تتراكم الشهور فوق بعضها بحلوها بمرها، بفرحها، بغمها، ثم يعلن انتهاء عام.. كثيرون يتساءلون وأنا منهم: هل انتهى العام؟! هذا الشعور أصبح ينتابنا فى السنوات القريبة الماضية، فهل انشغالنا بأمور الحياة وانهماكنا فى حوادثها المتلاحقة يجعلنا لا نشعر أن عاما مضى؟ كثيرون يصيبهم شعور الاكتئاب فى نهاية العام.. وأنا منهم. • أبتهج لاكتئابى إذا فهمت أنه يحرك أفكارى لأعبر عنها.. إذا فهمت أنه ينبهنى إلى خطأ فى حياتى لأصلحه.. أغسل اكتئابى بالغوص فى قراءة رواية تشدنى، شعر يطربنى، مشاهدة فيلم رومانسى.. وجدت فى كلمات لشاعرة روسية فى القرن العشرين «أولجا برجولتر» تعبيرا عما أشعر به فى القرن الواحد والعشرين.. المشاعر الإنسانية مهما تغير الزمان والمكان لا تتغير.. و.. من كلمات الشاعرة: «.. حتى نوبات اكتئابى القاتمة.. وفزعى حين تتراءى لى الأشباح.. ورد الفعل العصبى الذى يجتاحنى.. كلما اصطدمت بتوافه الأشياء.. تلك التى تغذى هواجس الخوف فى نفسى.. كل هذه الهموم والمِحَنْ تشكل ينبوع بهجتي!!».. من هذه الكلمات أفهم أننا لا نتشاءم تماما، فتشاؤمنا يحمل الكثير من التفاؤل. ومن كلمات من خواطر الشاعر والفيلسوف العربى.. «جبران خليل جبران»: «عندما ولدت كآبتى.. وعندما ولدت مسرتي».. يقول: «عندما كنا نتحدث معا.. أنا وكآبتى.. كنا نتخذ الأحلام أجنحة لأيامنا ومناطق لليالينا.. لأن كآبتى كانت فصيحة طليقة اللسان فصيرت لسانى فصيحا طليقا، وعندما كنا نغنى معا أنا وكآبتى كان جيراننا يجلسون إلى نوافذهم مصغين إلى غنائنا، لأن غناءنا كان عميقا كأعماق البحر وغريبا كغرائب الذكرى.. وعندما ولدت مسرتى حملتها على ذراعى وصعدت بها إلى سطح بيتى أنادى قائلا: «تعالوا يا جيرانى.. تعالوا انظروا.. فقد ولدت مسرتى اليوم.. تعالوا وانظروا فيض مسرتى الضاحكة أمام الشمس.. وشد ما كان دهشتى لأنه لم يأت أحد من جيرانى ليرى مسرتي»!! • أشجان نهاية العام الشجن شعور حزين.. حنين لذكرى ليس بها ألم.. شجون جمع شجن ونقول «حديث ذو شجون» وهو حديث عن ذكريات جميلة مضت بزمانها والشوق لها يثير الحزن النبيل عليها.. فهمناه لفظيا.. ومع تجارب الحياة فهمناه شعوريا.. وعرفنا أشجانًا كثيرة.. ربما.. أهمها.. أشجان نهاية العام. • مع بداية عام جديد اسأل نفسك عن الأحداث التى مرت بك فى العام الماضى.. ماذا أسعدك؟ ماذا أتعسك؟.. اعرف طريقة تفكيرك.. فطريقة تفكير الفرد هى التى تجعله متقدما فى حياته أو.. متأخرا فيها.. يوجد نوعان من التفكير هما المعروفان الآن فى الحياة.. الأول منطقى والثانى مبنى على تجاربنا وعواطفنا، التفكير الثانى هو الأكثر تأثيرا علينا.. مثلا.. عندما تضيق الدنيا علينا بتصعيب الأشياء.. فالذين يفكرون بالتفكير السلبى يفسرون الأحداث بأن الحياة قاسية وغير عادلة.. أو يعتبرون أنهم سيئو الحظ.. مثل