وتتوالى الأيام فى كاليفورنيا وخلال فترة إقامتى هناك نحو شهرين عرفت الكثير مما يدور فى المجتمع الأمريكى وقد قابلت هناك مجموعة كبيرة جدا من الشباب المصرى فتيات وشبان بعضهم كنت أعرفه من مصر وبعضهم تعرفت عليه هناك كلهم فى العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم رحلوا عن مصر بعد ثورة 25 يناير التى أثرت كثيرا على الاقتصاد وبالتالى قللت فرص العمل لهؤلاء الشباب وخاصة من حديثى التخرج ومن العاملين فى قطاع السياحة التى تأثرت بدورها هى الأخرى بالأحوال الأمنية المتردية بعد الثورة. سافر هؤلاء الشباب بحثا عن فرص عمل وبعضهم سافر لاستكمال دراسته سواء الجامعة أو دراسات عليا من ماجستير أو دكتوراه أو الحصول على دبلومات وأغلبهم يعرف بعضهم البعض ويجتمعون دائما فى «الويك إند».
بعض هؤلاء الشباب يريدون العودة إلى مصر بعد انتهاء دراستهم وبعضهم لا يريد العودة بعد استقرار البلاد من الناحية الاقتصادية والأمنية والسياسية وبعض منهم لا يريد العودة لأسباب مختلفة لعل أبرزها أنهم تأقلموا فى العيش هناك ووجدوا فرصة للعمل جيدة.
وهناك شاب مثلا عمره حوالى 30 سنة سافر واستقر هناك منذ عامين ولا يريد العودة على الرغم من أنه كان قبل سفره يعمل فى إحدى الشركات الأجنبية الكبرى ويحصل على مرتب كبير ومن أسرة ميسورة الحال ولما سألته لماذا فكرت فى الهجرة رغم أنه كان لا ينقصه شىء فى بلده.
قال: هذا صحيح ولكن فى بلدنا مازالت هناك مشكلات كثيرة بعد الثورة أهمها الانفلات الأمنى وحوادث التثبيت والسرقة بالإكراه والخطف وسرقة السيارات وخلافه فماذا ستفعل الفلوس أمام كل هذا؟
هذا بخلاف زحمة المرور ومشاكله التى تتفاقم وكثرة الحوادث على الطرق التى يروح فيها ضحايا كثيرون!
أما بالنسبة للعمل فى كاليفورنيا ففرص العمل ليست سهلة لأسباب كثيرة أهمهاأن ولاية كاليفورنيا من أجمل الولايات هناك وهى سياحية من الدرجة الأولى وتتمتع بجو جميل ومعتدل طوال أيام السنة وتتمتع باقتصاد قوى كل هذا جعل كل الأنظار تتجه نحوها فكل من يريد الهجرة لأمريكا سواء من مصر أو من أى مكان فى العالم فإنه يفضل هذه الولاية وبالتالى فإن الوظائف المتاحة يكون عليها طلب رهيب ربما يتقدم للوظيفة الواحدة نحو ألف شخص أو أكثر وبالطبع لا يقبلون سوى من معهم شهادات عليا كثيرة ويكون متميزا جدا ويشترطون الخبرة وخاصة الخبرة الأمريكية فحتى الوظائف البسيطة كبائعة فى محل أو سوبر ماركت مثلا ممكن أن يرفضوك ويقولوا إنك لا تملك الخبرة الأمريكية!!
والأغرب من كل ذلك فإن عدداً لا يستهان به من وظائف هناك يشترطون فيها إجادة اللغة الصينية إلى جانب الإنجليزية بالطبع!!
واندهشت جدا لذلك فى بادئ الأمر ولكن بعد فترة من تواجدى هناك أدركت كم السيطرة الآسيوية على الأسواقوالتجارة هناك فلن أقول إن الآسيويين وبالذات الصينيون هم القوة الضاربة الاقتصادية القادمة فى العالم بل هم قدموا خلاص بالفعل!!
