كثير منا عندما يذهب عام ويأتى آخر يطلقون الأمنيات والأحلام ويعدون بالتغيير، بل ويرددون كلمات الفنان الشعبى شعبان عبد الرحيم فى سعادة (من أول يناير هكون إنسان جديد).. ولكن سريعا ما تمر الأيام ولا يتغير فى حياتهم سوى (النتيجة) التى تحمل رقما إضافيا عن العام الذى سبقه، بينما يظلون حائرى الخطى والهدف، وأحيانا ما يسأل أحدهم نفسه فى لحظة صادقة « أنا مين؟ وعايز إيه؟ !!». وكان هذا ما دفعنى لأن ألتقى بالدكتور عبد الهادى مصباح استشارى المناعة. والتحاليل الطبية وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة، لأعرف منه كيف أحمى نفسى من تقلبات الحياة وأحيا كل لحظة كما يجب ومدى حقيقة أن أعيش عمرا مديدا بالضحكة الصافية!!، وأخيرا وليس آخراً ، لأبحث معه كمختص عن الإنسان الجديد بداخل كل منا، الذى لم تتح لنا الفرصة أن نلتقيه بعد، رغم السنوات الطويلة التى كنا قد عشناها بحلوها ومرها، بنجاحاتها وانكساراتها مع أنفسنا. ونحن لا نعرف حقيقة من نكون؟ ولأعرف منه حقيقة من حولى من البشر التائهين مثلى.. ومن هنا كانت بداية الحوار • «أنا مش عارفنى» فى البداية هذه جملة مهمة جداً، ويقع فى محبئها كثير من الناس، حيث يظل الانسان فى دائرة مشوشة عن مدى فهمه لنفسه، وتجعله يفقد بوصلته الشخصية فى التعامل مع الناس، كما تعود عليه بالاضطراب والتوتر الدائم داخله، وبالتالى يقع فى حالة من الندم لارتكابه أخطاء كثيرة لأنه لم يكتشف بعد هذا الكائن الذى بداخله، وقد يعيش أعواما وأعواما وهو لا يعرف حقيقة هويته؟ لذلك فاذا أردت أن تبدأ لتمسك بطرف الخيط الذى يمثل حياتك فعليك أن تبدأ بنفسك. ومن ضمن أنواع الذكاء المختلفة نوع يسمى intra personal intelligence ، وهو معرفة الشخص للملكات التى لديه ومعرفته نقاط الضعف والقوة مع إبرازه لنقاط القوة وتقوية نقاط الضعف. وهناك نوع آخر اسمه inter personal intelligence وهو الذكاء بين الناس وبعضها، الذى يعطيك الفرصة لمعرفة ما يدور فى عقل الشخص الذى أمامك ومعرفة نقاط ضعفه أو كيفية السيطرة عليه. • إلى أى مدى تحدد أخطاء الإنسان شخصيته؟ الذى يخطئ هو شخص طبيعى لأن الخطأ هو سبب وجودنا على الأرض، أما الذى يتعمد تكرار نفس الخطأ، فهو لا يعرف نفسه، وغير ذكى ولديه عدم اكتراث بالتعلم من الخبرات السابقة ونضع عليه كثيرا من علامات الاستفهام. • هل هناك ما يعرف بالخطأ الاضطرارى؟ - بالفعل أحيانا نضطر إلى الخطأ، فقد نكذب أو نذنب لأننا فى النهاية بشر وحسابنا بيد الله وليس بيد بشر مثلنا، وهذه هى الرحمة العظيمة، لأن الإنسان قاس جداً فى حكمه على الذنوب والخطايا، ولكن الله أرحم مما نتخيل.. فهو ستار وتواب، وغفور ورحيم وهذا ما يعطينا الأمل فى التوبة ولولا تلك الرحمة لتحولت الخطيئة إلى خطايا وتتابعت إلى ما لا نهاية، ولكن من حكمته (عز وجل) أن ترك لنا الباب مفتوحا من خلال التوبة (قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله). • التأرجح دائماً وسريعا ما بين الحزن والسعادة وخاصة لدى الشباب، ما تفسيرك؟ - الضغوط التى تقع على عاتق الشباب والأجيال القادمة كثيرة جداً، وبنظرة عامة أحيانا قد يدفعه الواقع إلى الجنون، لأن الفرص التى أمامه شاقة وصعبة، فى حين ترسم له الإعلانات الاستهلاكية عالما مثاليا بعيد المنال، فتصبح لديه فجوة نفسية تمتلئ بالإحباط واليأس، ثم قد يحدث له عارض سعيد فيعطيه هذا قدرا من الأمل ويتجه كى يكون إيجابيا، لأن الأمل هو الشرارة التى نأخذ منها السعادة الحقيقية. • وكيف أتغلب على كل هذه الأوضاع السلبية لأشعر بالسعادة؟ - السعادة قرار ينبع من داخلك. بمعنى أنه مهما كانت الأزمات التى لديك.. فانظر إلى ما هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك. والرضا أحد أهم مقومات السعادة، لأننا دائماً ما سنجد من هم أقل منا، فيدفعنا إلى الطمأنينة، وهذا لا يتعارض مع الطموح، ولكن لابد أن نعيش الواقع ونتكيف معه لأننا اذا لم نستطع العيش فى الواقع سيعطينا هذا إحساسا بالتمرد وعدم الرضا والتوتر والانفعال وهذا يؤثر بالسلب على صحتنا ومناعتنا، فبالتالى رأس مالنا الذى كنا ننوى العمل عليه يكون فى طريقه للضياع. • وماذا يحدث عندما نغضب؟ - عندما ننفعل أو نغضب تنطلق هرمونات وموصلات عصبية، أطلقت عليها اسم هرمونات (الندامة) وأطلقت عليها هذا الاسم لأنها كلها هرمونات هدامة مثل رفع الضغط والسكر وزيادة ضربات القلب، كما تؤثر بالسلب على جهاز المناعة. والعكس صحيح.. فمع الضحك والأمل والرضا تخرج هرمونات (السلامة) وهى هرمونات البناء التى تزيد مناعة الجسم والأجسام المضادة التى تصد الفيروسات وتقلل من تكوين الخلايا السرطانية داخل الجسم ، وإذا كانت موجودة تحاربها بقوة. • ماذا عن قلادات الطاقة الإيجابية؟ - أنا مؤمن بعلم الطاقة، وهناك علاقة بين الطاقة وصحة الإنسان الجسدية، ولكن أنا أخشى أن يتم استخدام ذلك بعيدا عن المختصين مما يفتح الباب للنصب تحت اسم معالجى الطاقة. لكن إذا تواجد تحت أسس علمية فأرحب بها. • كثيرا ما أصادف أناسا يضحكون كتير لكن من داخلهم حزين، فما حقيقة ذلك؟ - الضحك ممارسة، وعندما تتعلم الضحك هتضحك باستمرار، لكن لما تضحك مجاملة أو ما تسمى (الضحكة الصفرا) تكون أنت الخسران.. لأنك لم تأت بجديد، ولو عرف الناس حقيقة أن الضحك يطيل العمر بالفعل بل وأن الشخص الذى يضحك يعيش 8 سنوات أكثر من الشخص الذى لا يضحك أو الشخص المكتئب، لأن الضحكة التى من القلب تجعل الأفيونات الطبيعية تنطلق وتعدل المزاج، أما عندما تضحك ضحكة غير حقيقية لن تكون مؤثرة فى تحسين الحالة المزاجية. وأحيانا ما أوصى فى روشتة العلاج، كل يوم ضحك ربع ساعة، على أن تنسى فيها كل شىء وتعيش تلك اللحظة المرحة، لأن هذا سيقوم بغسيل ما بداخلك من هموم وإزالة آثار العدوان التى نعيشها يوميا هذا.. بالإضافة إلى ممارسة الرياضة والتأمل، لأن هذه الأشياء تعد صمام أمان يعمل على إخراج الضغط العصبى الزائد عن استيعاب الجسم لذلك يجب على كل شخص ان يخصص ربع ساعة كل يوم على اليوتيوب ويشاهد مقاطع كوميدية مفضلة اليه. • وهل تفعل أنت أيضاً ذلك؟ - بالتأكيد، أنا كل يوم لازم قبل ما أنام أتفرج على مشهد كوميدى لفؤاد المهندس. • هل معنى ذلك أن المناعة نفسية أكثر منها عضوية؟ - هى الاثنان، فهى رمانة الميزان التى تربط ما بين الحالة النفسية والجسدية، وهى جيش كامل محصن ولكن ممكن جداً أن ينهار من خلال أشياء بسيطة جداً مثل التوتر والحسد والغيرة وعدم الرضا لما لها من تأثير سلبى على المناعة، فالأشياء الإيجابية ترفع المناعة والسلبية تضعفها. • إذن كيف نستغل الأفيون الطبيعى داخل أجسامنا؟ - من خلال التفكير بإيجابية والشعور بالرضا والهدوء النفسى والتكيف الناضج مع الانفعال، وعدم الاستسلام للحزن لأن الحزن يجر الى حزن، وذلك لأن الاندورفينات وغيرها من هرمونات السعادة عندما نستسلم للحزن تتلاشى هذه الهرمونات وتتغلب عليها هرمونات الحزن الهدامة، وعندما أنصح مريضا بذلك يرد قائلا (هو فى حد ليه نفس يضحك؟!) فأرد عليه بأن هذا علاج وليس رفاهية أو إحدى الكماليات فى حياتنا. كذلك الإيمان أحد أسلحة المناعة القوية جداً، لأن إحساس الانسان ويقينه بقدرة الله فى أن يستطيع بين طرفة عين وأخرى أن يبدل حاله من حال الى حال يبعث عليه حالة من الطمأنينة.. لأن هذا يخلق ما يسمى (السوستة الإيمانية) بمعنى أن الايمان ماص للصدمات التى تحدث للإنسان عندما يقع فى أخطاء ليعود به إلى حالته الطبيعية. وهذا كله يحسن الحالة العامة ويدفع بالأفيونات الطبيعية داخل الجسم. • الحديث مع النفس أحيانا بصوت عال، هل يجعل منى مجنونة؟ - يرد ضاحكا، بالعكس عاقلة جداً، لأن من الطبيعى أن يتحدث الانسان مع نفسه، لأن النفس أمينة على الأسرار ودائما لابد أن أكون صادقا فى حديثى مع نفسى وأتناقش معها وأعيد التفكير فى القرارات التى أقررها فى حياتى. لأن هناك من الكلام ما يصعب البوح به لأقرب المقربين ولكن نفسك تحفظ سرك. • الثناء على نفسى، شىء ايجابى أم مؤشر على الغرور؟ - الثناء على النفس شىء ايجابى جداً، وذلك فى إطار دعم الثقة بالنفس والإيمان بشخصك، وتظهر هذه الثقة فى التعامل مع الآخرين أما اذا زادت تلك الثقة وتحولت الى الغرور فيكون المؤشر العام لها (الطاووسية) وهى أنك لا ترى من هو أفضل منك فى العالم وهذا شىء سلبى جداً ويصنع منك شخصية هلامية. • كنت أنسى كل ما مر بى، وأعيش انسانا جديدا؟ - بداية.. المخ لا ينسى شيئا، وكل هذه الأشياء التى نمر بها عبر سنوات حياتنا يحتفظ بها المخ ويتم استرجاعها وقت الحاجة، ويجب ألا نخشى اللوم أو تحمل النتائج السلبية، ولكن أن آخذ كل التجارب وأتعلم منها خاصة الحزين أو السىء منها، لأن الانسان بدون الخبرات المؤلمة لم يكن سيتعلم الأشياء الجيدة وكل العلماء قبل الوصول لاختراعاتهم فشلوا وكرروا تجاربهم كثيرا وتعلموا منها قبل تحقيق النجاح، وأذكر أن المخترع أديسون قام بعمل 5000تجربة قبل اختراع المصباح. لابد ألا يكون هناك سقف لطموحك وأن تكون عندك قوة وإيمان بنفسك وبالله لتصل إلى ما تريده ولا تنظر إلى غيرك مهما كان لأنه لن يدفعك لشىء سوى الدخول فى حالة من التمرد. كما أوصيك ألا تحزن إذا فراقك الأحباب، لأننا كلنا ببساطة قريبا سنلحق بهم. واعتبر فترة بعدهم عنك كسفر طويل لم يحدد له رجوع. وفى النهاية أتمنى، أن يبدأ كل منا السنة الجديدة كبنى آدم جديد، يسعى إلى كل ما هو إيجابى ويترك كل ما هو سلبى، ويؤمن بأن الغد أفضل من الأمس.. وأنه مهما كانت درجة الظلمة التى قد يعيشها الإنسان فلابد أن يأتى بعدها نور لأن هذه سنة الحياة.•