الفقر .. سرطان جديد ينهش المصريين من عام إلى آخر حتى تجاوزت نسبته 27% ليهدد الكثير من السكان الذين لا يجدون أقل ما يحتاجونه من متطلباتهم اليومية فى ظل الارتفاع المستمر فى أسعار السلع والخدمات والاتجاه المستمر لتقليص برامج الدعم المخصصة لهم. من واقع الأرقام الرسمية التى أعلنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مؤخرا عن وصول نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27.8% من عدد السكان عام 2015 بينما كان 26.3% فى عام 2012/ 2013، مقابل 25.2% فى بحث عام 2010/ 2011 وهو ما يؤكد الارتفاع المستمر المعدلات بشكل كبير. • الفقر يرتفع حددت الدراسة التى أجراها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء خط الفقر بأنه 5787.9 جنيه سنويا، أى ما يعادل 482 جنيهًا شهريا بعد دراسة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار وأمام ما جرى إعلانه فإن 1.37 مليون مصرى دخلوا خط الفقر وفقا للإحصائية. وقفز خط الفقر بمعدل 156 جنيها حيث ظهر فى الدراسة التى أجراها الجهاز المركزى حيث بلغ 326 جنيها كانت فى عام 2012-2013 فى حين أصبح 482 جنيها مؤخرا بمراعاة الارتفاع المطرد فى الأسعار ومعدلات التضخم. وتصدرت محافظات الصعيد نسبة الفقر فى الدراسة التى أعدها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، حيث بلغت فى محافظتى أسيوط وسوهاج 66% فى حين حلت قنا فى المركز الثانى بنسبة 58% بينما كانت أقل المحافظات فقرا فى بورسعيد ووصلت النسبة نحو 6.7% فى حين وصلت فى إسكندرية نحو 11.6% فى حين وصلت فى القاهرة 18%. وتتجه الحكومة إلى تقليص الإنفاق على الدعم وكان آخر المراحل هو زيادة الشرائح المفروضة على الكهرباء والتى من شأنها أن تزيد من إنفاق المصريين على الطاقة وتقلل من الإقبال على السلع بسبب تبدد جزء من الدخل نتيجة ارتفاع قيمة الفواتير. كما لجأت الحكومة إلى الضرائب من خلال زيادة إيرادات الدولة عن طريق قانون القيمة المضافة الذى يهدف إلى تدبير حوالى 30 مليار جنيه وإحلاله بدلا من ضريبة المبيعات لتزداد الضغوط أكثر على محدودى الدخل. ووفقا لأرقام رسمية فإن معدلات التضخم بدأت فى الارتفاع حتى وصلت فى بعض التقديرات إلى 14% فى حين أن الفائدة تصل إلى 12.5 % وهى الحد الأقصى على شهادات الادخار داخل البنوك. ومع استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولى لاقتراض 12 مليار دولار لسد جزء من الفجوة التمويلية داخل الموازنة العامة للدولة على مدار ثلاث سنوات توقع الخبراء زيادة الضغوطات على المواطنين سواء من خلال تقليص برامج الدعم لغير القادرين أو التوسع فى فرض الضرائب وتآكل الطبقة المتوسطة التى من المفترض أن تكون الدرع الأول لحماية أى مجتمع لاسيما أن الحكومة تسعى للحصول على تسعة مليارات أخرى من مؤسسات دولية وهو ما يزيد من تخوفات البعض بشأن الآثار الجانبية والشروط الناجمة عن ذلك. ولا يوجد بيت فى مصر إلا ويشعر بأن قيمة فواتير الخدمات قد ارتفعت فضلا عن ارتفاع قيمة السلع لاسيما أن الكثير من التجار اتجهوا إلى زيادة السعر من تلقاء أنفسهم سواء للحصول على مكسب سريع أو لحماية رأس مالهم من التضخم. • توقعات سلبية أكد الدكتور صلاح الدين فهمى أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أن السبب الرئيسى فى ارتفاع معدلات الفقر فى مصر هو ارتفاع الأسعار الذى طرأ مؤخرا فضلا عن ثبات مستويات الأجور وبالتالى كان طبيعيا أن يسقط عدد كبير من المصريين تحت خط الفقر. وتوقع فهمى أنه مع ارتفاع أسعار الكهرباء مؤخرا فإن معدلات الفقر فى مصر يمكن أن تقفز إلى 30% فى الفترة المقبلة لاسيما أن التضخم هو الآخر فى ارتفاع لذا تفقد العملة جزءًا من قيمتها مع مرور الوقت لاسيما أن معدلات النمو لن تظهر انعكاساتها على المواطنين خلال فترة قليلة. وأضاف