«وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، «مصر وطن يعيش فينا وليست وطنا نعيش فيه». هاتان العبارتان وغيرهما شكلتا الدور السياسى للمسيحيين المصريين عبر التاريخ وفى أشد الأزمات الوطنية.. الأولى قالها ورددها كثيرا البابا تواضروس فى العامين الماضيين، وأثناء حرق الكنائس للانتقام من المصريين جميعا بعد 30 يونيو.. والثانية هى مقولة مكرم عبيد وقت ثورة 1919 وأخذها عنه البابا شنودة ليذكر بها الأقباط فى كثير من المحن.
وبينما يرى البعض تهميش دور الأقباط فى التاريخ السياسى المصري، فإن آخرين يعتقدون أن الدور السياسى للمسيحيين المصريين أعقد وأشمل من تلك العبارات فقط. ولذلك اختارت «صباح الخير» أن تناقش ثلاثة من رموز السياسة المصرية يعبرون عن حقب مختلفة من التاريخ المصري، وبالمصادفة كانوا مسيحيين! اللقاء الأول كان مع السياسية والبرلمانية المعروفة د. منى مكرم عبيد وهى ابنة الزعيم مكرم عبيد أحد أقطاب حزب الوفد القديم، والتى تحدثت عن دور «الوفد» فى تجميع عنصرى الأمة مسلمين ومسيحيين تحت شعار واحد «يحيا الهلال مع الصليب»، وهو الشعار الذى رفع فى ثورة 1919 ضد المحتل الإنجليزى عندما كاد يشق صف الثورة بإحداث الفتنة الطائفية، فى منزلها فى الزمالك وتحديدا فى مكتب الوالد مكرم عبيد الذى ورثته هى عنه كان اللقاء. قالت د. مني: فى البداية سأتحدث عن دور الوالد فى السياسة المصرية والذى وصفه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بقوله: إن مكرم عبيد استطاع أن يغير نظرة الدولة المصرية نحو الأقباط من الرعوية إلى المواطنة. حيث إن مكرم عبيد كان ممثلا للمسيحى القبطى الذى عاش روح الحضارة العربية، وكان مؤمنا إيمانا راسخا بالوحدة العربية التى تضم المواطنين العرب على اختلاف عقائدهم وأديانهم. وكان وقتها لم يتأكد معنى «المواطنة» بعد فى مصر أو الوطن العربي، ولكنه قاد مع النحاس باشا والوفد معركة الاستقلال والمواطنة فى تلك الأيام عبر النضال السياسى المباشر، وبين النضال غير المباشر من خلال تكوين حركة النقابات المهنية العربية، ورفع شعارات التحرر من الاستغلال الأجنبى لرأس المال، وأيضا حركات التحرر من استغلال المصرى لأخيه المصري، وقد كان أول من أنشأ مكتب العمل وضمه إلى وزارة الشئون الاجتماعية، وهى الوزارة التى كانت حديثة العهد وقتها فى الأربعينيات من القرن الماضى وعندما قمت بزيارة عدد من البلدان العربية اكتشفت أن لوالدى شعبية كبرى. • فى بيت مكرم عبيد وتساءلت: لماذا عندما قامت ثورة 1952 التى قامت على أفكار نضال الوفد فى تحقيق الوحدة العربية والاستقلال قلصت دور مكرم عبيد فى كتب التاريخ؟! وتحدثت منى مكرم عبيد عن فترة السبعينات فقالت:رغم معاناة المسيحيين وقتها فإن الانتماء للوطن حصن مصر من الانهيار، ولكن الشعور بانتقاص المواطنة ملأ قلوب المسيحيين. وعن فترة مبارك: أكدت د.