شريحة من المجتمع تظل تدفع ثمن أخطائها، حتى وإن عوقبت وسُجنت، وأتمت فترة سجنها، فآلاف المساجين يخرجون للمجتمع كارهين أن يعودوا للسجن بعد انقضاء فترة العقوبة فيصطدمون بمجتمع رافض لهم، وأصحاب أعمال يغلقون فى وجوههم الأبواب، والأخطر أن أسرهم قد تقودهم الحاجة لأن يسلك أبناؤها سلوك عائلها المسجون فى طريق بحثها عن اللقمة الحلال فلا تجدها.. الرعاية اللاحقة هى إدارة تتبع وزارة الداخلية تمثل الملجأ لكل هؤلاء وتمثل حلقة الوصل ما بين المسجونين بعد الإفراج عنهم وكذلك أسرهم قبل خروجهم من السجن من جهة، وبين جهات عديدة توجه الدعم العينى وتفتح لهم أبواب العمل، ولابنائهم التعليم والصحة. ومع أن إنشاء هذه الإدارة منذ سنة 1981 إلا أن هذا الدور الهام قد لا يدركه الكثيرون بل إن هناك من يسمعون عن هذه الإدارة للمرة الأولى، لذلك اقتربنا من الرعاية اللاحقة وأجرينا هذا اللقاء مع المسئول عن هذا الدور اللواء هشام ثروت الذى فاجأنا باقتراحات بناءة منظمة، وفكر متطور لخدمة هذه الشريحة التى تحتاج كل الجهد حتى لا تتحول لوباء على المجتمع بسبب حاجتها ورفض المجتمع لها. • دورها وتمويلها • «صباح الخير»: ماهو الدور الأساسى للرعاية اللاحقة وآليات تنفيذ هذا الدور؟ -الرعاية اللاحقة هى مجموعة المساعدات العينية و«ليست أموالاً»، ومجموعة الإرشادات التى نعطيها للمفرج عنهم من السجون لإعادة دمجهم فى المجتمع، وإصلاحهم.. إنها شريحة لها الحق فى حياة طبيعية شريفة، فبعد الإفراج عنه وانقضاء فترة عقوبته يحتاج لإعادة تأهيله لتغيير سلوكه وخاصة وهو مدرك أنه منبوذ ويرفضه المجتمع وأصحاب الأعمال لا يوظفونه لأنه كان محبوساً، فيأتى لنا نؤهله على أيدى استشاريين اجتماعيين، ونوفر له وظيفة تتماشى مع تهمته، فلا نوظف سارق خزن مثلاً كحارس أمن، ونبحث له عن الأجر المناسب حتى لا ينحرف ثانيةً، وكما نعمل على شريحة المفرج عنهم نعمل على شريحة أخرى هى أسر المسجونين، فمسئوليتنا مساعدتهم حتى خروج عائلهم من السجن.. فالرعاية اللاحقة لها هدفان أحدهما إنسانى اجتماعى والآخر أمنى وقائى للتقليل من معدلات العودة للجريمة.. وفي كل مديرية أمن توجد رعاية لاحقة، ونحن هنا كإدارة نشرف عليها كلها كناحية فنية عندها قاعدة البيانات ونعمل قاعدة متكاملة. وهناك جهات عديدة تمول هذه المساعدات، فنحن نتعامل مع بنك الطعام فيعطينا مواد غذائية شهرية نساعد بها أسر المساجين، وبنك الكساء يمدنا بالملابس والبطاطين فى الشتاء، وبنك الشفاء بالأدوية، وإذا بعثنا بأى جواب لأى مستشفى بخصوص مفرج عنه أو أحد من أهل المساجين تقوم المستشفيات بواجبها نحوه وعلاجه كذلك يمكن تأهيل السجين بعد خروجه إذا كان عمره لا يزيد على 40 سنة للعمل بإحدى الحرف. • ما الجهات الأخرى الممولة لهذه الخدمات العينية؟ - نتعامل أيضاً مع جهات حكومية ووزارات معنية وجمعيات أهلية وخيرية مثل وزارة الأوقاف والأزهر والكنيسة والتضامن، ومشيخة الأزهر لإعفاء أبناء المساجين من المصروفات وزارة القوى العاملة توفر فرصاً لأسر فى القطاع الاستثمارى، كذلك وزارة التربية والتعليم تساعد فى الاعفاء من المصروفات، ونحضر الزى المدرسى للأطفال عن طريق الجمعيات ونساهم فى تجهيز ابنة السجين إذا احتاجت شراء ثلاجة أو بوتاجاز، أو إعطاء تصاريح للعمل أو فاترينات أو أكشاك، وكذلك هناك تنسيق بين وزارة الاسكان ووزارة الصناعة والتجارة. وتقدم وزارة التضامن الاجتماعى مساعدات شهرية للأسر من 6 أشهر لثلاث سنوات معاش شهرى بضمان جمعية رعاية المسجونين ولها فروع فى مديريات الأمن كلها متابعة نشاط وعمل دورات محو أمية خياطة لأسر النزلاء بالسجون. • نحتاج لوجود كيان تنسيقى • ما أهم المشاكل التى تواجهكم فى الإدارة؟ وهل هناك نظرة تطويرية للخدمات المقدمة؟ - أفرزت الممارسة العملية حاجة ملحة لوقفة جادة جداً لعدم كفاية الجهد المبذول دون تنظيم فبدأت البحث عن اليات جديدة يمكن من خلالها إعادة الرؤى الاستراتيجية للعاملين بالإدارة كضباط ومدنيين لتوائم بين أمانة الرسالة ومهارة الآداء التى يمكن من خلالها إعادة صياغة التنمية البشرية عن طريق استضافة دكتور حاصل على دكتوراة مهنية فى التطوير والتدريب والتنمية البشرية لكل العاملين من أفراد، وضباط السيطرة، على الضغوط العمل، فى ظل أداء فائق ورضا وظيفى لأن بعد الثورة نعانى من أمور وضغوط عديدة، ولقى هذا الاتجاه تجاوباً وانبهاراً من العاملين، لأن التطوير والتحديث أصبح أساسياً فى كل مكان. فالفترة من 2011 كانت كلها متوقفة وأحدثت هبوطا فى الآداء خلال السنوات الماضية ومنذ توليت المهمة العام الماضى بدأت التنسيق مع الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية واقترحت أن تقام ندوة تشترك فيها الوزارات والجمعيات الأهلية وحقوق الإنسان ومصلحة السجون ويتم الاتفاق على أكثر من شىء: أولها تطوير وتنويع المساعدات المقدمة للمفرج عنهم، وقد ناشدت رئيس الوزراء عقد الندوة تحت رعاية سيادته بهدف توضيح الجهود الحالية التى تقدمها وعدم تناسبها مع الحالة الاجتماعية لهذه الشريحة بما يعينهم، وأن جهود الرعاية اللاحقة متصلة بجهات أخرى خارج وزارة الداخلية تؤثر فيها تأثير مباشراً، وعدم التزام أجهزة الحكم المحلى من مجلس مدينة أو محافظة أو الوزارات المعنية والجمعيات الأهلية نحو هذه الشريحة، وإجراء دراسات قانونية واجتماعية لتقديم أساليب جديدة ومبتكرة وهو ما يتطلبه العصر وهو ما يستلزم وجود كيان به ممثلون عن السجون وحقوق الإنسان والبحوث الجنائية ووزارة الصحة والإسكان التضامن والزراعة والاستثمار وجميع الجمعيات للتوصل لاقتراحات وتوصيات لتنمية المنظومة وتحديد كيان حكومى يضم كل الجهات للتأكد من تنفيذ ما اتفق عليه من خلاله ويتعامل مع كل الجهات كوزارة الصحة أو الزراعة فتقدم أراضى بشرط أن يزرع لمدة عام بدون مطالبته بشىء فيأخذ المحصول لنفسه، ثم يتملكها بعد عدة سنوات وبهذا يستحيل أن يرجع للسجن بعد أن ذاق مرارته فهو يعود إذا لم يجد بديلاً. • وماالذى يؤخر إنشاء هذا الكيان؟ - الظروف بالنسبة لهذه المرحلة التى تحتاج للتكاتف لنرفع بلادنا واقتصادنا، والكل عليه أن يعمل وينتج ولو أن هذا الموضوع مهم ولكنه يحتاج لمقابل مادى يستوجب أن تلتزم الدولة بهذه المساعدات وهو ما يزيد حملها. • كان لك اقتراح بتجربة أوروبية تريد تنفيذها فى مصر بخصوص السجين وإكسابه حرفة - كلمنا عنها؟ - هناك فكرفى الدول الأوروبية أن الدولة تتعاقد مع مسثمر لديه منتج فى السوق، تنتج نفس المنتج بنفس الاسم بسعر أقل، و ينشىء مصنعا داخل السجن يعمل فيه المساجين المسجون يدخل ليعمل بالمصنع ويرجع السجن ثانيةً خلال فترة سجنه والأبواب تكون مؤمنة، والمستثمر يكسب، والمسجون أجرا ويستفيد تعلم حرفة وعندما يخرج من السجن يتم تعيينه فى المصنع.•