فهمى إن الحكومة أكدت أن الفترة المقبلة ستكون صعبة على المصريين بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات فى الوقت الذى من المتوقع أن يجنى الشعب آثار التنمية بعد عامين ولكن يجب أن يجرى توزيع حصيلتها بالتساوى على الجميع وحينها ستبدأ معدلات الفقر فى الانخفاض. وقال فهمى: إن ما يثير المخاوف هو ارتفاع أسعار الخدمات وفى الوقت نفسه فإن جودتها التى تقدم إلى المواطنين لا تزال ضعيفة وأبرز مثال على ذلك الزحام الشديد على استلام تراخيص المرور وأيضا المقابل المادى لوسائل النقل العام فقد يتقبل المواطن الارتفاع فى السعر مقابل أن يجد مقعدًا يجلس عليه حتى يذهب فى طريقه ولكن الأزمة الحقيقية تتمثل فى أن التكلفة تزداد والمعاناة لا تزال كما هى. وأشار فهمى إلى أن الفقر هو نتيجة طبيعية لتدنى الرعاية الصحية ومستوى التعليم بالنسبة للمواطن لأنه من الصعب على أى مواطن يحظى بصحة جيدة ويتمتع بقدر مناسب من العلم أن يسقط فى فخ الفقر بسهولة لذا فإن أول طرق محاربة الفقر ليست فقط فى الحصول على أموال وخدمات بسعر مناسب وحسب وإنما فى كيفية توفير بيئة مناسبة للمصريين ليبدأوا التحرك من أجل البحث عن فرص عمل مناسبة توفر لهم المقابل المادى الذى ينتشلهم من براثن الفقر. واختتم فهمى حديثه بأن أغلب الدول التى يلجأ إليها المصريون للعمل فيها يطلبون ضرورة اجتياز المواطنين لاختبارات طبية لديها بسبب التأكد من سلامتهم البدنية وتشترط أيضا اختيار المكان الذى يجرى فيه الفحص الطبى حتى تتأكد أنه سليم لاسيما أن الأرقام تؤكد تفشى الكثير من الأوبئة والأمراض داخل مصر وكان أبرزها فى الفترة الماضية هو فيروس سى والذى تبدأ الحكومة خطة التخلص منه منذ سنوات من خلال استخدام العقاقير الحديثة. • سياسات سابقة قالت الدكتورة نادية رمسيس أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية إن هناك تباينًا فى التقديرات الخاصة بمعدلات الفقر فإذا كان جهاز التعبئة العامة والإحصاء قد أعلن عن أن نسبة المواطنين الذين هم تحت خط الفقر قد وصلت 27.8% فإن البنك الدولى يعتبر أن الرقم يصل إلى 46% من إجمالى عدد السكان. وأشارت إلى أن أهم الأسباب التى أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر تتمثل فى الاستمرار فى استخدام سياسات التكيف الهيكلى الخاصة بصندوق النقد الدولى والتى بدأت منذ عام 1991 فى عهد الرئيس مبارك.. وأوضحت أن صندوق النقد يرغب فى ضمان تسديد الدولة لالتزاماتها المالية لذا فهو يشترط خفض الإنفاق الحكومى ويستتبع ذلك ضرورة الدخول فى كساد اقتصادى نتيجة للشروط التى يضعها وبالتالى يزداد عدد الفقراء باستمرار. وأكدت أن أهم عوامل ارتفاع الأسعار تتمثل فى صعوبة الحصول على النقد الأجنبى نظرا لقلة ما تجنيه مصر من أموال بسبب تراجع السياحة والصادرات وغيرها من موارد العملة الصعبة لذا فمن الطبيعى أن يرتفع الطلب عليه بسبب قلة المعروض. وتطرقت إلى أن ما يتردد بشأن ارتفاع نسبة الصادرات كلما انخفضت العملة المصرية صعب تحقيقه على أرض الواقع بسبب استيراد مصر لأكثر من 65% من احتياجاتها من الخارج وسيزداد العبء على أسعار السلع والخدمات كنتيجة طبيعية لخفض قيمة العملة مما يعنى عدم قدرة قطاع من المواطنين على تلبية احتياجاتهم اليومية وبالتالى يسقطون ضحية للفقر. وشددت على أن النتيجة الطبيعية لخفض العملة هى الارتفاع المطرد فى معدلات التضخم لأن أسعار السلع تقفز تلقائيا فى بلد يستهلك أكثر مما ينتج ويقع المواطنون ضحية لذلك ويهبط مستوى إنفاقهم لما دون خط الفقر. وأكدت أن الارتفاع الكبير فى الأسعار ينجم عنه زيادة معدلات الانكماش الاقتصادى لأن المواطنين يضطرون للتضحية ببعض حاجاتهم من أجل تلبية احتياجاتهم الضرورية فقط مما سيضر بقطاع كبير من أصحاب المصانع وسينعكس على معدلات البطالة بطريق غير مباشر.•