منى أنها اختلفت مع مبارك فى أواخر عصره حيث لم يتم ترشيح أى قبطى فى مجلس 1995 من الحزب الوطني. وأيضًا فى انتخابات 2010 بعد أعلن فوزى عن الوفد تم إلغاء الفوز لصالح مرشح الحزب الوطنى المتشدد دينيًا. ومن أسباب ثورة 25 يناير استبعاد المعارضة فى 2010 وأيضا حريق القديسين فى الإسكندرية، خاصة أن مبارك جرف الساحة السياسية من السياسيين وأجج الممارسات الطائفية بحجة، هو أو التيارات المتطرفة. لكن هناك أملاً فى الدستور الجديد والبرلمان الجديد الذى سيمنح فرصة لعودة المرشحين الأقباط للبرلمان. أمين إسكندر فى حزب الكرامة هو أحد أهم الرموز الناصرية المعارضة، والقطب الثانى وأول رئيس حزب قبطى فى السنوات المعاصرة. أمين إسكندر اختار أن يقارن ما بين وضع الأقباط السياسى فى الفترة الناصرية وما تلاها من فترات! حيث أكد أن عبدالناصر قدم حلولا جذرية لتحقيق «المواطنة» لكل المواطنين عندما طرح مشروع المساواة بين المواطنين سواء فى التعليم من خلال مجانية التعليم والالتحاق بالجامعة بالمجموع «أى الكفاءة» والتكليف والتعيين بالقوى العاملة. رغم الملاحظات فيما بعد حول «ترهل» تلك الأنظمة بعد عبدالناصر، إلا أن الطبقة المتوسطة سواء كان المواطن مسيحيا أم مسلما، استفادت تماما من تلك المشاريع. توحيد التعليم المدنى للدولة أيضا وحد الثقافة «وأقصد مدارس الحكومة» بعيدا عن الفئات القليلة التى تعلمت سواء فى الأزهر أو مدارس الكنائس الكاثوليكية. وهو ما جعل للأجيال وقتها هوية مصرية واحدة «لا مسلم ولا مسيحي» بعكس ما يحدث الآن، تعدد مناهج وطرق التعليم يخلق هويات متعددة. عبدالناصر اختار الكفاءة دون النظر للديانة أو «الكوتة» رغم أن علاقته بالكنيسة والبابا كيرلس كانت علاقة صداقة وود، وتساءل إسكندر لماذا لا نجد قائدا عسكريا بعد «فؤاد عزيز غالي»؟! لماذا لا يوجد رئيس للجامعة مسيحى؟ ولماذا لا نجد محافظا مسيحيا إلا بعد ضغط؟! والإجابة: لأن الثقافة الشعبية أصبحت لا تقبل ذلك، ولكن الثقافة الشعبية مرجعيتها «التعليم». وحول قضية «هجرة الأقباط» التى يدعى البعض أنها كانت ثمن العهد الناصرى أكد أن «الاشتراكية» هى السبب وليس الفتنة، حيث إن المسيحيين كانوا يعملون فى التجارة والمشروعات الرأسمالية، وعندما توجهت الدولة للاشتراكية زادت هجرة الأقباط من الأثرياء خاصة بعد التأميم الذى شمل الجميع مسلما ومسيحيا لصالح الشعب. ولكن ما يؤخذ على عبدالناصر أنه لم يغير بعض القوانين المتوارثة منذ العهد العثمانى التى مازالت إلى الآن تمثل عائقا للمواطنة الكاملة، مثل الخط الهمايونى لبناء الكنائس، ولكن كان يمنح تراخيص أكثر من المطلوب، وكان يتم توظيف الكنيسة كقوى دبلوماسية ناعمة فى توطيد العلاقات مع إثيوبيا وبلدان المهجر. جاءت 25 يناير لتغيير جميع الموازين التقليدية تماما، فكيف كان موقف الأقباط منها وهل تغير وضعهم بالفعل؟! الإجابة نجدها فى كلمات الفنان والسياسى عادل واسيلى أحد رموز ثورة يناير عن تيار اليسار. أكد أن ثورة 25 يناير كانت حركة تمرد وثورة من الشباب المسيحى على الكنيسة التقليدية مثلما كانت حركة تمرد من الشباب المصرى على نظام حكم مبارك، خاصة أن نظام مبارك والكنيسة كانا قد استقرا على علاقة تختصر المواطنين المسيحيين أمام الدولة بالكنيسة، وهو بالتبعية ما ساعد على انعزال المسيحيين داخل الكنيسة وهو ما أهدر قيمة المواطنة. وكانت البداية للثورة عند الشباب المسيحى وقت حادث كنيسة القديسين وما تبعها من أحداث، حيث فشلت الكنيسة فى وقف تيار الثورة ضد الفساد الذى يعانيه المواطن المسيحى مثل المواطن المسلم فى الحياة اليومية، وبالطبع لم يكن حكم الإخوان هو ما ينتظره الشباب المسيحى، وجاء موقف 30 /6 ليظهر كالمعتاد صمود ووحدة المصريين معا. •