هذه الأفكار تجعل الفرد فى حزن مآساوى ولا يستطيع أن يساعد نفسه. ونجد أصحاب التفكير الإيجابى يفكرون فى أسباب هذا الضيق الذى احتواهم ويعملون على التغلب عليه ويبحثون عن عمل إيجابى يفتح الطرق المسدودة.. والتفكير السلبى.. أن يتعلم الفرد بسهولة من نماذج جامدة متوارثة.. مثلا يعتقد أنه يوجد طريق واحد لعمل شيء صح.. مع أنه توجد طرق كثيرة حديثة.. من التفكير السلبى أنه إذا حدث شيء جيد لحياة الفرد.. فلابد أن يتبعه شيء رديء!.. مثلا.. إذا ضحك من قلبه ضحكا صافيا.. يقول: «اللهم اجعله خير».. خوفا من مصيبة تتبع الضحكات الحقيقية من القلب!! وينصح علماء النفس هؤلاء الخائفين.. أن الإنسان يحتاج من وقت لآخر لتدريب تفكيره.. ليجعل الأشياء المضايقة فى حياته أقل مضايقة.. فلا يصح أن يعمل مشكلة كبيرة إذا لم يوفق فى شيء.. أو.. مع شخص فى موقف.. أو حدث ما.. وليفكر الفرد تفكيرا إيجابيا.. فهذا التفكير.. يشفينا من النماذج الجامدة لرد أفعالنا فى المواقف والأحداث.. ويسمح لنا أن نكون أكثر ليونة فى المواقف الصعبة. لنتعلم عادات التفكير الإيجابى فهى تساعدنا على مقابلة تحديات الحياة ومفاجآتها بإيجابية.. حتى نستطيع أن نعيش أفضل.. لندرب أنفسنا عليها.. ولنبدأ التدريب مع بداية عام جديد. من هذه التدريبات فكر بإيجابية.. فلا تتخيل أن بانتهاء عام ستنتهى كل الأشياء المضايقة والمصائب التى كانت فيه!!.. فالأحداث فى العالم أصبحت تقع سريعا وبمفاجآت غريبة.. وفى سرعتها لا تسمح لأحد أن يتوقع.. أو.. يتشاءم.. أو.. يتفاءل.. ومع ذلك: مهما كانت ظروف حياتنا.. لا يصح أن نفقد الأمل.. ففى أحلك الأيام ظلمة نستطيع أن نرى شعاع ضوء ضعيفًا للأمل نتمسك به.. نتذكر ضيقا شديداً فى فترة من ماضى حياتنا وكيف خنقنا.. وفى لحظة من لحظات يأسنا المريرة انبثق الأمل.. هذه الذكرى يمكن أن تكون شعاع الضوء الضعيف الذى نتمسك به بإيمان وثقة، لابد أن تتبدد الظلمة بضوء الأمل.. فمن شر عظيم يحيط بنا يمكن أن يخرج الخير لنا. • عام بلا قناع تعودنا أن نرتدى فى المناسبات قناعا، لكن بعض الأشخاص ينسون أقنعتهم بعد المناسبة أو يجدون أنهم أفضل وهم مختفون تحت قناع.. و.. فكرت.. صاحبها نسى قناعه بإرادته منذ كان يرتديه فى مناسبة ما.. وفى النفس البشرية أعماق وأغوار.. وهى القريبة ممن لم تستطع معرفة أعماقه بسبب ذلك القناع.. وهو.. لم يستطع أن يعرف أعماق نفسها لأنها فى مقابلة «قناعه» ارتدت هى أيضا قناعا.. دارت نظراتها فى مكان الاحتفال.. تتأمل الأقنعة على وجوه الموجودين.. هذه النظرات البلهاء.. ربما تخفى خلفها ذكاء.. هذه ابتسامة مرحة.. ربما تخفى خلفها حزناً.. تعبت من ملاحظة الأقنعة على الوجوه.. ويختلط الصدق بالكذب وتتوه الحقيقة تحت القناع.. وعندما سألها ماذا تتمنين لعام جديد.. قالت: أن أراك.. وترانى.. بلا قناع.•