عندما يمر الإنسان بضغوط نفسية يحتاج إلى أن يخرج الطاقة السلبية من خلال طريقة سلسلة بسيطة، وليس هناك ما هو أكثر بساطة من الضحك . تؤكد الدكتورة هبة العيسوي- أستاذ الصحة النفسية والعصبية بطب عين شمس- أن الضحك له فوائد كثيرة جداً ، لأن الإنسان عندما يضحك فإن المخ يفرز مادة «بيتا إندورفين» التي تشعره بالسعادة، حيث أنها تسكن أي آلام، كما أنه أثناء الضحك تدخل كمية كبيرة من الأكسجين إلى جسم الإنسان من الرئة، ثم يصعد من الدم للمخ ، وكلما تزداد عملية الضحك يزداد التركيز والإنتباه،مشبهة زيادة الضحك بالإنسان الذي يتعاطي مادة الحشيش، والتي يشعر بعدها بأنه في قمة سعادته العيسوي أشارت إلى أن العديد من الدراسات أفادت بأن الضحك يعزز عملية التنفس، ويعمل على تقليل هرمونات التوتر بداخل جسم الإنسان، وينشط جهاز المناعة، وأن للضحك قدرة على تخفيف الشعور بالألم من خلال إفراز هرمون الأندروفين الذي يعمل كمسكن طبيعي ، فضلاً عن أهمية الضحك للأطفال، فالدراسات تبيّن أن الأطفال يضحكون 400 مرة في اليوم، بينما يضحك البالغون 14 مرة فقط . وقالت: معروف علميا أن فسيولوجيا الأعصاب الحديثة ترتبط بتنشيط القشرة الأمامية الوسطي للدماغ ،كما أنه يعد نوعا من أنواع الرياضة التي تدخل الهواء النقي للرئتين، وتسبب حالة من الإسترخاء لجسم الإنسان ،حيث أن الضحك الطبيعي يحرك أكثر من 100 عضلة في الجسم من بينها 15 عضلة في الوجه، ويعمل علي إزالة مشاعر الاكتئاب . والنكتة قديما- وفقاً لتأكيد العيسوي- كانت تثير الضحك، وكان الموظف يخرج من عمله ليذهب إلي بيته بدون زحمة أو يشغل عقله بالمشاكل السياسية، وأحيانا كان يهتم بقراة الصحف الساخرة،وكان التليفزيون يعرض مواد مضحكة، تشعر الناس بالراحة، أما الآن فكل شيء تغير، وتغيرت ضحكة المصري حتى أنك بنبرة حزن في ضحكه ،وأصبحنا نتمني الضحك ولكن لا نطوله. وتري العيسوي أن الكتابة الساخرة والكاريكاتير كان لهما وزن واهتمام عند المواطن البسيط والمثقف، وكان هناك كتاب عملاقة يستطيعون إثارة الضحك في نفوس المصريين ،أما الآن فينظر الإنسان الي الكاريكاتير فلا تخرج منه حتي الابتسامة ،موضحة أن الضحك له فوائد كثيرة لكن أيضاً الافراط فيه وبصوت عالٍ يميت القلب وقد يتسبب في الإصابة بالسكتة الدماغية وجلطات في القلب . يقول د.لطفي الشربيني- استشاري الطب النفسي- إن تأثير الضحك لا يقتصر علي الحالة النفسية للإنسان فقط بل يمتد إلي وظائف الجسم الداخلية، فقد ثبت أن الضحك يساعد علي زيادة الأكسجين الذي يصل إلي الرئتين، وينشط الدورة الدموية ويساعد علي دفع الدم إلي الشرايين، فيتولد احساس بالدفء في الاطراف، وربما كان هذا هو السبب في احمرار الوجه حين نضحك من قلوبنا، مشيراً إلي أن الابتسامة الصادمة تختلف شكلاً وموضوعاً عن الابتسامة المفتعلة. وعن أنواع الضحك يوضح، الشربيني أن هناك الضحك الاجتماعي لمجاملة الآخرين مثل أهل اليابان الذي يرسمون علي وجوههم ابتسامة مرتدين في نفس الوقت ما يطلق عليه