الطلبة الذين يدرسون فى الجامعات هناك سواء دراسة عادية أو دراسات عليا معظمهم آسيويون من كل دول آسيا وزملاء ابنتى فى الجامعة هناك معظمهم كذلك أيضا وبالمناسبة معهم فلوس كثير ة وواضح عليهم الثراء فى طريقة معيشتهم وخروجهم وسفرياتهم لأنحاء أمريكا فى «الويك إند» ولفت نظرى أن المنطقة المحيطة بجامعة «يو سى إل إيه» «UCLA» تمتلئ بمحلات الكوافير والتجميل والمساج بشكل كبير جدا ودائما تكون مملوءة بالزبائن الآسيويين وقالت لى ابنتى تعليقا على ذلك إنهم من أهم وأكبر الزبائن لهذه المحلات نظرا لثرائهم الواضح عليهم كلهم.
ولو تحدثنا عن الأسعار هناك فإنها أسعار مناسبة وعادية للشعب الأمريكى إللى دخله بالدولار أما بالنسبة لنا نحن كمصريين فهى الطامة الكبرى لأنكل دولار واحد بالنسبة لنا هو مضروب فى 7 ونصف وبالتالى الأسعار بالنسبة لنا غالية جدا فكنت أشترى مثلا ربطة الجرجير للسلاطة بدولار يعنى بالنسبة لى هى بسبعة جنيهات ونصف وهكذا ربطة البقدونس بدولار أيضا أما كيلو الموز أو أى فاكهة فممكن أن يصل إلى 10 دولارات أى 75 جنيهًا مصريا!!
وهكذا فى اللحوم والفراخ وكل أنواع الخضار والفاكهة واللبن والبيض - فكيلو الكوسة أو الفاصوليا أو البسلة يصل إلى 35 جنيهًا هم الأمريكان لا يشعرون بأى غلاء ولكن نحن كمصريين نشعر جدا به.
أما الطامة الكبرى فهى البنزين وهو يمثل بالنسبة لهم عبئا ويعتبرونه غاليًا، وبالتالى هو بالنسبة لنا غال جدا أنا كنت بأفول سيارتى ب50 دولارًا أى بما يقارب ال400 جنيه للمرة الواحدة لملء التنك ونظرا لأن هناك المسافات كبيرة جدا فى التنقلات من منطقة لأخرى فإن التنك ممكن ينفد فى غضون أيام قليلة فقط! فى حين أننى فى مصر أفولها ب80 جنيهًا فقط.
وكل المشتريات فى لوس أنجلوس من مأكل ومشرب وملابس ومطاعم كل شىء يضاف له بعد ثمنه الأصلى ضريبة فورية على الفاتورة قدرها 9٪ ولكن باقى ضواحى الولاية ومدنها ممكن تكون 5,8٪ فقط.
كنت أعتقد أن مصر فقط فيها غش وذمة واسعة ولكن اكتشفت ذلك فى الأمريكان أيضا ففى يوم وقع من ابنتى موبايلها السامسونج S3 وكسرت شاشته ذهبنا للمحل على ناصية البيت وهو من أشهر الشوارع هناك وقامت بتغييرها بأخرى ثمنها 250 دولارًا أى بحوالى 1850 جنيها مصريا!
والمدهش أنه بعد أسبوع واحد من تغييره بدأت الشاشة تظلم واحدة واحدة حتى أصبحت سوداء كلها.. ذهبنا للرجل تانى قال مش مشكلتى أنت سكبتى عليه شاى أو أى سائل ولما نفت ابنتى كلامه تماما قال ما معناه ماليش دعوة اخبطى رأسك فى الحيط!!
