مدينتا الأقصر وشرم الشيخ من أعز مدن مصر إلىَّ.. فكل منهما تحمل لى أجمل الذكريات عبر سنوات عمرى ولم أنقطع عاما واحدا عن زيارتهما إلا بسبب خارج عن إرادتى وحبى للمدينتين جعلنى أفضلهما على شوارع منهاتن بنيويوك وشوارع طوكيو المبهرة- وبكل فخر- فهذه من صنع الأجداد عبر 0005 سنة وتلك من صنع الأحفاد، ومن صنع وقدرة الخالق لجمال الطبيعة من جبال وبحار ومابها من شُعب مرجانية وأسماك ملونة لا يقدر على صنعها غير الله..ولكن أعود هذا العام بعد زيارتى لهما وأنا محملة بحزن شديد لما أصاب كلا منهما من أضرار بعد ثورة 52 يناير، وما ترتب عليها من أحداث من فعل البشر أعداء الحياة والجمال. ∎ الأقصر الحزينة
لم يكن المشهد جديدا علىَّ فقد رأيت مدينة طيبة أو مدينة القصور كما أطلق عليها العرب -هكذا - فى عام 95 بعد حادث معبد حتشبسوت الإرهابى، وبعد ثورة 25 يناير، وماترتب عليهما من أحداث دموية وإرهابية جعلت كثيرا من دول العالم تحذر مواطنيها من زيارة مصر، وتوقفت رحلات الزيارة إلى الأقصر، وأتذكر كلمات الدكتور منصور بريك مدير آثار الأقصر منذ ثلاث سنوات وكنت فى زيارته بمعبد الأقصر وهو حزين من مشهد المعبد الخالى من البشر، ويسخر ويقول: إحنا طول اليوم ننادى بعضنا بالإله أنا أقول لإبراهيم -مدير معبد الكرنك - (آتون) وهو يقول لى (آمون) ونستدعى مشاهد المعبد أيام الفراعنة نعمل إيه ولا سائح زار المعبد منذ يناير وهذا هو موسم الزيارات، الأقصر كلها كانت تبقى مكتظة بالسائحين وأيضا لا يوجد فلوس تساعدنا فى أعمالنا من حفائر وترميمات.. ويشاركنا الحديث الدكتور إبراهيم قائلا: هذه لعنة الفراعنة قلت له: ولماذا حلت اللعنة؟ قال: أنت كنت هنا وقت زيارة سوزان وضيوفها العرب والأجانب فى شهر ديسمبر قبل الثورة قلت له: أيوه ورأيت الاحتفال داخل معبد الأقصر فقال لى: من هنا جاءت اللعنة وأخذ يفسر لى ماحدث.. معبد الأقصر بنى لعبادة الإله ومنذ بنائه من آلاف السنين لم تدخله سيارة ولم تقم به أى احتفالية صاخبة، ولكن تصميم السيدة سوزان على دخول قلب المعبد بالسيارة وهو ما أهان حرمة المكان وحلت لعنة الفراعنة علينا..ثم استكمل حديثه قائلاً أذكر عندما رفض د. زاهى حواس العرض الكبير لإقامة حفل زواج أحد مشاهير السينما العالمية مقابل مبالغ طائلة ودعاية كبرى لمعبد الأقصر قائلا هذا مكان مقدس للأجداد ولا يليق إقامة حفلات به مهما كان المقابل!!
