لعل من أسباب نجاح ثورة 1919 هو ما تمتع به الشعب المصري من قدرة علي التوحد والتجانس في المرحلة الناصرية كان من المتعذر أن يتم انتخاب مرشحين من الأقباط لذلك أقر مبدأ دستوري جديد يمنح رئيس الجمهورية سلطة تعيين عشرة أعضاء في مجلس الأمة رفع السادات شعار دولة العلم والإيمان وأفرج عن المسجونين السياسيين الإسلاميين لمواجهة القوي اليسارية وانتهت الفترة الساداتية بعزل البابا شنودة من أحداث الكتب التي تتناول قضية مشاركة الأقباط في الحياة السياسية المصرية، صدر حديثا كتاب "المشاركة السياسية للأقباط" للباحثة سامية عياد عطا، والصادر عن المجلس الأعلي للثقافة عام 2010، ولقد قسمت الباحثة مراحل المشاركة السياسية إلي أربع مراحل رئيسية هي: المرحلة الليبرالية (1919-1952) والمرحلة الناصرية (1952-1971) والمرحلة الساداتية (1971-1981) وأخيرا مرحلة الرئيس المخلوع حسني مبارك (1981-2011) المرحلة الليبرالية فعن المرحلة الليبرالية تقول المؤلفة إن ثورة 1919 قد أسفرت عن ترابط ثلاثة محاور أساسية شكلت النظام السياسي الجديد، هذه المحاور الثلاثة هي نشأة الوفد المصري كتنظيم سياسي شعبي يجاهد من أجل تحقيق الاستقلال التام لمصر وإجلاء الاحتلال البريطاني عنها، والثاني هو تصريح 28 فبراير الذي أصدرته الحكومة البريطانية ليعلن إلغاء الحماية علي مصر ويعترف بها كدولة مستقلة ذات سيادة، والثالث هو دستور 1923 الذي شرع في صياغته فور صدور التصريح البريطاني. ولعل من أسباب نجاح ثورة 1919 هو ماتمتع به الشعب المصري من قدرة علي التوحد والتجانس، فلقد برز منذ اللحظة الأولي من قيام الثورة اتحاد عنصري الأمة، ففي المظاهرات كان الشيوخ والقساوسة يسيرون جنبا إلي جنب، كما كانت فكرة سعد زغلول عن الأمة المصرية أنهم مصريون فقط، وظل حزب الوفد هو الحارس لهذا الفكر المستنير فتصدي بكل قوة للاتجاهات السلفية المتمثلة في جماعات الإخوان المسلمين، ولقد برزت المشاركة السياسية للأقباط في تلك الفترة، فلقد ضم حزب الوفد أسماء قبطية كثيرة مثل ويصا واصف (وكان رئيسا لمجلس النواب) ومكرم عبيد (وكان سكرتير عام الوفد)، ولقد شهدت الفترة من 1923 حتي 1930 مشاركة فعالة للأقباط، كما شغلوا مناصب وزارية سيادية كثيرة، فلقد تبوأ الأقباط وزارة الخارجية سبع مرات، ووزارة الأشغال ست مرات كذلك المالية، والزراعة ثماني مرات، ووزارة الحربية مرة واحدة، والتجارة والصناعة سبع مرات، والتموين مرتين، والصحة مرتين، كما مثل الأقباط حوالي 45% من مجموع الوظائف الحكومية، وكان حوالي 98 % منهم يعملون كصيارفة وذلك حتي عام 1937 .ومع ذلك حدثت بعض المشاكل الطائفية خلال تلك الفترة، منها الشروط العشرة لبناء الكنائس التي وضعتها وزارة الداخلية في فبراير 1934، كذلك صدر قرار بمنع المدرسين الأقباط من تدريس اللغة العربية مما أدي إلي تعطل عدد كبير منهم، كما برز التيار الديني مع ظهور حركة الإخوان المسلمين مما أدي إلي انحسار الأقباط عن المشاركة السياسية، الأمر الذي دفع بعض الأقباط إلي إيجاد قنوات سياسية بديلة يمكن منها أن تعبر عن نفسها ومشاكلها، فظهر في أواخر الأربعينات قيام الحزب الديمقراطي المسيحي وكانت أهم مطالبه :- عدالة توزيع الأرض مع إلزام الملاك برفع مستوي عمالهم الزراعيين ورفع الحد الأدني للأجور . كذلك ظهرت جماعة الأمة القبطية التي ظهرت في بداية الخمسينات والتي تكونت من أجل الدعوة إلي إحياء القومية القبطية في مواجهة الفكر المتطرف التي روجت له جماعة الإخوان المسلمين . المرحلة الناصرية أما عن المرحلة الناصرية، فيمكن تقسيمها إلي مرحلتين: المرحلة الأولي من 1952إلي 1960 ، أما المرحلة الثانية فهي من 1960إلي1970 . فعن المرحلة الأولي تذكر المؤلفة أنها تميزت بعدم وجود توجه أيديولوجي محدد، إلا أنه يمكن القول إن هذه الفترة تميزت باتجاه الدولة إلي الإصلاح الزراعي، وكان الهدف الأكبر للرئيس الراحل عبد الناصر هو تذويب الفوارق بين الطبقات. أما عن الفترة الثانية، فلقد تميزت بتفعيل القوانين الاشتراكية، منها قوانين التأميم التي صدرت في يونية 1961 . ولقد كانت لتلك القوانين بعض التأثير علي الأقباط، فلم تعد هناك المصارف والشركات والأراضي التي يمتلكها كبار الأقباط . . أما عن علاقة عبد الناصر بالأقباط، فلقد تجاوز الرئيس عبد الناصر القيود التي يفرضها الخط الهمايوني علي بناء الكنائس، فصرح للكنيسة القبطية ببناء خمس وعشرين كنيسة، كما ساهمت الدولة في بناء الكاتدرائية المرقسية الجديدة بمبلغ مائة الف جنيه أما علي المستوي السياسي قلت نسبة المشاركة للأقباط ويتضح ذلك مما يلي :- 1- غياب مشاركة الأقباط في مجلس قيادة الثورة. 