حزن عميق ترجمت ملامحه فى كلمات كانت بمثابة نعى لجماعة الإخوان المسلمين من أحد قياداتها السابقين، والذى انشق عنها بعد أن ضاق بأفعالها ذرعا، إنه الدكتور كمال الهلباوى الذى ذهبت إليه وأنا أحمل العديد من علامات الاستفهام حول شخصية هذا القيادى الذى كان سابقا لسان الجماعة بالغرب، وحاليا من يكشف أكاذيبها وخداعها هناك، تحدث شارحا كيف كانت نصائحه للجماعة عندما بدأ مسارها فى الانحراف والتى كانت تقابل بالإهمال، بل الهجوم عليه من الميليشيات الإلكترونية الإخوانية. كاشفا عن اللقاء الأخير بتلك القيادات بنادى المقاولون العرب قبيل فض الاعتصام بساعات، إلى سلسلة الأخطاء المتتالية لهم التى بدأت بتأسيس حزبهم إلى عنف حرائرهم الذى وصفه بأنه من يريد إفشال المشروع الإسلامى فلن يفعل أكثر مما فعله هؤلاء.
∎ ما تعليقك على حكم الإعدام الصادر ضد 528 إخوانياً؟
- رغم أننا لا نعلق على أحكام القضاء، فإنه شىء مستغرب أن يصدر مثل هذا الحكم فى مثل هذه الظروف التى نحن بها لأنه من ناحية العقل ليس من الممكن أن يكون 528 شخصاً خططوا واشتركوا فى نفس الفعل، ومن ناحية الظروف العامة، فهذا الحكم «يزيد الطين بلة» فى مصر وأنا وصفت هذا الحكم بأنه إعدام بالجملة لأنه فى ظنى هذا القرار لم يراع المواد المنصوص عليها فى الدستور الآن فى باب الحريات والحقوق والواجبات العامة وهى المواد: 58، 56، 55، 54، 96، وفى اعتقادى أن هذا الحكم مخالف لهذه المواد وكان على القضاء أن يتأكد من صحة الإجراءات التى أعتقد أنها مخالفة لمواد الدستور، وأنا حريص على أن يأخذ الدستور الذى شاركت به مجراه وأن يحترمه الجميع.
∎ رأيك هذا يتوافق مع رأى «مارى هارف» نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية والتى علقت على الحكم بأنه ستكون له عواقب وخيمة على مصر إن لم تتراجع عنه؟
- أنا لست «أمريكيا» ولا أحترم الأمريكان، وأنا من أشد الناس نقدا وانتقاداً للهيمنة الأمريكية، لأنهم يقولون هذا من باب أنهم يريدون أن يكون لهم دور فى إثارة الفتنة فى مصر وتنفيذا للهيمنة، ولكنى أقول ذلك من باب الحرص على الدستور والحرص على مصر ومستقبلها.
فهم لا يرون الإرهاب الذى يهدد مصر فيتحدثون من باب انتهاك حقوق الإنسان وهم أكبر دولة منتهكة لحقوق الإنسان، فمنذ ثلاثة أسابيع كنت فى جنيف فى مؤتمرات خاصة بحقوق الإنسان واجتمعت فى مناسبة عامة بالقائم بالأعمال الأمريكى بجينيف فقلت له لا تتحدث عن حقوق الإنسان فى مصر لأنه ليس لدينا جوانتنامو فى مصر، بينما عندما أتحدث أنا عن تجاوزات، فأنا أتحدث من منطلق رؤيتى للصورة الكاملة، فالإرهاب موجود والعلاج يجب أن يكون فى إطار الدستور لذلك لا أقبل بتجاوزات فيه.
∎ وماذا كان إحساسك كإخوانى سابق تجاه هذا الحكم؟
- نفسيا أنا متألم لمصر لأن مشروع الإخوان وقضية الإخوان فى ظنى ليست أكبر من قضية مصر.
∎ وهل حمدت الله وقتها بأنك خرجت من الجماعة قبل انهيارها؟
- لا، وقد تتعجبين عندما أقول إن الجماعة الحالية هى التى خرجت عن الجماعة، وأنا استقلت من التنظيم، إنما لم ولن أستقيل من المشروع الإسلامى الذى شاركت فيه بناء على أسس من أيام حسن البنا، وهى ما بين قيم إنسانية عامة مثل العدل ومنها ما هو خاص لا يحدث إلا فى الإسلام.
وكان مبدأ الإخوان التربوى يركز على هذه القيم أكثر من غيرها، أما ما رأيناه منهم على أرض الواقع فكان عكس كل ما تربوا عليه، وقد تقدمت إليهم بالنصحية كثيرا قبل الاستقالة إنما وجدت أن القيادة لا علاقة لها بالقيم التى نتحدث عنها ولا بالمحاسن التربوية التى نشأنا عليها ولا بالإدارة السوية، لذلك كانت هذه ضمن أسباب استقالتى، ولم أحمد الله على استقالتى خوفا من عقاب إنما كنت أدعو الله أنهم يشرفون المشروع الإسلامى بدلا من الإساءة إليه، ولكنهم لم يدركوا أن مصر لن تتغير إلا بالفكر والقبول وليس بالعنف.