بالطبع لم أعلق على الحديث - وقتذاك - وقلت أزمة وحتعدى ولا يوجد شىء اسمه لعنة الفراعنة بل توجد أفعال البشر الإرهابية والتخريبية!! وكل عام بعدها أزور الأقصر أجد أحوالها تسوء أكثر وكانت الصدمة الكبرى عندما عرفت أن أكثر من 80٪ من فنادقها أغلقت أبوابها، وأن نسبة الإشغالات بلغت 5٪ فقط فى وقت كانت نسبة الإشغالات 100٪ وكان مشهد المراكب الشراعية والمراكب الفندقية وهى تتراص على ضفة النيل خالية حتى من عمالها تحزن القلوب والمحال أغلبها مغلقة والشوارع خالية حتى من أهلها سألت بائع الحنة والفول السودانى والكركاديه الذى تعودت الشراء منه ماذا حدث للمدينة ولماذا أغلقت محال السوق ومحال المدينة؟ قال لى (الأقصر حزينة) الناس مش لاقيه قوت يومها ولولا أن المحافظة صرفت للناس الغلابة بتوع الحناطير ثمن أكل الحصان كان النهر اتملى بالحصنة الميتة.. وكرر مرة أخرى بحزن شديد وبعيون تمنع البكاء بالقوة (الأقصر حزينة.. الأقصر حزينة) الله مايسامح من كانوا السبب فى خراب البلد ووقف الحال!!
ذهبت لمهمة عمل فى البر الغربى لزيارة معبد إيزيس (دير شلويط) الذى ستبدأ عملية ترميمه، وأيضا مقابر الرعامسة فى وادى الملوك والتى يستكمل مشروع إنارتها كما أنار معبد حتشبسوت، وأثناء مروى بالسيارة توقفت عند تمثالين منون (أمنحتب الثالث) ولأول مرة أجدهما بدون زائرين.. أقبل على بعض الباعة وبيده تماثيل صغيرة لرأس نفرتيتى وتوت غنخ آمون وأمنحتب فقلت له: بالتحديد هذه التماثيل لدى منها الكثير ثم أخرجت من الحقيبة بعض الأموال وقلت لمجموعة البائعين المتواجدين فى المكان خذوا اشربوا شاى الجو اليوم برد جدا فخرج من بينهم رجل كبير فى السن وقال لى: «لا يامدام أنت ضيفتنا وإحنا إللى نعزمك على الشاى» أخذت من البائع التماثيل بالمبلغ الذى قاله كبيرهم وأنا فخورة بشعب الأقصر وهو معتز بكبريائه وكرامته رغم الظروف الصعبة ولم تكن بالصدفة تصرف البائعين هذا بل تكررت أثناء زيارتى لمولانا الشيخ أبو الحجاج الأقصرى الكائن فوق إحدى الكنائس الكائنة فوق معبد الأقصر (مجمع أديان) فالشيخ أبوالحجاج بينى وبينه علاقة روحانية خاصة جدا، وأتذكر عندما زرته لأول مرة مع الوزير الأسبق للثقافة الفنان فاروق حسنى أثناء عمليات ترميم المسجد وكان بدون جدران وحوله خمسة أضرحة من تلاميذه ولم أعرف من هو أبوالحجاج وقفت أمام أحد الضرائح ودعيت بشىء كنت أتمنى أن يتحقق واقترب منى الإمام وقال هذا ضريح أبوالحجاج وبعد عام عدت لأبوالحجاج أثناء افتتاح المسجد وقد تحققت الأمنية التى طلبت منه أن يتوسل لله أن يحققها لى.. ومن هنا صارت هناك صداقة بينى وبين إمام المسجد وحبى لأبوالحجاج.. وفى زيارتى الأخيرة للأقصر لم أتمكن من الذهاب للمسجد إلا فى الساعة التاسعة مساء وقد أغلق المسجد أبوابه بعد صلاة العشاء فى حوالى السابعة، ووقفت على الباب أنادى للإمام ففتح لى الباب ودخلت لقراءة الفاتحة وأصلى ركعتين تحية للمسجد، وإذا بى تتصل ابنتى وتطلب منى الدعاء لقضاء شىء ما فقلت إن شاء الله بفضل ربنا سيقضى الأمر وأرجع أصلى ركعتى شكر عند أبوالحجاج، وقبل السفر فى اليوم التالى أبلغتنى ابنتى أن مشكلتها اتحلت تركت حقائبى على باب الفندق وأبلغت الزملاء أننى سأغيب لمدة دقائق ركبت تاكسى ليوصلنى لأبوالحجاج فوجدنى مستعجلة فقال لى أنا منتظرك أرجعك الفندق وبسرعة صليت الركعتين وأخرجت مبلغا لشيخ المسجد فرفض وقال لى أنا أخذت أمبارح قلت دى حلاوة ابنتى قال ضعيها فى الصندوق للشيخ علشان نجيب بها لوازم للمسجد فعلت وخرجت مسرعة للتاكسى للعودة للفندق وأعطيته بعض الجنيهات الفكة التى معى لم يقل هذا قليل أو كثير حتى لم يعدها وأخذ يبوس فيها ويدعو الله بأن يرزقه برزق أولاده دعيت معه ودعيت بأن الله يفك كرب البلاد وتعود السياحة والزائرون من كل مكان تملأ الأقصر وكل مناطق مصر السياحية، وكم كنت سعيدة من كبرياء أهل الأقصر وعزة كرامتهم وقلت لنفسى السياحة سوف تعود لكن أخلاق البشر لو ضاعت لم تعد !!
