مكثت نحو شهرين فى ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية حيث كنت فى زيارة لابنتى التى تدرس بإحدى الجامعات هناك.. وعلى الرغم من مكوثى هذه المدة فإننى لم أشعر بغربة على الإطلاق ولا بملل مثلما كان يحدث معى فى زياراتى السابقة لدول أوروبية حيث زرتها مرات عديدة مثل: انجلترا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، سويسرا، النمسا، بلجيكا، المجر، هولندا، اليونان، وغيرها وبعض الدول الآسيوية وكنت ما إن يمر على 15 أو 20 يومًا على الأكثر هناك أبدأ بالشعور برغبة شديدة فى العودة إلى مصر..
أما فى أمريكا فالوضع اختلف مع أنه من وجهة نظرى إننا لو قارنا أوروبا بأمريكا فإن أوروبا تكسب من حيث الجمال والأصالة والرقى والعراقة وعبق التاريخ.. أما أمريكا فعمرها التاريخى محدود وهى بلا تاريخ أو أصالة ولا حتى هوية فشعبها «مخلطين» من كل الجنسيات وعلى رأى المثل: من كل قُطر أغنية!! فسكانها خليط من المكسيكان على آسيويين وعرب وأفارقة وغيرهم.. ولهذا السبب فإنك من الصعب جدًا أن تشعر بغربة لأنك تذوب وتختلط مع باقى الجنسيات التى تراها متنوعة بوضوح منذ اللحظة التى تطأ فيها قدمك المطار فى حين أنك فى أوروبا قد تشعر أنك غريب ودخيل.
أيضًا من الصعب أن تشعر بالملل لأن ولاية كاليفورنيا تحديدًا جوها معتدل ورائع وشمسها ساطعة طوال أيام السنة ومن النادر أن يأتى هناك حر شديد أو برد شديد والأمطار قليلة الحدوث فجوها قريب جدًا من جو مصر.. وجمال الجو هناك سبب أن الناس يملئون الشوارع والمتنزهات والمناطق السياحية طوال الوقت وطوال العام وما أكثر وأجمل أماكن الخروج والسهر هناك!!
∎ الهرولة وراء قطة
ومن المواقف الطريفة التى حدثت معى هناك أننى ومنذ لحظة وصولى لوس أنجلوس وفى طريقى إلى البيت مع ابنتى التى كانت بانتظارى فى المطار، شاهدت سيارات مطافى حمراء صغيرة حجمها مثل سيارات الإسعاف عندنا مرت أمامنا وبجوارنا بكثرة ربما 7 مرات ولما عدت الأولى ثم الثانية والثالثة ففى المرة الرابعة قلت لابنتى: خير إيه اللى بيحصل هى أمريكا بتولع ولا إيه!! كل دى حرايق!! يا ساتر يا رب!
ضحكت وقالت لى: لا أبدا مش حرايق ولا حاجة مش شرط ولازم تتعودى على كده عشان حتشوفيهم كثير قوى طول الليل والنهار طالعين يجروا كده!!
وقالت: أصلهم ممكن يجروا على مكان لمجرد أن فيه حد بيطبخ واتسرب شوية بخار بره الشباك! فيعتقدوا أنه حريقه ويروحوا جرى.
وبالفعل طوال فترة وجودى مافيش مشوار ذهبت إليه إلا وشاهدت هذه السيارات ما لا يقل عن الخمس مرات!! إلى أن جاء يوم ورأيت واحدة بجانبى هدأت من سرعتها ودخلت فى شارع جانبى فانتابنى الفضول وصممت أدخل وراءها لأرى بقى رايحين على فين، وبالفعل بعد عدة أمتار توقفت ونزل منها رجال مهرولون نحو شجرة كبيرة ومعهم سلم كبير وطلعوا فوق أتاريهم بينقذوا قطة صغيرة متعلقة فوق!! وبالطبع لما شفت المنظر قعدت أبرطم شوية وأقول كل ده عشان قطة ده إحنا عندنا البنى آدمين حتى لو اتعلقوا فى قطار محدش حيروح ينقذهم إلا بعد ما يموتوا والله يرحم بقى شهداء العبّارة!! الرجال سمعونى بأبرطم وطبعًا مش فاهمين أنا باقول إيه ابتسموا لى واعتقدوا أننى أحييهم على بطولتهم!!