∎ وماذا كان رد الإخوان على نصيحتك؟
- ما بين إهمال ورفض سماعى وتسليط الميليشيات الإلكترونية لمهاجمتى وحتى إنكار أنى كنت بالإخوان فى يوم من الأيام، وهم لم يستطيعوا قراءة الواقع حتى 30 يونيو عندما كنا نتحدث إلى الإعلام ويأتى أحد من الإخوان كضيف كان يصف 30 يونيو مسبقا بأنه زوبعة فى فنجان وعندما حدث قالوا عنه فوتوشوب.
ومنعت من استضافتى فى الإعلام الإسلامى كما عملوا نوعاً من الحصار حول ما أكتب، ولكن الحمد لله النصيحة واجبة وقد قدمتها فى أحد مقالاتى والمعروف بالسيناريوهات الأربعة ومرسى كان لايزال بالحكم فكذبوه، وكان ما حدث، ولم يدركوا أن قراءة الواقع أفضل من إنكاره.
∎ هل تتوقع إعدام المرشد محمد بديع.. وماذا سيفعل الإخوان حينها؟
- بالنظر إلى ما حدث فى المنيا فكل شىء ممكن، وإذا صدر قرار بذلك فسيكون رد فعل الإخوان كعادته من مظاهرات وتفجيرات ثم سينتهى كل هذا.
∎ ألم يستنجد بك الإخوان عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة وثورة 30 يونيو لمساعدتهم؟
- كانت هناك عشرات المحاولات من القيادات بعضهم مسجون الآن أمثال الدكتور شريف أبو المجد الأستاذ بكلية الهندسة وهشام قنديل ومحمود الخضيرى وبعضهم خارج السجن مثل محمد على بشر، وكانت مطالبهم بعودة مرسى وكانوا يتوقعون ذلك بالفعل وبعضهم كان قد حلم بذلك وهذه مشكلة عند الإخوان أنهم يصدقوا أحلامهم، وقد كتب حسن البنا أن الكشف والرؤى والأحلام ليست من أدلة الأحكام الشرعية، فإذا بهم يصدقون الأحلام والرؤى فى رابعة وقد نصحتهم كثيرا بفض الاعتصام حتى أن آخر ليلة قبل الفض كان لدينا اجتماع بنادى المقاولين العرب «بالدقى» وتركت الاجتماع بعد ساعة لأنه لم يكن هناك فائدة من الكلام ومع التحقق من وقوع الكارثة إلا أن تصميمهم كان أكبر للدفع بشبابهم أمام القطار.
وكان أمام الإخوان عشرات الفرص ليظلوا مشاركين فى الحياة السياسية، وأن يقبلوا بانتخابات رئاسية مبكرة، ولكنهم كانوا مصممون أنه ليست هناك قوة سياسية تستطيع أن تضاهى قوتهم وأن الأمريكان لن يسمحوا بالانقلاب وكانت لديهم ثقة كبيرة فى آن باترسون وكيرى وغيرهما ولكنهم لم يفهموا «أن المتغطى بلأمريكان عريان».
وبعد 30 يونيو كان محمد على بشر أيضا يملى إرادته ولم يكن يدرك حقيقة الواقع بعد.
- دوائر الإدارة «البيت الأبيض» تساند الجماعة أما فى دوائر الكونجرس فليسوا جميعا مساندين لهم، بما يعد تقسيم أدوار بين الأمريكان فى أن يكون لهم علاقة مستمرة مع مصر لأن أكثر من عضو كونجرس انتقد أداء الحكومة الأمريكية وأوباما فى تعاملهم مع قضية مصر، لذلك فالأمريكان ليسوا على قلب رجل واحد فيما يخص مصر.
∎ ووفقا لعلاقاتك بالغرب.. هل تساند الدولة المصرية بالخارج لشرح حقيقة ما يفعل جماعة الإخوان الإرهابية بمصر؟
- فعلت هذا فى هولاندا وألمانيا وسويسرا وكان هناك اجتماع فى بيرن منذ 3 شهور حضره أهم رجال الإعلام والسياسة والبرلمانيين واقتنع معظمهم بما طرحته والذى كانت فكرته الأساسية أن ما حدث فى مصر فى 30 يونيو ثورة كاملة الأركان وشرحت لهم الفرق بين الخلفية السياسية المصرية والغربية، بأن الخلفية السياسية الغربية تقوم على أن لديهم أحزاباً قوية تحل محل بعضها إذا فشل إحداها فى الحكم، ولذلك لا يقبلون أى تدخل من القوات المسلحة بينما، لدينا فى مصر تختلف الأمور والتى تقوم على نظام قوى فردى والذى كان متمثلا وقتها فى الإخوان ولم يكن لديه البديل الذى يحل محله، فكان من الضرورى تدخل القوات المسلحة وإلا كانت البلد عرضة للتقسيم والحرب الأهلية.
