أطلقت المنظمة العربية لحقوق الإنسان حملة لاستعادة مكانة اللغة العربية في أطر العمل الجماعي الدولي، بمناسة الاحتفال باليوم العالمى للغة العربية، والذى يأتي في مناسبة إحياء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1973 باعتماد اللغة العربية كلغة رسمية سادسة في لغات العمل بهيئة الأممالمتحدة، وهو القرار الذي كان له انعكاس في كافة أطر العمل الجماعي الدولي متعدد الأطراف. وجاء الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية هذا العام تحت شعار "اللغة العربية والذكاء الاصطناعي .. تعزيز الابتكار مع الحفاظ على الابتكار الثقافي"، وهو الشعار الذي يعكس بواعث القلق إزاء توجهات التنميط والوصم التي تنتج عن الانحيازات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهي توجهات ترتبط بالتوجهات الثقافية للشركات العالمية الكبرى التي تهيمن على صناعة الذكاء الاصطناعي والتي تفرض توجهاتها الثقافية من خلال الخوارزميات اعتماداً على قواعد بيانات ذات طبيعة انتقائية. وتعد اللغة العربية بحكم منابعها ومحتواها القيمي اللغة العالمية التي تشتهر بكونها "لغة المروءة" اتصالاً بمنظومة الأخلاق التي تميز بها العرب تاريخياً، وخاصة بعد أن تم صقلها بقيم الأديان السماوية الثلاثة والتي تحث على التسامح والعفو والإخاء والتراحم. كما أن اللغة العربية هي لغة في قمة الثراء اللفظي والمعرفي وزاخرة بالمعاني، وهي بطبيعتها لغة مقاومة للركاكة والرداءة، وهي لغة صديقة للإبداع ولها سحرها الخاص الذي يتجلى في عمق معاني الشعر والنثر والأدب، ويبلغ عدد الناطقين بها قرابة 500 مليون عربي بما يقارب نسبة 5.5 بالمائة من سكان العالم. وإذ يهدف اليوم العالمي للغة العربية لإذكاء الوعي بتاريخ اللغة والثقافة التي تعبر عنها ومراحل تطورها التاريخي وآفاق تطوراتها المستقبلية، فإن تراجع اللغة العربية في منظومة العمل الجماعي الدولي عامة، وفي مقدمتها نظام الأممالمتحدة خاصة يشكل مصدراً للألم، وعائقاً في سبيل مساهمة المنتمين للغة العربية ومتحدثيها في العمل الجماعي الدولي. ويلمس ذلك بصفة خاصة العاملون في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني المعنية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الوفود الرسمية للدول، والخبراء وطواقم العمل المعنيون، ما يُوجد فجوة تتعاظم بشيوع الالتباسات وعوامل سوء الفهم وتفاقم من تحدي التواصل بين الثقافات والخلفيات الحضارية. وخلال العقود الخمسة الماضية، أظهرت التجارب أن الجهود العربية عامة، والجهود الرسمية العربية خاصة كانت ناجحة للغاية لبعض الفترات في دعم مكانة اللغة العربية في العمل الجماعي الدولي وفي الأممالمتحدة، وقد لُوحظ ذلك في منظومة الأممالمتحدة بشكل خاص في الفترات التي ساهمت خلالها بعض الدول العربية الغنية في توفير دعم للأمم المتحدة موجه لتعريب الوثائق وجهود الترجمة. كما أن غياب هذا الدعم في فترات أكثر قد تجلى في تراجع عارم في الوثائق الصادرة والمترجمة للغة العربية، وكذا في تراجع حرفية الترجمات الفورية في الاجتماعات على النحو الذي دعا بعض الحكومات العربية وبعض المنظمات غير الحكومية المعنية لاصطحاب مترجمين أو لضمان تعدد اللغات الأخرى التي يجيدها بعض أعضائهم لمراجعة والتأكد من سلامة الترجمة فورية خلال الاجتماعات. ورغم التقدم التكنولوجي الذي يوفر برامج متعددة للترجمة الآلية ذات فائدة مهمة، فإن المنتجات عادة ما تكون قاصرة عن تلبية المعاني المقصودة والرسائل المتضمنة، وهو ما يرفع الحاجة إلى تحسين هذه البرامج وضمان كفائتها. غير أن تعزيز مكانة وقيم اللغة العربية في سياق التطبيقات التكنولوجية وطفرات الذكاء ىالاصطناعي لا يمكن أن تتحقق دون قدرة عربية جادة على المساهمة في هذا التطور في اقتصاد تحكمه منتجات المعرفة لسنوات عديدة قادمة، ولا يمكن الاكتفاء بمجرد المساهمة برؤوس الأموال، بل ومن خلال المساهمة في تطوير البرامج وضمان موضوعية وحيادية الخوارزميات. وسوف تعمل المنظمة العربية لحقوق الإنسان مع فروعها ومؤسساتها العضوة، ومع كافة شركائها الإقليميين والدوليين في سبيل تدراس واتخاذ خطوات مدروسه وجادة وملموسة للدفع قُدماً نحو استعادة اللغة العربية لمكانتها في أطر العمل الجماعي الدولي، مع التأكيد على أهمية قيام الحكومات العربية بدورها في الحفاظ على الإرث الثقافي واللغوي المتعدد لكافة أبناء المجتمع العربي بتنوعاتهم الثرية.