ويمكن هذه القصة تجعلنى أدخل فى موضوع حقوق الإنسان وحقوق الحيوان والقوانين الصارمة هناك التى تطبق على الكل بدون استثناء من الرئيس للغفير!!
وربما من وجهة نظرى أهم ما يميز أمريكا عن مصر هو القانون وصرامة تطبيقه فى حين أن مصر أجمل بكثير من أمريكا بشواطئها مثل شرم الشيخ والغردقة والساحل والعين السخنة والإسكندرية.. وتتفوق عليها أيضًا بآثارها وتاريخها العريق وأماكنها السياحية كالأهرامات وأبوالهول والمتاحف والأقصر وأسوان، والواحات والصحارى.. فليس هناك أى بلد فى العالم كله يجمع كل هذا مرة واحدة!!
وعودة إلى القانون فى أمريكا فإن الفرد يتمتع بكل حقوقه المادية والأدبية والمعنوية ويحظى بالأمن والأمان فى كل مكان، فالطائرات الهليكوبتر تطير طوال الوقت فى السماء للتأمين.. وسيارات البوليس متواجدة حولك طوال الوقت وفى كل مكان، والشوارع والطرق والمطاعم والفنادق والمحلات وحتى جراجات السيارات مصورة بكاميرات مراقبة طوال ال24 ساعة.
يعنى باختصار أى شخص يرتكب جريمة أو مخالفة أيًا كان نوعها فإنه حيتجاب حيتجاب فى ساعات قليلة!!
لدرجة أننى عندما بدأت أقود سيارة هناك قالوا لى إننى حتى لو صدمت سيارة داخل جراج عام وأحدثت بها أى تلفيات حتى لو كانت مجرد خدش فإنه يجب أن أضع فى مساحة السيارة الأخرى اسمى وعنوانى ورقم تليفونى، لأننى لو لم أفعل فسيصلون لى حتما فى كل الأحوال، بس فى هذه الحالة سأدفع غرامة إضافية!!
أما قوانين المرور هناك فهى صارمة جدًا وأحلى ما فيها أن البوليس يستوقف المخالف فى لحظتها ويعطيه الغرامة المطلوبة منه ومن الممكن أن يتظلم عن طريق محام خاص به فى المحكمة لو كان المبلغ كبيراً وهو غالبًا ما يكون كذلك ولكنه فى كل الأحوال سيدفع حتمًا وليس مثل عندنا ممكن أن نكلم فلان بيه أو علان باشا فيعفونا من المخالفة والغرامة!!
فى كل إشارة مرور بدون استثناء معلقة كاميرا تصور من يكسرها وهى حمراء والغرامة ثابتة لكسر الإشارة وهى 005 دولار وعلى السيارة أن تتوقف حتى لو كان الوقت متأخراً بعد منتصف الليل مثلا ولا يوجد حوله مخلوق ولا حتى قطة!! وفى الحقيقة الكل بيحترم ده وبيطبقه!! وفى كل مكان خاصة بالقرب من المدارس والجامعات وأى منطقة سكنية بها كثافة من الناس مكتوب فى الشارع على الأرض كلمة Stop أو توقف باللون الأحمر وعليك أن تتوقف حتى لو كان شارعاً جانبياً والوقت متأخراً ففى مرة ذهبت إلى الجامعة الساعة 11 مساءً لأحضر ابنتى بالسيارة وكانت منطقة الجامعة فى هذا الوقت مافيهاش صريخ ابن يومين فى كل الشوارع المحيطة بها وكان مكتوباً على الأرض Stop وبصراحة هدأت السرعة فقط ولكنى لم أتوقف تمامًا ولكن للأسف فى ثانية وجدت سيارة البوليس طلعت لى من تحت الأرض لا أعلم من أين!! ودفعت غرامة فورية 200 دولار وطريقة توقيف البوليس للسيارة هى أنه يأتى خلفك بالسرينة وعليك أن تتوقف فور سماعك السرينة على جانب الطريق وتضع يديك الاثنتين على عجلة القيادة إلى أن يأتى لك ويسمح لك بالنزول ويبدأ فى الحديث معك وممنوع منعًا باتًا أن تحاول أن تفتح تابلوه السيارة لاستخراج الرخصة أو حقيبة اليد إلا بعد أن يأذن لك هو بذلك ولو حاولت غير ذلك فمن حقه أن يطلق عليك الرصاص لأنه سيعتبر أنك ستعتدى عليه بسلاح أيضًا لأن القانون هناك يتيح للأسف لأى شخص أن يشترى سلاحاً ويمشى به فى كل وقت وكل مكان عادى!!
