رجل من طراز خاص.. هو أول من سجل بقلمه العديد من الروايات والقصص عن أهم البطولات فى جهاز المخابرات المصرية، فلولا كتاباته وأدبه المتميز لكان هؤلاء الأبطال مجهولين حتى يومنا هذا. هو الكاتب صالح مرسى، من مواليد مدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية فى 7 فبراير 1929، وكانت موهبته المتميزة تظهر فى جميع تعاملاته، فدائما ما يبحث عن كل ما هو جديد، فبدأ بالقراءة عن السفر وفوائده وابتعد عن الأجواء السياسية وانشغل بعالم البحار وما يختبئ وراءه، فذهب يبحث عن المزيد عنها فى المكتبات العامة, وبعد أن حصل على ليسانس الآداب فى الفلسفة وعلم الاجتماع من جامعة الإسكندرية حاول شق طريقه جاهدا فى التعرف على الأديب يوسف إدريس عن طريق إرسال بعض القصص التى كتبها من خلال البريد ومن هنا أعجب إدريس به وشجعه، وبالفعل أقنعه بالمجيء إلى القاهرة ونشر أول مجموعة قصصية له فى مجلة «صباح الخير» عام 1970 التى كانت تحمل عنوان «الخوف» ورشحت هذه المجموعة لجائزة الدولة، لكن تعرضت للعديد من الانتقادات بسبب حوارها المكتوب بالعامية. اتجه إلى البحر الذى يحمل بداخله معانى كبيرة منذ طفولته والدخول فى عالم الصيادين وتجول فى حوارى الأنفوشى ورأس التين ورافق أصحاب الفلايك، واستمع إلى حكايات الميناء وأساطيرها، ومن هنا خرجت رواية «زقاق السيد البلطي»، ومن عالم البحار عاد إلى القاهرة مرة أخرى ليبحث عن نوع آخر من الأدب والمزيد من القصص الواقعية فأخذ يمشى فى شوارع القاهرة ويعيش تجارب حقيقية وأهم هذه التجارب تجربة جرسون فى أحد المقاهى بحى السيدة زينب ليخرج من هذه التجربة برواية «الكذاب». ومن محطة أدبية إلى أخرى يحاول صالح مرسى تغيير جلده ليرضى موهبته الجريئة.. فوجدها تحركه إلى عالم جديد لم يقترب منه أحد هو عالم «الجاسوسية»، الذى يحمل العديد من الخبايا وأيضا الحساسية فى تناوله. بالفعل نجح فى الاقتراب من هذا الباب السرى وجعله مادة ثرية، فبدأ التعامل مع جهاز المخابرات المصرية ليس فقط مجرد ناقل أمين من ملفات المخابرات، بل كان يلتقى رجال المخابرات والأشخاص الحقيقيين الذين تم تجنيدهم لصالح البلاد بهدف المعايشة قبل الكتابة وبالتعرف إلى هذه الشخصيات استطاع صالح مزج الواقع بخيال المؤلف.. لتكتمل الرؤية، ففى البداية ظهرت روايته «الحفار» المأخوذة عن عملية مخابراتية حقيقية أظهر فيها أسرار الحرب الخفية بين مصر وإسرائيل بعد العدوان الثلاثى وتناولت خبايا حرب الاستنزاف وعبور الفدائيين إلى سيناء لتدمير المنشآت الإسرائيلية وإعلان إسرائيل التنقيب عن البترول واستئجارها حفارا لهذا الغرض، ومن هنا جاء اسم «الحفار». وتوالت روايات صالح عن أدب الجاسوسية، قدم مجموعة قصصية بعنوان «الصعود إلى الهاوية» التى تحولت بعد ذلك إلى فيلم يتناول فيه قصة حقيقية عن الجاسوسة «هبة سليم» التى تم تجنيدها لصالح المخابرات الإسرائيلية فى فترة حرب الاستنزاف، وبعدها استمر فى كتاباته فقدم رواية «دموع فى عيون وقحة»، «سامية فهمي»، «رأفت الهجان»، وغيرها من الملاحم الوطنية التى تناولت ملامح عالم الجاسوسية وجعلت من قصصه أدبا يفتخر به كل المصريين ورسخت هذه الأعمال لدى الشباب مفهوم المخابرات ودورها فى الحفاظ على الأمن القومى فى مصر مهما بلغت الصعاب. وافته المنية عام 1997 إثر تعرضه لهبوط فى الدورة الدموية.. ولكنه ظل الساحر الذى حول الجاسوسية إلى روايات وقصص أدبية، أدب يفتخر به كل مصرى. •