كانت دائما بمثابة العين الخبيرة التى ترصد ظواهر المجتمع من حولها فتشرحها وتحللها وتصيغها بسلاسة أسلوبها.. وعندما تولت منصب مدير المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية كان الأمل والإصرار يملؤها للوصول بالمركز للمكانة التى يستحقها ووضعه على الخريطة العالمية وأصبح من الواضح الصبغة الجمالية التى أضفتها على المركز رغم بساطته وأصبح كالساعة فى انتظامه هى الدكتورة نسرين البغدادى أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ومديرته حالياً.. ووسط كل المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتسارعة حولنا كان من المفيد معرفة أحدث استطلاعات الرأى التى يقوم بها المركز ودمج ذلك بخبرتها الأكاديمية لتحليل كل ما يدور حولها، فكان هذا الحوار فى السطور القادمة حول رؤيتها للمرحلة التى نعيشها كخبيرة اجتماع وخطتها كمدير للمركز لتحقيق هدفها بوصوله للعالمية. ∎ عندما توليت إدارة المركز كان حلم الوصول للمكانة الإقليمية والعالمية التى يستحقها المركز من أهم أحلامك.. هل تحقق هذا الحلم؟ - جزء كبير قد تحقق وهو الوقوف على أول خطوة فى هذا الطريق وهى المعرفة بالمركز والرغبة فى التعاون، فعلى المستوى العالمى استطعنا تحقيق بروتوكولات وتقديم سبل التعاون لذا سأشير لزيارات الخبراء الأجانب فأنا اليوم فى انتظار الوفد الروسى الذى قدم لعرض سبل التعاون مع المركز والشهر الماضى كنت فى زيارة للصين وعرضت أنشطة المركز وطلبوا أن يكون هناك بروتوكول تعاون، خاصة أن هناك جامعة هناك تتكلم العربية وقد أخذت مطبوعاتهم.. وفى إيطاليا كان هناك مؤتمر عالمى للعلوم الاجتماعية كنت حاضرة فيه وتم فيه الإعلان عن المركز وتوزيع معلومات عنه وأبدت الكثير من الدول الرغبة فى التعاون، خاصة فى مجال بحوث الجريمة.. كذلك أخذنا الموافقة على عقد مؤتمر مع الألمان سيدور حول المرحلة الانتقالية وكيف استطاعت ألمانيا تخطى هذه المرحلة التى تشبهنا لحد كبير لتبادل التجارب بين البلدين فى هذه المرحلة المهمة أما على المستوى الإقليمى، فهناك دورتان تدريبيتان أساسيتان كل عام حول بحوث الجريمة والكشف عن الجريمة باستخدام الوسائل الحديثة ويأتى لنا العرب من كل الدول العربية وتكون هناك محاضرة عن المركز.. وكان هناك لقاء مع مدير مركز البحوث بليبيا وتم إقامة بروتوكول تعاون فى مجال البحوث الاجتماعية. ∎ ما أهم القضايا المسلط عليها الضوء الآن بالمركز خاصة مع تسارع الأحداث.. وهل يستطيع المركز مواكبة هذه المرحلة المتسارعة؟ - لدينا خطة بحثية تحدد وفقا لكل القضايا المطروحة على الساحة بواسطة المرصد الإعلامى الذى يرصد كل القضايا والظواهر التى تظهر على السطح وتوضح مناخ الرأى العام ويتم ترتيبها حسب الأهمية وفى هذه المرحلة المركز واكب ما يدور فى المجتمع من جدل وعلى رأسه الدستور والمواد الخلافية فيه وكذلك ما يخص النظام الانتخابى المرغوب وفى هذا الإطار جرى استطلاعان للرأى على الجمهور الخاص وبعثنا النتائج للجنة الخمسين وتم بالفعل الاستفادة منها وأرسل عمرو موسى خطاب شكر للمركز، ففى الجلسة الخاصة آخر يوم تمت فيه مناقشة إلغاء نسبة العمال والفلاحين