2- اختفاء القيادات الوطنية القبطية علي الساحة السياسية، مع إلغاء حزب الوفد الذي كان الأقباط عنصرا بارزا في نشاطه . 3- من ناحية التمثيل البرلماني، فلقد كان من المتعذر أن يتم انتخاب مرشحين من الأقباط في مجلس الأمة، وقد عالج عبد الناصر هذا الأمر بأن أقر مبدأ دستوري جديد يمنح رئيس الجمهورية سلطة تعيين عشرة أعضاء في مجلس الأمة من الذين يتعذر انتخابهم مثل الأقباط والمرأة . وإذا نظرنا إلي تمثيل الأقباط في البرلمان لوجدنا أنه لم ينجح بالانتخاب منذ 1952 إلي 1964 سوي نائب قبطي واحد هو "فريد فايق فريد " في برلمان 1955 في مقابل ثمانية معينين من قبل الدولة في الفترة من 1964 إلي 1968 . ومن ناحية التمثيل الوزاري، انحصر اختيار الوزراء في دائرة التكنوقراط الذين لم تكن فيهم قيادات سياسية متمرسة . وفي وزارة الخارجية لم يعين سفير قبطي واحد فيما بين عامي 1952 و1973، وفي وزارة التربية والتعليم لا يوجد قبطي واحد رئيسا لجامعة أو عميدا لكلية، وفي كلية الطب نجد 40 % فقط من هيئة التدريس من المسيحيين، ومن بين الموفدين لبعثات علمية في الخارج والبالغ عددهم 500 مبعوث ولا يوجد منهم سوي عشرة من المسيحيين .وفي وزارة الحكم المحلي لا يوجد قبطي واحد رئيسا لمجلس مدينة أو سكرتيرا لمحافظة . وقد أدي نقص المشاركة السياسية للأقباط خلال المرحلة الناصرية إلي ما يلي :- 1- اتجاه الأقباط إلي الكنيسة، حيث أدي اختفاء الصفوة القبطية إلي تقوقع وانسحاب الأقباط إلي داخل الكنيسة 2- الهجرة إلي الخارج، وقد تزايدت معدلات الهجرة بفعل سياسات التأميم المرحلة الساداتية نأتي بعد ذلك إلي المرحلة الساداتية (1971- 1981) فلقد رفع الرئيس السادات شعار "دولة العلم والإيمان " كما أفرج عن العديد من المسجونين السياسيين من التيارات الإسلامية، وذلك لمواجهة القوي اليسارية والناصرية، ولقد ازدادت حوادث العنف الطائفي خلال الفترة من 1972 إلي 1981 . في هذا الإطار سعت الكنيسة إلي تأكيد دورها السياسي من خلال إبداء رأيها في قضيتين : القضية الأولي خاصة بالمادة الثانية من الدستور حيث طالبت بأن تضاف عبارة "بما لا يتعارض مع شرائع الأقباط " القضية الثانية كانت عند مناقشة قانون الردة الذي رفضته الكنيسة بشدة، ودعت إلي مؤتمر ديني مسيحي في الإسكندرية رفعت من خلاله عدة مطالب لدي الدولة، وأعلنت فترة صوم انقطاعي للجماعة القبطية خلال الفترة من 31 يناير إلي 2 فبراير 1977 وانتهي عهد السادات بقرارات سبتمبر 1981 والتي تم فيها عزل البابا شنودة الثالث عن كرسيه . مرحلة المخلوع وبعد ذلك جاءت مرحلة الرئيس المخلوع حسني مبارك، وفي بداية حكمه قام بالإفراج عن مجموعة من المعتقلين السياسيين (مسلمين وأقباط)، كما أصدر قرارا جمهوريا في يناير 1985 بإعادة تعيين البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية . لكن وقعت أحداث عنف طائفي عديدة خلال تلك الفترة، نذكر منها حرق كنيسة العذراء بسوهاج، وإلقاء متفجرات علي كنيسة العذراء بالمنيا، وفي مارس 1990 وقعت أحداث عنف طائفي في «أبو قرقاص» وحرق 48 من المحلات الخاصة بالأقباط، وفي عام 1992 وقع 37 حادث اعتداء معلن علي الأقباط في 11 محافظة، كذلك أحداث الكشح 1، 2 خلال أعوام 1998 و2000 . وعن معوقات المشاركة السياسية للأقباط ترصد الباحثة بعض النقاط نذكر منها :- 1- نظام التعليم في مصر لا يهتم بإبراز المواقف الوطنية والسياسية للأقباط عبر العصور، فضلا عن تجاهل العصر القبطي ضمن المقررات الدراسية 2- لا يساعد التعليم في مصر علي نشر ثقافة قبول الآخر 3- تصاعد التيار الإسلامي وتغلغله في الحياة السياسية 4- تراجع قيم المواطنة في التعليم والثقافة والإعلام 5- سلبية الأقباط تجاه العمل السياسي نتيجة انتشار أفكار دينية خاطئة، كذلك نتيجة التربية الكنسية التي لا تشجع الأقباط علي المشاركة السياسية