والواقعة الأخرى فى مطار لوس أنجلوس عند مغادرتى كاليفورنيا كان معى حقيبتان وكان لى الحق فى واحدة فقط فى حدود وزن ال23 كيلو جراما وكان يجب أن أدفع ثمنا للثانية ب57 دولارًا نظرا لأنى كنت على خطوط طيران أجنبى ودفعت ال75 دولاراً ثم بعد ذلك قال لى الموظف الذى يقوم بوزن الحقائب أنت عندك وزن زائد جدا وادفعى عليه 250 دولارًا أخرى! أكدت له أنى وزنت الحقائب فى البيت وليس بها وزن زائد سوى كيلو أو اثنين وده فى حدود المسموح.. بعد جدال طويل معه وجدت أنه لا فائدة ودفعت.. ولكن الجدير بالذكر أن ابنتى لما جاءت مصر بعدى بشهر حدث معها نفس السيناريو بالضبط وأصروا أن تدفع وزنًا زائدًا بمبلغ 250 دولارًا أيضا.. ولما تحدثت مع كثيرين أكدوا أن هذا المطار بالذات ودائما ما يفعلون ذلك مع كل الركاب ويكون بالفعل لا يوجد أى وزن زائد فى حقيقة الأمر!! وأنهم يتلاعبون بالميزان الخاص بهم!!
فى خلال تواجدى هناك مرضت ابنتى بدور غريب بدأ برعشة وسخونة شديدة وصلت إلى الأربعين درجة وكانت تنخفض إلى حد ما مع المخفضات ثم تعاود الارتفاع مرة أخرى لتصل للأربعين تانى وكان دور بدون أية أعراض مصاحبة لهذه السخونة إطلاقا.. فى اليوم التالى اتصلت ابنتى بطبيبة الجامعة وأخبرتها بحالتها فقالت لها عليك التوجه فورا إلى مستشفى الجامعة وهى بالمناسبة من أكبر مستشفيات لوس أنجلوس وأشهرها.
اصطحبتها بالفعل إلى المستشفى وقبل دخولنا طلبت ابنتى منى إغلاق هاتفى المحمول وأغلقته هى أيضا لأنه ممنوع منعا باتا أن يرن جرس المحمول داخل المستشفى ودخلنا وكان يسودها هدوء رهيب كأنه مكان مهجور مع أنه ممتلئ بالناس هدوء لم أره فى حياتى وفى البهو مجموعة كبيرة من أجهزة الكمبيوتر على المريض أن يتوجه إليها مباشرة ويملأ استمارة معينة كلها أسئلة وأجوبة عن اسمه وسنه وحالته الصحية بالتفصيل الممل كى يأخذها الطبيب يقرأها ولا يضيع وقته مع المريض فى الأسئلة.. ملأنا الاستمارة وانتظرنا دورنا وقالت لنا الممرضة ستدخلون بعد ربع ساعة.. وفى الموعد إللى حددته بالضبط جاءت وقالت لابنتى تفضلى وكانت ابنتى قبلها أخبرتنى إنى ممنوع أن أدخل معها فالمريض هنا له خصوصية كبيرة وممنوع دخول أحد معه حتى لو أمه أو أبوه وانتظرتها ربع ساعة ثم خرجت الممرضة معها ابنتى قالوا لى لو عايزة تدخلى معها للطبيبة ممكن وسألتها كل ده كنتى فين قالت كنت أجلس مع مساعدتها والآن سندخل وطلبت منى ابنتى أن لا أتدخل فى الحديث وأن لا أطرح على الطبيبة أية أسئلة.
كشفت الطبيبة على ابنتى كشفا دقيقا وسألتها عن كل ما تشعر به وقالت إنه فيروس وسيأخذ وقته عدة أيام ولن تكتب على مضاد حيوى فقط مخفضات حرارة واختتمت كلامها لديكم أسئلة أجبناها بالنفى وخرجنا بدون أن أفتح فمى بكلمة واحدة أثناء الكشف الذى لم يستغرق أكثر من 10 دقائق دار كله بسرعة وبصورة أتوماتيكية بحتة!.