قناع السعادة، أو كما قال احسان عبد القدوس «العذاب فوق شفاه تبتسم»، وكما ورد في تراث العرب «شر البلية ما يضحك»، وهناك حالات ومواقف يكون الضحك منها رد فعل لبعض الاضطرابات النفسية المؤقتة مثل الضحك الهستيري في لحظة معينة، أو نوبات الضحك التي تفقد سيطرة العقل علي السلوك، ومنها الضحك الناتج عن تأثير غاز اكسيد النتريك علي الاعصاب والمستخدم في الحروب الكيماوية باسم «غاز الاعصاب»، وعند تعاطي الكحوليات ونصادف في عملنا حالات الضحك الناتجة عن «لوثة المرح» والقهقهة العالية مثلما في حالات الفصام العقلي. هناك أيضا الضحك للدهشة عند حدوث مفاجأة، والضحك عند مشاهدة فشل الآخرين والضحك لوقوع أحد المصادفات، والضحك عند سماع نكتة، وأحيانا الضحك للاستجابة لضحك أو ابتسامة شخص آخر، وقد يكون الضحك استجابة ل«الدغدغة» أي لمسة شخص لبعض مناطق الجسم علي سبيل الدعابة. د.إسماعيل يوسف -أستاذ الطب النفسي- يؤكد أن ضحكة الإنسان للإنسان وابتسامه في وجه أخيه هي مبعث حلاوة الحياة، فليس غريبا أن تنفر من إنسان وتبتعد عنه لمجرد أنه كشر أو عبوس وتقبل علي آخر لأنه بشوش. ويشرح د.إسماعيل الضحك بأنه انعكاس للمشاعر الإنسانية التي لها ثلاثة أبعاد الضحك والحزن والقلق، وأن كثير الضحك عادة ما يكون شديد الحزن، أي يحزن من قلبه ويضحك من قلبه، والمرأة لديها القدرة أكثر من الرجل للوصول إلي اقصى أطراف تلك المشاعر سواء كانت حزناً أو فرحاً. أما د.مجدي عبد الوهاب -اخصائي الأمراض النفسية والعصبية- فيقول: «اضحكوا تصحوا» فالرئة التي نتنفس من خلالها ضحكات رائعة تفيدنا بدنيا ونفسياً وهي أيضا علاج وقائي من أمراض لا حصر لها وينصح د.مجدي الجميع بنكتة في الصباح وأخري في المساء حتي يطول العمر. ويؤكد د.خليل فاضل- استشاري الأمراضي النفسية- أن البعض يستخدم الضحك الحقيقي كوسيلة للتعامل مع أيقاع الحياة السريع والمتغيرات المتوالية التي تحيط بنا، وأن البعض يضحك في مواجهة المواقف المحرجة أو المواقف شديدة الحزن إذ أن الضحك يرتبط بالانفعال وبالتالي يساعد علي اخراج الشحنات النفسية والطاقات الداخلية الموجودة لدي الإنسان، ولكن يختلف الافراد في مدي قدرتهم علي الضحك، فهناك وجوه عابسة بطبيعتها حتي في أكثر المواقف اضحاكاً، ومن المعروف علمياً أن الشخص الذي لا يستطيع الضحك أو البكاء تبعاً للمواقف هو شخص مريض نفسياً، و هوأكثر الناس عرضة لكثير من الأمراض النفسية. ويشرح د.فاضل أن كثرة الضحك بطريقة غير طبيعية دليل علي المرض الذي يسمي «الهوس الدوري» وفي هذا المرض يكون المريض خفيف الظل لدرجة اضحاكه من حوله، وهذا المريض غير مأمون السلوك، لدرجة أنه يمكن أن يخرج عارياً إلي الشارع، وفي حالات الفصام العقلي يأتي المرضي خاصة من الشباب أمام المرآة يضحكون علي أنفسهم وتصدر عنهم حركات هزلية ونكات سخيفة قد تثير سخط المحيطين بهم، ويأتي بعد ذلك الهسيتريا وهي مرض نفسي يصيب النساء أكثر من الرجال، وهنا يحاول المريض شد الانتباه بالضحك الهسيتيرى.