المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بإمبابة صرح علمي وبحثي يشهد بعراقته وكفاءته البعيد قبل القريب.. يقدم رؤية متعمقة لمشاكل المجتمع المصري.. يرصد العرض.. يحلل المرض ويطرح العلاج.. ولكن في بحوث تظل في الغالب علي الأرفف بسبب غياب الإرادة السياسية التي تحترم البحث العلمي وتأخذ بأسبابه قبل طرح السياسات. يخرج علينا صانع القرار بقوانين مشوهة وقرارات متسرعة وندخل في دوامات من الخلاف والجدل المجتمعي يمكن تفاديه إذا لجأنا لبيت الخبرة.. المصري.. الذي ليس بغريب عن الحكومة فرئيس مجلس إدارته وزير التضامن يبدو أن شخصية الوزير هي التي تحدد موقع المركز داخل دائرة صنع القرار أو خارج الصورة! الجمهورية حاورت د.نسرين البغدادي أستاذ علم الاجتماع ومدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية التي تحدثت بصراحة عن المركز وأبحاثه وقضايا الساعة: تحدثنا عن الدستور والدعم وقانون التظاهر والعنف والتحرش وكان اللافت الارتباط بين البحث والحدث.. في مقابل التباعد بين البحث والتطبيق! * سألنا د.نسرين البغدادي: جاء انشاء المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 1955 لدراسة الظواهر المجتمعية للخروج برؤية علمية تساند صانعي القرار.. بصراحة هل تساعد ميزانية المركز علي أداء هذا الدور؟ ** الاستقرار لأي مؤسسة يأتي من الأوضاع المالية ونحن من المؤسسات التي قدرت الأوضاع الخاصة بالبلاد في المرحلة السابقة وأخيراً توصلنا لاتفاق مع وزارة المالية لزيادة الميزانية حتي يتمكن المركز من القيام بدوره في ظل الاحتياج لتجديد البنية الأساسية وحماية المبني بعد انهيار سقف المكتبة. وقد أوصي تقرير مركز بحوث البناء بضرورة هدم المكتبة وقاعة المؤتمرات وبنائها من جديد واعادة بناء دورات المياه وتغيير الخرسانة. الميزانية يجب أن تغطي كل هذه الالتزامات بالإضافة لميزانية البحوث والزيادة الطبيعية في المرتبات. * وكيف تؤثر هذه الميزانية علي عمل المركز؟ ** تؤثر علي البحوث في صورة مقابل زهيد للباحث الميداني ونحن لدينا فريق من الباحثين في المحافظات يعيننا في الأبحاث الميدانية. المقابل اليومي الذي يتقاضونه لا يقارن بالجهات الأخري التي تستغلهم في جمع بيانات ربما تكون ضد الدولة. وتؤثر كذلك علي سرعة الانجاز بسبب عدم مضاعفة فريق ادخال البيانات والنتيجة أبحاث عالقة بسبب الميزانية ونحن لدينا 127 عضواً في هيئة البحوث من درجة معيد وحتي مستشار ونجري سنوياً 60 بحثاً. وعموماً نحن كعاملين في المركز اتفقنا علي اجراءات للترشيد الذاتي حتي لا نكون عبئاً علي الدولة ومنها ارجاء بند الصرف علي المستشارين والخبراء "2 مليون جنيه" وقمنا بوقف المكافآت التي كان يحصل عليها الباحثون مقابل نشر مقالاتهم بالمجلات وعوضناهم من خلال بند المكافأة نصف السنوية ومنعنا البدلات الخاصة بحضور اللجان وبحثنا عن رعاة لمؤتمراتنا ونجحنا في اقناع المجلس العربي للطفولة والتنمية برعاية المؤتمر السنوي الأخير عن مستقبل الطفولة. * كيف تختارون موضوعات الأبحاث التي يقوم بها المركز؟ ** هناك 3 طرق لاختيار الموضوعات أما المرصد الإعلامي أو اهتمامات الباحثين أو تكليفات بعض الجهات.. لدينا 11 قسماً في 4 شعب. كل قسم يطرح السياسة العلمية الخاصة به والبحوث التي يهتم بها في مجال تخصصه وترفع الي الشعبة لاعتمادها وهناك المجلس العلمي الذي يتكون من رؤساء الأقسام وهو بمثابة مجلس الكلية ويضم كل رؤساء الأقسام والشعب وأصحاب المشروعات وقد يضم ذوي الخبرة في الموضوعات التي تحتاج الي متخصصين. ولدينا كذلك مرصد إعلامي يرصد القضايا الموجودة علي الساحة حتي نكون مواكبين للأحداث ونضع لها أولويات في الدراسة. ونحن كمركز بذلك نتبع النظام المؤسسي فتكون السياسة العلمية من أسفل الي أعلي وصولاً الي مجلس الإدارة الذي يضم ما يقرب من 20 عضواً يمثلون الهيئات المختلفة مثل وزارات الداخلية والخارجية والعدل والنائب العام وثلاثة من أساتذة الجامعات ورئيس مركز التعبئة والاحصاء وممثل لوزارة التعاون الدولي ومعهد التخطيط ولجنة الفتوي والتشريع من مجلس الدولة وممثلي الوزارات لا تقل درجتهم عن رؤساء إدارة مركزية.. كل هؤلاء هم جسور التواصل بين المركز وبين الدولة ونحن منفتحون علي كل مؤسسات الدولة وتأتي إلينا مؤسسات تطلب عمل أبحاث في موضوعات معينة وبذلك نعين المسئول في اتخاذ القرار. * هل أدت تبعية المركز لوزارة التضامن الي تسييس أبحاثه؟ وهل اختلف دور المركز حسب شخصية وزير التضامن؟ ** ردت بانفعال: المركز جهة علمية مستقلة ذات شخصية اعتبارية غير تابعة لأشخاص ولكن يرأس مجلس إدارتها وزير التضامن وبالتالي من الممكن أن يطلب الوزير أن يعينه المركز كما حدث في فترة تولي د.علي مصيلحي ود.نجوي خليل الوزارة. حيث تم الاستعانة بالكفاءات الموجودة في المركز لرفع كفاءة البرامج التدريبية في الوزارة خصوصاً الأخصائيين الاجتماعيين كما قمنا باجراء البحوث المتصلة مباشرة بالوزارة ومنها استهداف الأسر الأولي بالرعاية في المناطق العشوائية الغير آمنة والقري الأكثر فقراً. وأعتقد أن د.أحمد البرعي الوزير الحالي له نفس التوجه فقد اجتمع بأعضاء هيئة البحوث وأكد علي ضرورة الاستعانة بباحثي المركز وأساتذته ونحن مازلنا مشتركين في مشاريع مثل العشوائيات والقري الأكثر فقراً ونخطط لدورات تدريبية لرفع كفاءة الباحثين الاجتماعيين بالوزارة. * ولكن جاءت فترة دخلت السياسة في كل المؤسسات فماذا فعل المركز في فترة الحكم السابق؟ ** قاطعتنا قائلة: تقصدون مبادرة المرأة للرئيس المعزول محمد مرسي؟ دائماً نتعامل مع مؤسسة الرئاسة باعتبارنا جهة بحثية. التعامل من مؤسسة لمؤسسة فتم الاستعانة بالمركز في اطار دعم حقوق وحريات المرأة باعتباره بيت الخبرة البحثي وكان دورنا علمياً في اجراء هذه البحوث بعيداً عن أي توجيهات وكانت جميع الجلسات داخل مبني المركز وعندما تم تدشين هذه المبادرة بحضور الرئيس المعزول كان خطاب مديرة المركز بياناً لدور المركز والتأكيد علي عدم انحيازه لأي جهة والتزامه الموضوعية ومواثيق وأخلاقيات البحث العلمي كما قمنا بنشر النتائج في كل وسائل الإعلام وبالتالي آلية التحصين والنشر هي الرد الأمثل. * أبحاثكم وضعت يدها علي أوجاع المجتمع المصري فهل من مستمع؟ ** مسألة الاعتماد علي البحث العلمي في كل المجالات تتوقف علي الإرادة السياسية. بمعني هل هناك توجه من قبل القائمين علي أمور البلاد للاستعانة بنتائج البحث العلمي ووضع سياسات بناء علي هذه النتائج؟ لا تلوموا المؤسسة العلمية فنحن نقوم باجراء الأبحاث ونشر النتائج ودعوة التنفيذيين في المؤتمرات لمواجهتهم بها. أنا أقوم بدوري كمؤسسة علمية علي المسئول أيضاً القيام بدوره من خلال أخذ النتائج وتفعيلها. * هل يحدث أحياناً هذا اللقاء بين البحث الاجتماعي والقرار السياسي؟ ** حدث ذلك في مشروع مساكن زينهم كنا أصحاب البحث والمسئولون أصحاب الاستجابة المركز له رؤية محترمة عندما يؤخذ برأيه في القوانين مثل دوره في تطوير قانون المخدرات رقم 84 عندما قام المركز بعمل استطلاع رأي علي النخبة القضائية وأوصي أن يعامل المدمن معاملة المريض وكانت نقلة في قانون المخدرات. كذلك منح أطفال الأم المصرية الجنسية جاء بناء علي بحث قام به المركز في برنامج الأحوال الشخصية. وفي الثمانينيات عندما كان هناك مخطط لنقل الوزارات لمدينة السادات قام المركز بعمل بحث ووجد أن هناك رفض من معظم الوزارات للانتقال خارج القاهرة. وكان يتم الاستعانة بالمركز في رسم السياسة الثقافية من خلال معرفة أذواق واحتياجات جمهور المسرح والسينما. * ماهي الأبحاث التي تري د.نسرين أنه حان وقت خروجها من علي الأرفف الي أرض الواقع؟ ** أعتقد أنه حان وقت تفعيل نتائج بحث الأسر الأولي بالرعاية هناك نتائج تخص 2.5 مليون أسرة في القري الأكثر فقراً. نستطيع من خلال الاستعانة بهذه النتائج ترشيد الدعم وتوصيله لمستحقيه خصوصاً البحث الخاص بالأسر الأولي بالرعاية في المناطق العشوائية الذي يمكن الاهتداء به في استهداف هذه الأسر المستحقة للدعم في كل المجالات: الصحي والتعليمي والعيني وكافة الخدمات التي تقدمها الدولة. * بمناسبة الحدثث عن الدعم .. ما رأيك في حديث وزير المالية عن عودة الدعم النقدي؟ هل تم الأخذ برأيكم في هذا التوجه؟ وماذا تقولون لو حدث؟ ** هذا الكلام لم يتم التخطيط له بصورة علمية ودقيقة والحديث عن تغيير نظام الدعم من عيني الي نقدي ليس مجاله اليوم. بل يأتي بعد اصلاح منظومة الصحة والتعليم والبنية الأساسية عندها "بعد سنوات" يمكن التحدث عن سحب الدعم واعطاؤه نقداً للمستحقين أما الحديث عن دعم نقدي الآن فليس هذا التوقيت السليم وهو قرار لا تحمد عقباه وسيؤدي الي هدر وعدم الوصول للمستحقين الحقيقيين لدينا الآن قاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها في ترشيد الدعم وزيادته لمحتاجيه ولكن الغاء المنظومة سيؤدي الي ارباك كل مؤسسات الدولة. * هل يعرف المسئولون بوجود هذه الأبحاث عندكم؟ أم أنتم لا تعلنون عن أنفسكم بالشكل الكافي؟ ** نحن لا نعمل في السر. نحن مؤسسة في الدولة وعمرنا يقارب الستين ورئيس مجلس الإدارة من أعضاء الحكومة! * هل تشعرين بالتجاهل؟ ** لا أعتبره تجاهلاً بقدر ما هو عدم وجود رغبة وإرادة سياسية لعمل السياسات علي أساس علمي.. للأسف المؤسسات العلمية مؤسسات "ديكورية" حتي الآن! * عند كل أزمة.. يتجدد الحديث عن الحوار المجتمعي.. أليس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية هو الأجدر للقيام بهذا الدور خصوصاً وأننا نستشعر حالة انقسام شديدة في الشارع المصري بسبب الخلافات السياسية؟ ** نحن نتبع اسلوب الحوار المجتمعي من خلال عملنا.. فنقوم باستطلاع آراء الجمهور فأبحاثنا ثم إعلانها عبر الإعلام.. هذا بحوار مجتمعي مقنن بشكل علمي. * ولكن كانت لكم تجربة أوضح في طرح الحوار المجتمعي من خلال الدستور الجديد وورشة عمل القضايا الخلافية في الدستور التي عقدت في نوفمبر الماضي. ** نحن مؤسسة علمية والعلم يجمع والسياسة تفرق فعندما نناقش قضية ندعو كل التوجهات وكل المعنيين بالأمر ونخلع العباءة الأيدلوجية علي باب المركز ونعمل جميعاً تحت مظلة العلم. وأهتمت الورشة بالمواد التي أثارت جدلاً في الدستور وأرسلنا التوصيات بالفعل للجنة الخمسين وتلقينا خطاب شكر من السيد عمرو موسي. ومن هذه التوصيات التي تم الأخذ بها: "الغاء نسبة العمال والفلاحين بعد أن أجرينا استطلاع رأي للنخبة وأشاروا الي عدم جدية هذه النسبة والالتفاف عليها وكانت هذه الدراسة نقطة حاسمة عند التصويت علي مواد الدستور. * بمناسبة الدستور.. هل ستقول د.نسرين "نعم" أم "لا" في الاستفتاء القادم؟ ولماذا؟ ** سأقول "نعم" للدستور الجديد لأن ما اختلفنا حوله في الدستور السابق تحقق بنسبة كبيرة في هذا الدستور. نريد أن ننطلق ونتخلص من حالة الجدل أو "الهري" بلغة الشباب عايزين السياسة ليست دستور ولا انتخابات فقط هي اقتصاد وتعليم وصحة. عايزين نشوف حالنا كبلد استهلك وانهك لمدة 3 سنوات. نريد أن نتخلص من حالة الكراهية والعنف والشعور بالعداوة ضد بعضنا البعض نريد أن نبني مستقبلاً لأولادنا.. لا نريد هدر دمائهم.. حتي أصبحت دماء علي الأسفلت! * ولكن في الاستفتاء السابق قلنا نعم حتي تسير المركب وفي النهاية دخلنا في "حيطة سد" ما الفرق بين النعمين؟ ** الشعب المصري بفطرته وطبيعته يميل للاستقرار ودايماً يقول نعم للاستقرار وليس للدستور وقال: "امشي المركب.. لقي المركب مبتمشيش".. نزل في 30 يونيو حتي لا تتغير هويته مع أن الغالبية كانت مع الاستقرار. * كيف يحدد المواطن موقفه من الدستور خصوصاً وأن التصويت مسئولية؟ ** هذا هو وقت الحوار المجتمعي الذي نحتاجه. حوار تشارك فيه كل مؤسسات الدولة لنشر الوعي حول مواد الدستور بأمانة لابد أن تقوم قصور الثقافة. مراكز النيل بالهيئة العامة للاستعلامات. مراكز الشباب. الوحدات الاجتماعية. مديريات الصحة. مكاتب البيئة. الكل يقوم بدوره ويشرح المواد المتعلقة به في الدستور.. لابد أن تشارك المدارس وتشرح للأولاد الدستور وما يمثله للمستقبل وهكذا. * ولكننا نخاف من تجاوز الخيط الرفيع بين الوعي والاستقطاب بالحشد والحشد المضاد؟ ** عندما يكون هناك وعي تظهر القدرة علي الفرز. عندما تصل المعلومة السليمة غير المشوشة ولا المنقوصة للمواطن سيحدد موقفه ويحسم اختياره دون تأثير خارجي.. لا حشد.. ولا استقطاب! * حديثنا عن ظاهرة النشطاء السياسيين التي ظهرت علي الساحة؟ وصارت مهنة وأحياناً سبوبة؟ ** هذه الظاهرة سببها تخلي الدولة عن دورها من منتصف التسعينيات وظهور كيان موازي هو مؤسسات المجتمع المدني التي رأت فيه الدولة فرصة لرفع بعض الأعباء عن كاهلها فأسقطت دورها عليه وأدت لتنامي هذه الظاهرة ثم رفعت الدولة يدها عن مراقبة الأداء فنمت هذه الكيانات تحت بصر الدولة في اعتقاد أنها قادرة علي السيطرة عليها في أي وقت فانفرط العقد وأصبحت هذه المؤسسات الملاذ والملجأ للكثيرين تدخل للناس من مدخل "الحاجة" والتي تؤدي للاستغلال. وليس كل مؤسسات المجتمع المدني في بوتقة واحدة هناك مؤسسات تقوم بدورها المحدد وبشكل رائع والبعض يتم استغلاله والحل هو عودة دور الدولة التي تستطيع أن تلبي احتياجات مواطنيها بصورة تحفظ الكرامة الانسانية. * هل قانون التظاهر هو عودة لصورة الدولة المرجوة أم خطأ في التوقيت؟ ** اشفق علي الأجهزة الأمنية لأننا نحملها مالا طاقة لها به وهناك شعور من الكراهية ونقوم بترسيخه كل يوم رغم قيامهم بدورهم هناك حلول أخري غير الحل الأمني. هي تشبه قضية الوجبة المدرسية بدلاً من صرف 40 مليون جنيه علي هذه الوجبة والبحث عن موردين وفتح أبواب للاستغلال كان من باب أولي تطوير الفصول واصلاح المقاعد مخاطبة حاجة ملموسة سيؤدي إلي رضا الطلاب وأولياء الأمور. وهناك أيضاً مشكلة النظافة المستعصية لماذا لا يتم التعاقد مع الزبالين وتحويل منطقة الزرائب إلي مناطق صناعية لإعادة التدوير؟ وغيرها من الأمثلة عن مبدأ الأولويات والتوقيت. * ولكن في حالة قانون التظاهر: نحن أمام مشكلة حقيقية.. قطع طرق وتعطيل مصالح ما هو الحل المجتمعي الصحيح؟ ** الحل هو تطبيق القانون الرادع.. لماذا لم يتم تفعيل قانون العقوبات الموجود فيما يخص إرهاب الناس أو قطع الطرق بدلاً من عمل قانون جديد يثير بلبلة؟ لماذا لم يتم تهيئة الرأي العام لقانون جديد بعد الاطلاع علي تجارب عالمية عموماً.. أنا مع قانون لتنظيم التظاهر يتم تحديد مواصفات المظاهرات والمدة والإجراءات وماذا سيحدث في حالة خرقها؟ ويحضرني مثال من الفيس بوك لصورة لمتظاهر في أمريكا في لقطة يهتف ورجل الشرطة يشاهده وفي لقطة أخري يقف علي جسده لأن في الحالة الأولي كان ملتزماً بحدود ما أباحه القانون لذلك يعامل كمتظاهر سلمي أما في اللقطة الثانية تخطي القانون وبالتالي الشرطة عاملته كإرهابي. للأسف هناك سوء اختيار لتوقيت قانون التظاهر مما أعطي فرصة لأطراف أخري لاستغلال الموقف واستقطاب المحايدين اليهم. * ماذا عن الهايد بارك المقترح؟ وهل هو حضاري أم مستورد؟ ** أنا مش فاهمة الحل؟ ما أفهمه أنه من الممكن التظاهر أمام أي مؤسسة حكومية ورفع لافتات ثم المغادرة دون تعطيل المرور أو إرباك المصالح ولكن ما يحدث الآن هو العكس لذلك لابد من التهيئة المجتمعية لأي قانون. وأري ضرورة اجراء دراسات اجتماعية قبل اصدار القوانين فكان من الممكن للجهات قبل اصدار قانون التظاهر اللجوء إلي بيت الخبرة مركز البحوث الاجتماعية والجنائية لعمل استطلاع رأي ومعرفة المخاطر والفرص الخاصة بالتعديل لو حدث ذلك كنا علي الاقل سننقل لهم الرفض للقانون قبل التسرع بإصداره. * ماذا حدث للشخصية المصرية ولماذا أصبح العنف أهم ملامحها.. فافتقدنا لغة الحوار وزادت الجرائم حتي في نطاق الأسرة؟ ** العنف ليس ظاهرة جديدة فلقد قمنا مثلا بعمل مؤتمر كبير في عام 2004 عن العنف في المجتمع المصري وتنبأنا بتنامي ظاهرة العنف ولدينا برنامج دائم لدراسة العنف وهناك دراسة قيمة قام بها د. أحمد زايد ود. سميحة نصر عن العنف في الحياة اليومية إذن العنف موجود في كل وقت وفي المجتمعات وكل أخذ أشكالاً وأنماطاً أخري تتوافق مع الحالة الاجتماعية العامة والظرف السياسي.. فظهر مؤخراً مخزون بالشعور بالعداوة تجاه بعضنا البعض بسبب عدم الشعور بالعدالة واحساس المواطن أنه إذا لم يأخذ حقه الآن لن يأخذه أبدا وأدي انصياع الدولة لاسلوب لي الذراع والاستجابة للمطالب الفئوية اوصلنا لهذا المأزق الاقتصادي.. اذن العنف له جذور ساعدت علي تنامي العنف وتوجهه ضد الدولة التي تقول الأن انها لن تستجيب. * ظاهرة التحرش التي تكدر حياة المصريات كيف تفسرين مجتمعاً عربياً ومسلماً ويحتل المركز الثاني عالمياً في التحرش؟ ** المسألة تتعلق بالسلوكيات والقيم وليس المسميات مادام البعض لا يتمسك بقيم الاسلام التي تحض علي غض البصر واحترام كيان المرأة وعدم التعدي علي حقوق الغير وفي نفس الوقت نحن ليس لدينا قانون يجرم التحرش وبالمناسبة لقد قدم المركز مشروع قانون تجريم ظاهرة التحرش والعنف الممارس ضد المرأة ضمن مبادرة المرأة وكانت بداية المبادرة طلب عمل حلقة نقاشية عن ابعاد الظاهرة وكيفية اصدار قانون واستشعرنا بإزاحة المرأة عن المشهد العام فكان هناك غضب للمرأة المصرية وتوسع الأمر إلي مبادرة كاملة لحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وتواصلنا مؤخراً مع الكاتبة سكينة فؤاد مستشارة الرئيس لشئون المرأة وسنعطيها النتائج العلمية التي تحمل مشروع متكامل للمرأة المصرية. * حديثنا عن ظاهرة أطفال الشوارع وقد تسلط الضوء عليها من جديد بعد ثورة يناير ماذا عن الظاهرة التي أفرزتها ثورة 30 يونيو وهي مظاهرات أطفال المدارس الذين خرجوا لتأييد الإخوان؟ هل هم أصحاب رأي سياسي؟ ** التلميذ الذي يخرج في مظاهرات المدارس مش خارج علشان رأي سياسي هو خارج علشان زعلان مننا من سوء حالة المدارس ساخط علي حال التعليم المدرسة ليس فيها نشاط ولا لعب يفتقد فكرة الاندماج في المجتمع. فعندما يجد من يأخذه ويقول له "أنت معانا" ينضم لهؤلاء وهو لا يعي ولا يعرف.. لكنه في الأصل زعلان مننا. وهو نفس ما يقال عن مظاهرات شباب الجامعات الآن شكل الجامعة الحديثة غير موجود في مصر وعندنا سوء خدمات من أبسط الاحتياجات سواء تصوير الورق وحتي الأساسيات كقاعات الدراسة والاستراحات.. في الخارج الجامعة مدينة متكاملة بها الملاعب والمحلات والمطاعم بجانب المدرجات والمكتبات وبذلك يخلق فرص عمل كما يوفر خدمات للطلاب والمنطقة المحيطة.. أين نحن من ذلك؟.. لابد من إعادة النظر في المنظومة ككل قبل لوم الشباب.