∎ عشوائية شرم
ذهب لشرم الشيخ بعد الأقصر فوجدتها تعانى نفس الشىء من قلة السائحين اللهم قلة قليلة من السائحين من أوكرانيا وبعض المصريين، لكن الشىء الذى أحزنى أكثر هو ماحدث لمدينة السلام والجمال أحدث المدن المصرية والتى بنيت بدقة وكل شبر كان بحساب لكى تصبح مدينة سياحية ننافس بها مدنا أخرى فى العالم، وكنت أتتبع هذا الجمال والبناء منذ عام 84 عند أول زيارة لى لجنوب سيناء (شرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا) ولم انقطع عن زيارتها لا بعد 25 يناير 2011 ثلاث سنوات غبت عن زيارتى لشرم الشيخ وإذا بى أجدها مدينة أخرى ليست شرم التى نعرفها، تغيرت المعالم وانتشرت المحال والأكشاك فى كل مكان وبشكل عشوائى حتى كنت أسأل نفسى ياترى هذه شرم أم سوق العتبة والموسكى وحتى البضائع تغيرت نوعيتها وطريقة عرضها وارتفعت الأسعار ومخلفات المحال والأكشاك تشوه ماتبقى بها من جمال وتتسابق فى الشوارع والفنادق العروض على الزيارات وأغلبها بسعر مبالغ فيه مع خدمات رديئة ولا يوجد من يراقب أو يحاسب، والشىء الذى أفزعنى حقا شكوى الشباب من مطاردة بعض الشباب لهم العاملين فى الفنادق والمنتشرين فى كل مكان لبيع المخدرات والدعارة!!
تذكرت حوارى مع أول رئيس لمجلس مدينة شرم الشيخ عام 86 وهاجمته قائلة سيناء دفع ثمنها شبابنا بدمائهم فكيف لا يتسنى لهم زيارتها بسبب ارتفاع أسعار الإقامة بها؟
فنظر إلىَّ قائلا: «عندهم ياستى مصر كلها سبولنا شرم الشيخ نعملها مدينة سياحية عالمية وجمال طبيعتها وسحر بحرها يؤهلها لذلك والتخطيط العمرانى للمدينة يتم بدقة لتكتمل الصورة للمدينة كما نريد لها».. حقا اكتملت الصورة على يد الشيوخ كما قال لى أصحاب المحال أن مجلس المدينة أعطى تصاريح لناس كتير بعد الثورة لإقامة الأكشاك والمحال فقال أحدهم انظرى كيف أخرج الشيخ من بقالته الصغيرة كل هذه البضائع وفرشها على الأرض والحوائط والرصيف، وهذا غير الباعة الجائلين لكل نوع وصنف ويطاردون المارة من أجل الشراء بشكل غير لائق بمدينة سياحية كهذه، لم أعلق فقد كان الأسى والأسف على أجمل مدن مصر السياحية الحديثة يملؤنى فالسياحة ستعود حتما يوما ما لشرم الشيخ، لكن هل ستعود النظافة والانضباط والأخلاق والقيم النبيلة مرة أخرى للمدينة؟!!