رحلت ولم تفعل شيئا سوى أنها حملت باقة من الزهور لتكلل مقام الشهداء الذين سبقوها، لا تعلم أنها بعد لحظات قليلة ستعد واحدة منهم، رحلت بهدوء الغروب. كانت شيماء، 31 سنة، تعيش فى الإسكندرية مع أسرتها الصغيرة وابنها «بلال» أو «بيبو». اهتمَّت بالعمل السياسى والاجتماعى بعزيمة لا تهدأ، وانضمت إلى حزب «التحالف الشعبى الاشتراكي»، الذى نظَّم التظاهرة التى قُتلت خلالها. كانت أيضًا شاعرة معروفة، تُلقى قصائدها عن الحياة والسياسة. يعرفها أصدقاؤها بالهدوء والميل إلى التصالُح. كانت شيماء مصدر قوةٍ لأصدقائها رغم عدم الاستقرار الذى كان يكتنف حياتها. كانت متفائلة، توقنُ أن مصر ستصبح أفضل مما حملته لها الأعوام الماضية عمَّا قريب. جاءت إلى بنت المعز صباحا باكرا لتحتفل بالثورة، قطعت تذكرة ذهاب فقط، لا تعى أنها تذكرة للجنّة، تذكرة لتسافر بلا رجعة، أو لتعود جسدا يغرق بالدماء، صنعت بروحها ولروحها إكليلا من الزهور. ربما لم تلتفت تلك الشابة التى بلغت أوائل الثلاثينيات للتو، لصُرخات طفلها «بلال» صاحب الست سنوات، كان إصرارها كفيلاً باتخاذ القرار والذهاب. رفضت «الصباغ» المشهد الثورى تمامًا ولم ترض عنه بالمرة فراحت تحتفل بثورتها كما يجب أن تكون من وجهة نظرها الثورية. لم تكن «الصباغ» ثورية بآرائها وثقافتها وما منحها الله من موهبة شعرية فحسب، وإنما بكل ما تملك قولا وفعلا، كانت تسير فى الشارع وتقف فى وجه المدفع، وكأنها خلقت لتثور وتدافع عن حق العمال والكادحين وكل من سلب حقه دون وجه حق. لم تترك حقها وأصرت عليه، احتضنت أرواح من سبقوها بالشهادة وهم أيضا احتضنوا روحها وتمسكوا بها تمامًا لأنها تستحق. شيماء ستظل رمزا وعلامة لا يمكن تجاوزها أو نسيانها. ستبقى زهرة تعبق رائحتها أجواء مصر تبشرهم بالحرية وأن غدا دائما أجمل. فليكن الرحيل.. بهدوء الغروب، ولتكن «الصباغ» أيقونة الثورة، وأيقونة الحلم، وإن كان الحلم مستحيلا، وأيقونة الورد وإن غرق فى الدماء، وأيقونة الوفاء للوطن والإيمان به وإن لم يوجد، أو بالأحرى لتكون الوطن.•