وفيه مطالبات كثيرة لإصدار قانون لمنع حمل السلاح إلا بترخيص مثل عندنا فى مصر ولكن ناس كثيرة معترضة على أساس أن دى حرية شخصية وتعدٍ على حقوق الإنسان والنتيجة أنه كل فترة نسمع عن طالب مراهق فى مدرسة ما مريض نفسى يطلق النار ويقتل العشرات، هذا الحادث متكرر للأسف هناك ومع ذلك لا يريدون إصدار هذا القانون!!.
القيادة فى أمريكا بالشوكة والسكين يعنى بأصول قوى فقانون المرور والقيادة صارم جدا والمخالفات محتاجة ميزانية ثانية مخصوصة وخاصة لنا كمصريين فالدولار الواحد أصبح 7.5 جنيه أي لو كانت مخالفة ب500 دولار مثلا فستكون بالنسبة لنا 3750 جنيها!
فى الشوارع كل واحد له حارة مرورية يلتزم بها وممنوع منعا باتا أن يكسر على الخانة الملاصقة له إلا بعد إعطاء إشارة ويسمح له من خلفه بالدخول أمامه.
والالتزام بالسرعة مقدس وأساسى سواء داخل المدن أو على طرق السفر السريعة، وعلى الطرق السريعة عندهم نظام ظريف وهو فى أقصى شمال الطريق توجد حارة مرورية اسمها CAR pool وهى مخصصة فقط للسيارات التى تحمل بداخلها شخصا فأكثر وغالبا ما تكون حارة سالكة بلا تكدسات مرورية حتى فى أوقات الذروة، وذلك لتشجيع الناس أن يستقلوا السيارات معا وألا يكون كل شخص فى سيارة وحده فيشغلون الطرق ويتسببون فى التكدس، أما باقى الشارع فمقسم لحارات علي كل سيارة أن تلتزم بالسير بها بدون أن تكسر على السيارة التى بجانبها.
والبوليس كالعادة منتشر بكثافة على هذه الطرق لمراقبة السرعات والمخالفات المرورية ومن يخالف القانون يتم توقيفه على الفور ويأخذ غرامة مالية وبالطبع ممنوع منعا باتا الوقوف فى الشارع إلا فى الأماكن المخصصة فقط، وهناك جراجات عامة للسيارات فى كل مكان وفى كل شارع بعضها مجانى والبعض الآخر بفلوس وهذه الجراجات وهذا النظام والالتزام بالقوانين أدى إلى سيولة مرورية دائمة وعدم تكدس السير إلا فى أوقات الذروة فقط وأن كانت كثافة لا تقارن بمثيلتها بمصر!
فهناك المواطن يأخذ جميع حقوقه من أمن وأمان على الطرق وكل وسائل الراحة ولكن إذا خالف قانون المرور فإنه يأخذ جزاءه وهذا ما أتمنى أن أراه يطبق فى مصر أن يعطوا للمواطن حقه أولا فى تخصيص له أماكن لباركينج السيارة ووضع علامات على الطرق والالتزام بها قبل أن يمنعوا الوقوف فى الممنوع أو صف ثانى ويسحبوا الرخص.
فكل واحد المفروض أن يأخذ حقوقه أولا ثم يلتزم وقتها بواجباته وبصرامة!!
أكبر وأكثر المخالفات تكلفة فى أمريكا هى مخالفة القيادة بعد شرب الخمر فمن يشرب خمر ممنوع أن يقود سيارة، وعلى رأى الرئيس المعزول مرسى لو البوليس أوقف قائد سيارة عمل لهtest أو اختبار الكحول وثبت أنه إيجابى ففى هذه الحالة سيدفع غرامة قدرها 15 ألف دولار وسجن لمدة عام!
وأخيرا من أكثر الأشياء الملفتة هناك هى شبكة الطرق والشوارع العظيمة التى تربط كل المدن ببعض، فالمهندسون الذين أشرفوا عليها عباقرة وأتمنى أن تستعين بهم فى مصر على أن يخططوا لنا الشوارع والطرقات ليحلوا لنا أزمة المرور الأزلية الطاحنة التى أصابتنا جميعا بانهيار عصبى!.