∎ وماذ عن مفهوم «الانقلاب» الذى يرسخه الإخوان لدى الغرب تجاه مصر؟
- تحدثت عن تصحيح هذا المفهوم بأنه كما شاركت القوات المسلحة عقب ثورة 25 يناير بالدعم والحماية وإجبار مبارك على التنحى شاركوا أيضا بنفس الصورة على إجبار مرسى على التنحى لأنه لم يستجب لإرادة الشعب مثلما كان مبارك، كما أن الجيش عندما تدخل فى 25 يناير حكم سنة ونصف فى المرحلة الانتقالية، بينما عقب 30 يونيو لم يحكم بصورة مباشرة إنما كان هناك رئيس محترم وعلى كفاءة علمية وقانونية وجاء وفق الدستور، كما أنه لم يكن هناك انقلاب يحدث بالعالم وقائده يعلن أنه سيقوم بانقلاب قبلها بأسبوع ثم يعطيهم مهلة 48 ساعة لحسم الموقف، لذلك بدأ بعض الغربيين فهم حقيقة الموقف، لأن الغرب ساحة للإخوان وغير الإخوان ولكنهم استطاعوا التأثير من خلال حقوق الإنسان التى تعد مجالاً لنشاطهم، كذلك الصحف والإعلام سواء المدفوع أو غير المدفوع، فهناك أناس لديها فكرة على أنه لا يمكن أن يقبل أن يتدخل جيش فى السياسة فيستغل الإخوان كل هذه الثقوب وينفذون من خلالها للغرب.
∎ ما أكثر ما آلمك من الإخوان؟
- عندما عدت إلى مصر ودرست الحالة فى 5-4 -2011 اكتشفت أنهم ليسوا «إخوان» فتوقعت منهم أى شىء من نزوع نحو الصراع والفوضى، هذا بالإضافة إلى انحراف عن مسار الدعوة الذى نقوم عليه ودخلت أفكار قطبية منحرفة فى الفقه وكنت مدركاً أن تيار التشدد أحكم القبضة على التنظيم، وفى 2006 عندما وضع الإخوان برنامج الحزب لم يقدموه للدولة وجاءتنا المسودة من لندن وتم توزيعها على 60 شخصية مصرية لمعرفة آرائهم فكانت هناك مجموعة من النقاط التى عملنا عليها ندوات إخوانية وعامة فى لندن وأخبرناهم برفضنا لأنه كان هناك موقف من المرأة ألا تتولى رئاسة الجمهورية، وكذلك الموقف من المسيحيين وربط أشياء كثيرة بالعقيدة وهذا نزوع نحو التكفير والتشدد فأدركت هنا الخطر الشديد، لذلك لن يؤلمنى شىء من أناس انحرفوا عن المنهج السليم.
∎ وماذا عن موقف شباب الإخوان مما يحدث؟
- شباب الإخوان ممن لازالوا داخل الجماعة منقسمين إلى ثلاثة أقسام، قسم مع القيادة أيا كان طريقها «ويفعلون ما يؤمرون»، وقسم وقف حتى يتبين الحقيقة والقسم الثالث الذى يزداد يوما بعد يوم وهم يدينون العنف وينتقدون ما يفعل قيادات الإخوان ولم يعد يستجيبون لاجتماعات الإخوان السرية.
∎ ما مدى جدية مبادرات التصالح التى يتم طرحها للوساطة بين الإخوان والدولة المصرية؟
- الإخوان ليست لديهم النية للصلح، لذلك كانت معظم المبادرات إملاء شروط لأنه لايزال معتقدا أنه هناك قوة أمريكية تدعمه ولا يدركون أن أمريكا تتعامل وفق مصالحها على الأرض وليس على الأحلام، كما أنه ليس من المنطقى المطالبة بالإفراج عن قيادات الإخوان تحت بند المصالحة المجتمعية.
∎ كيف ترى حياة قيادات الإخوان بالسجون الآن؟
- أعتقد أن بعضهم سيفلسف الأمر بأن هذه أغلى تضحية فى سبيل الله ليستمر فى قبول ما هم فيه وأنهم مستسلمون لما حدث وسيكون هناك اتهام للقدر وإنكار المسئولية الشخصية، ولا يدرك أنه كذب على الشعب ودلس عليه وانحرف عن المشروع الإسلامى وقدم أهل الثقة وأهمل الكفاءات.
∎ وأخيرًا.. من سيدعم الإخوان فى انتخابات الرئاسة؟
- لا أحد سيدعموه ولو أعلنوا ذلك.. والذى يفهم الإخوان يعرف حقيقة خطواتهم، لأنهم إذا دعموا مرشحاً فهذا يعنى أنهم موافقون على خارطة الطريق وأن ما حدث ثورة وليس انقلاباً كما يدعون.