وإلغاء مجلس الشورى تم إدخال النتائج الاستطلاعية للجنة الخمسين والتى حسمته، حيث أوصى المركز بإلغاء النسبة وإلغاء المجلس.. كذلك فإن المركز يواكب أهم قضية الآن على السطح وهو استطلاع رأى الجمهور العام من الدستور فى أكثر من اتجاه أولا: عمل وعى مجتمعى لبعض المواد بالدستور والتى يدور حولها جدل ويبين الموقف الحقيقى لكل الشرائح بالأساليب المنهجية لرفع النتائج. ثانياً: لبيان خريطة الوعى فى المجتمع. ثالثاً: هذه البحوث الميدانية توضح نموذجاً للحوار المجتمعى يقدم فى قالب علمى وهو دور المركز بجانب هذا الاستطلاع هناك استطلاع حول أولويات المواطن المصرى تجرى الآن وعند الانتهاء منها ستوضع أمام صانع القرار.. كذلك هناك البرنامج العلمى للمركز لبحوث تجرى الآن حول الشباب فى المناطق العشوائية ورؤيتهم السياسية لما يتردد وما يحدث فى هذه المناطق من استقطاب. ∎ ما أكثر ما فاجأك على المستوى الشخصى من استطلاع الجمهور الخاص حول مواد الدستور والنظام الانتخابى؟ - فاجأنى تفضيل النخبة للأخذ بالنظام الفردى فى الانتخابات فأنا عندى تحفظات عليه لأنه سينتج جزءا يستطيع أن يستغل حاجة الناس ويدفع ويستقطب أصواتا فنحن لا يزال ليس عندنا الوعى الكافى ولم تعط الخدمات الأساسية ونسبة الفقر عالية يستغلها هؤلاء الأفراد ولأن نظام القائمة فشل ففى رأيى أن أفضلهم النظام المختلط. ∎ هل كان هناك تواصل بين المركز والنظام السابق للاستفادة بنتائج استطلاعات الرأى.. وهل كانت هناك محاولات لأخونة المركز كجزء من مشروع أخونة الدولة؟ - المركز جهة مستقلة لم يتأثر بتاتاً بأى من التيارات السياسية أو بأى نظام سياسى قائم، فبالرغم من تغير الأنظمة لم يتغير وضع المركز المحترم المعروف بالمصداقية وحصل بالفعل تواصل عن طريق الاستفادة فى سياق مبادرة المرأة والمقترح حول دعم حريات المرأة، حيث أشار المركز إلى استشعار مجتمعى حول محاولات تقليص دور المراة والتعدى على حقوقها التى حصلت عليها وأبدى النظام الرغبة فى الاستفادة من جهود المركز فى هذا الإطار بالفعاليات العلمية للمبادرة ولكن النوايا الله أعلم بها.. استمرت الفعاليات بحلقات نقاشية منذ مارس إلى آخر حلقة فى 18 يونيو وأجلنا الفعاليات لما بعد 30 يونيو واستمر المركز فى دوره العلمى والمنهجى وبعثنا بالنتائج للأستاذة سكينة فؤاد. ∎ هل كانت هناك أى استطلاعات للرأى أو بحوث فى المركز حول عدم تقبل الناس للنظام السابق تنذر بحدوث 30 يونيو؟ - لم تكن هناك دراسات تنبئ بها ولكن كان هناك استشعار من خلال الحوار والمناقشات وطرح الآراء الميدانية تظهر الرفض لهذا الواقع الذى يحاول تغيير الهوية المصرية وإضفاء شكل خاص على نمط معيشة الشعب وكان من المتوقع حدوث مثل هذا الحدث لرفض ذلك الواقع. ∎ ظواهر مجتمعية عديدة تفرض نفسها اليوم على المجتمع المصرى من فوضى وعنف وتحرش كأستاذة اجتماع هل تشعرين بتغير فى الطبيعة المصرية.. وما شكل الجيل القادم من أطفال تعودت عيونهم على هذه المظاهر؟ - دعينا نؤكد أن العنف كان موجودا من قبل الثورة وما جدَّ هو شكل العنف ونمطه المصاحب للمرحلة السياسية التى نعيشها والتى يحاول كل طرف أن يفرض رأيه من خلال أساليب عنيفة فجاءت الأنماط التى تلائم آراءه ليفرضها المسألة الأخرى أننا سنعدى هذه المرحلة ولكن المهم كيف؟ ومتى؟ وهو ما يجب أن نعمل عليه اليوم فعندنا أطفال رأت مظاهر العنف وكل يوم ترى قتيلا أو حريقا هؤلاء من يجب أن «نلحقهم» فلا نزود العنف والشعور بالكره وهو عن طريق اتجاه مؤسسات الدولة لتقديم الخدمات الأساسية لأولادها وتوفيرها ونتعلم من المرحلة السابقة.. ويجب أن نعترف اننا كدولة تخلينا عن أولادنا عن طريق عدم إشباع حاجتهم الأساسية فخرجوا ليقولوا: كرامة إنسانية.. وأركناهم إلى من يقوم بهذا الدور فأصبح ولاؤهم لمن يؤكلهم ويشربهم ويدفع مصاريف تعليمهم فساندوهم دون تفكيرهم لذا آن الأوان أن نحتوى أولادنا، خاصة أن هناك جيلا لا يعرف الوطن والعلم لأن الوطن ليس مكان مجرد نعيش فيه، بل هو الذى يلبى احتياجات أولاده فلا يمدون يدهم لأى أحد وهذا هو دور مؤسسات الدولة لذا فبأيدينا ستحدد شكل المجتمع فى المستقبل فنرسم السياسات الصحيحة ونعمل مراجعات لأنفسنا. ∎ هل يمكن تجاوز مرحلة الانقسام الشديد الآن فى المجتمع مستقبلا بعد كل الدماء التى أسيلت باسم الدين؟ - أولا يجب ألا نقرن الدين بالعنف ونعمل كمؤسسات على هذا المفهوم لنلحق أولادنا ونصحح مفاهيمهم المغلوطة لدى الشباب فعندنا من يكره بشدة وهناك من يتعاطف بشدة ويجب أن نجد المساحة للتقارب بينهما وتوضيح الصورة الصحيحة وتصحيح المفاهيم وهو ما سيأخذ وقتا طويلا وعملا كثيرا من خلال سياسات على الأرض تثبت صحة الموقف وتحمى الأولاد، وهذه الخطوة هى التى سيترتب عليها كل ما هو قادم. ∎ بماذا ستصوتين فى الاستفتاء؟ ولماذا؟ - سأصوت بنعم.. وقد صوَت بنعم فى مارس أيام الحكم العسكرى لاستشعارى بأننا بحاجة لتمر تلك الفترة من الانفلات الأمنى لنتعافى رغم أنه تم استغلال تلك الفترة والقفز عليها ثم صوَتُّ بلا على دستور 2012 لأنه كان به بعض المواد بمثابة الفخ بالرغم من وجود مواد جيدة وبعدما تم تعديل 45 مادة وإجازة عدد كبير من المواد فى دستور2013 فلا مجال لأى جدل بأننا سنصوت بنعم.. وليس لنا مخرج سوى العمل لتخطى هذه المرحلة الانتقالية ونبدأ فى وضع الإطار الذى يحكم العلاقات والحقوق والواجبات. ∎ هل لديك أى تحفظات على بعض مواد الدستور تأملين تعديلها فى المستقبل القريب؟ - لا يوجد دستور تفصيل، لكن رأيى الشخصى أن الإعلان المخصص للمعاقين بالرغم من وجود ما ينص على حماية حقوقهم إلا أننى كنت أرى أن تكون هناك مادة خاصة بهم لأنى متعاطفة معهم لأنه لدينا ثقافة مجتمعية بما يخص النظرة لهم فكان لا بد من حمايتهم أكثر لتغيير نظرة المجتمع.. كذلك فئة الفلاحين كنت أرى أنه يجب إفراد مادة لهم لتكون حقوقهم مصانة، فالفلاح أحرص الناس على رزقه ويخاف على تهديد لقمة العيش. ∎ هل انت مع كوتة المرأة؟ -معها لأسباب عديدة أهمها نظرة المجتمع لها وهو ما أعلن فى آخر مناقشة للحقوق السياسية للمرأة فى إطار إعطائها حقوقا تساعدها لفترة انتقالية قد تكون مدتين فقط.. كذلك كوتة المرأة فى المحليات كما فى تجربة الهند كانت ناجحة لفترة محددة وبنسبة محددة. ∎ أنت مع الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية أولا؟ ولماذا؟ - بالطبع مع الرئاسية لأننا أمامنا أكثر من إشكالية، فالبرلمان القديم لو جاء وفقا للدستور حزب الأغلبية هو من سيحدد رئيس الوزراء وإذا لم يكن هناك تفاهم بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ستحدث إشكالية لكن ما إن ياتى رئيس انتخبناه وانتخبته الأحزاب فلن تكون هناك مشاكل. ∎ بعيون خبير فى علم الاجتماع «مصر رايحة على فين»؟ -ما تمر به مصر الآن مرحلة طبيعية وإفراز طبيعى لما بعد الثورات وعدينا الصعب وما إن تستقر هذه المرحلة بعد الدستور والانتخابات الرئاسية أو البرلمانية سنكون عدينا الصعب ومصارحة ومكاشفة، كذلك فإن دورنا الآن هو كمؤسسات الدولة هو التوعية بمواد الدستور وتبيان أى النظم الانتخابية أفضل والعمل على التصدى لحملات التشويه للرموز المحترمة لأنه كان هناك تعمد فى الفترة الماضية لتفريغ المجتمع من رموزه وكلما طرح اسم يتم تشويهه وإسقاطه فلنتعلم مما فات.. وأن نبنى اقتصادنا لأننا لن نظل طول عمرنا نتكلم فى السياسة فعندما سندخل مجلس الشعب سنناقش اقتصادا ويجب أن تكون عندنا فكرة وسنناقش ظواهر اجتماعيةئويجب أن نفهم أن هذه الفترة هى التى ستحدد «مصر رايحة على فين»، وإلا سنظل نسحل بعض ونرمى الطوب على بعض» نريد أن نعيش فى بلد آمن فرص عمل لأولادنا خدمات صحية وفرص تعليمية سكن للشباب، فبدون هذه الخدمات لن ننتقل لأى مكان ويجب أن تكون لدينا الرغبة والإرادة كمؤسسات دولة لذلك. ∎ ما الهدف الذى تضعينه نصب عينيك للمستقبل خاصة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية؟ - بدأنا بالفعل على المستوى الداخلى التوسعات الخاصة بالبنية الأساسية من توسعة للمكتبة وتجديد لدورات المياه وقاعات المؤتمرات والتجهيزات، كل الشكر لوزارة الاتصالات التى زودت المركز بعدد هائل من الكمبيوترات التى أسهمت فى تسهيل عمل المركز المنهجى والعلمىئوبخصوص المحتوى فعندى أمل بتفعيل بروتوكولات التعاون مع الدول وأن تزيد ميزانية المركز لإعانته على استطلاعات الرأى التى تغنى صانع القرار عن الاستعانة باستطلاعات ربما تسحب بعينة على أسس غير منهجية، وأملى أيضا أن تلجأ كل مؤسسات الدولة للمركز لاستشارته والاستعانة بنتائجه فى المجال التشريعى ووضع السياسات ويصبح المركز على الخريطة العالمية بجهود أبناء المركز من أعضاء هيئة البحث والجهاز الإدارى المعاون لها. ∎ فى حوارنا السابق قبل تولى الدكتور مرسى منصبه نصحت الرئيس القادم بألا يكون «رئيس صوبة» بمعزل عن شعبه بما تنصحين الرئيس القادم؟ - الرئيس القادم عليه عبء كبير فقد كنا فى الوضع السابق كلنا استعداد وتطلع لنموذج رائد وهناك أمل يحدونا حتى لو كنا متحفظين على ذلك التيار وكلنا رغبة فى النجاح.. أما الرئيس القادم فسيقابل بكم من المشكلات الاقتصادية والأخلاقية تلزمه بأن يكون على وعى كامل بكل المتغيرات الاجتماعية، ويكون قادرا على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب لأن الوقت غير المناسب لا جدوى منه وعليه الحسم فى اتخاذ قراراته وتكون لديه رؤية واضحة فيما يخص أى موضوع يؤخذ به رأيه والأهم أن يتخذ العلم سبيلا لقيام السياسات لأنه لا مخرج لنا سوى العلم.