لدول المصب وان يتم ذلك بالتشاور والاخطار المسبق. مشاكل متراكمة هذه كل البنود والاتفاقيات التي وقعت خلال ال 84 عاما الماضية.. إذن ما دور النظام الحالي الذي لم يتسلم السلطة إلا منذ 11 شهراً فقط هل مطلوب منه ان يحل مشاكل متراكمة منذ 84 عاما. حصة مصر التقت "المساء" مع عدد من خبراء المياه والاقتصاد الذين أكدوا أحقية مصر في حصتها من مياه النيل دون أي اخلال بالاتفاقيات الدولية. قال د. أحمد قدري استاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الزقازيق فوجئنا بوسائل الاعلام تطالعنا صباح 14 مايو 2010 باعتزام دول المنبع في حوض النيل علي توقيع اتفاقية اطارية بدون دولتي المصب "مصر السودان". لقد تم بالفعل توقيع اتفاقية الاطار التعاوني في حوض نهر النيل يوم 14/5/2010 في مدينة عنتيبي الأوغنذية برعاية وتشجيع من أوغندا ووقع علي الاتفاقية وزراء دول أثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا بالاضافة إلي مشاركة كينيا بالحضور والتي وقعت عليها لاحقا وتضمن الاجتماع ان الاتفاقية مفتوحة لمدة سنة لتضم إليها دول مبادرة حوض النيل الباقية ومنها مصر والسودان. اضاف د. قدري انه لاشك ان هناك صراعا قائما بين أثيوبيا ومصر والسودان حيث تري مصر ان نهر النيل له صفة النهر الدولي لصلاحيته للملاحة بينما تتمسك أثيوبيا بعدم اعتباره نهرا دوليا لأنه غير صالح في جميع اتجاه مجراه وتحاول أثيوبيا من خلال ذلك التهرب من الالتزام بالحقوق المكتسبة لكل دولة من دول حوض النيل خصوصا مصر والسودان بما في ذلك اتفاقية عام .1959 الموقف الأثيوبي أكد ان الموقف الأثيوبي يتركز علي محورين هما: رفض اعتبار النيل نهرا دوليا والرخصة المطلقة لاتفاقيات تقسيم مياهه القائمة.. وأثيوبيا تحاول السيطرة علي النيل بالاضافة إلي البحر الأحمر ولقد اعتمدت أثيوبيا علي دراسة أمريكية تمت خلال الفترة من عام 1958 حتي عام 1964 افترضت انشاء 26 سدا علي النيل الازرق لتوفير مياه الري والطاقة الكهربائية كما تعاونت إسرائيل منذ عام 1960 للحصول علي مساعدات لبناء مجموعة من السدود مقابل السماح ليهود الفرات بالهجرة إلي إسرائيل. أوضح ان أهم المعوقات هي العلاقات السياسية بين دول الحوض والتي عوقت العمل المشترك لتطوير الموارد المائية المتوفرة منه. أكد ان إسرائيل تمارس سياسة خارجية تجاه دول الحوض للنيل من الأمن المائي القومي المائي سواء المصري أو السوداني بالاضافة إلي البعد الاستراتيجي المتعلق بالوصول إلي البحر الأحمر.. ويبدو أن أثيوبيا اصبحت تسير علي خطي إسرائيل ولا تعترف بأي مواثيق دولية. تقسيم السودان يقول د. أحمد القاضي باحث استراتيجي في الشئون الافريقية إن هناك تداعيات لانفصال جنوب السودان علي الأمن المائي المصري مشيرا إلي ان اتفاقية تقسيم السودان تقضي بأحقية جنوب السودان في توفيق اتفاقيات وبروتوكولات دولية مع أي دولة أو منظمة دولية أو اقليمية مما يعطي الحق لحكومة الجنوب في الانفراد بتوقيع اتفاقيات قد تكون مخالفة للتوجهات الرئيسية للدولة وهذا ما حدث بالفعل. اضاف ان طول النيل 6700 كيلو متر من منابعه في الجنوب الشرقي من القارة وحتي البحر المتوسط وتقدر مساحته ب 2.5 مليون كيلو متر مربع وايراده من 22 مليارا حتي 150 مليار متر مكعب سنويا وصافي الايراد السنوي 74 مليار متر مكعب يقسم بين مصر والسودان 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان ويستجمع النيل مياهه من ثلاثة أحواض رئيسية هي الهضبة الأثيوبية والهضبة الاستوائية وحوض بحر الغزال. قال: إن الهضبة الأثيوبية أهم منابع النيل واخطرها علي الاطلاق إذ تمد النيل الرئيسي خلال فصل الأمطار عند اسوان ب 85% من متوسط الايراد السنوي 71 ملياراً سنويا وتتجمع مياه الهضبة الأثيوبية من عدد من الانهار. أما نهر السوباط.. وهذا النهر يلتقي بالنيل الابيض قرب مدينة ملكال بجنوب السودان لذا يعد النهر الوحيد القائم من أثيوبيا والمار داخل جنوب السودان وسيظل أحد الانهار التي يمكن للجنوب التحكم في تدفقاته من الايرادات المائية ويبلغ ايراده 11 مليار متر مكعب سنويا وأهم فروعه نهر "البارو" وايراده السنوي 13 مليار متر مكعب يضيع منها 4 مليارات في مستنقعات ميشار جنوب السودان والصافي الذي يصل اسوان 11 مليار متر . بالنسية للنيل الأزرق فإنه يلتقي بالنيل الأبيض عند مدينة الخرطوم ولا يمر باقليم جنوب السودان وبالتالي سوف يظل بعيدا عن التحكم الجنوبي ويبلغ ايراده السنوي 48 مليار متر مكعب وتتجمع مياهه من عدد من الانهار التي تنبع من جبال الهضبة الأثيوبية ومن بحيرة تانا. أما نهر عطبره فينبع من الهضبة الاريترية ولا يمر بجنوب السودان ويلتقي بالنيل الرئيسي قرب الحدود المصرية وايراده السنوي 11.5 مليار متر مكعب. تأتي الهضبة الاستوائية كأكثر المصادر انتظاما في امداد النيل بالمياه علي مدار العام ويبلغ المتوسط السنوي 13 مليار متر مكعب مهدرة عن اسوان موزعة علي بحيرات فكتوريا وتبلغ مساحة البحيرة 67 الف كيلو متر مربع ومساحتها 195 الف كيلو متر وتقع البحيرة وحوضها في دول رواندا وبورندي وتانزنيا وكينيا وأوغندا وكيتا وزائير ولا يصلها سوي 8% من جملة مياه حوضها. الموارد المائية يؤكد الخبير الاقتصادي د. سعد نصار ان اجمالي الموارد المائية التي تسقط في صورة أمطار علي منابع النيل من 1600 إلي 1680 مليار متر مكعب سنويا بمتوسط قدره 1640 مليارا.. وان نسبة مصر 3.3% ونسبة ما تحصل عليه مصر والسودان 4.5% فقط من اجمالي الموارد المائية التي تسقط موضحا ان الأزمة المفتعلة في حوض النيل سوء إدارة وليست بسبب ندرة المياه. قال: إن نسبة اجمالي الموارد المائية الفعلية بدول الحوض بلغت 1848 مليار متر مكعب إلي ما يسقط من امطار بلغ 7425 مليار متر مكعب وجملة ما يستبعد منه 24% فقط.