واصلت هيئة السكة الحديد لأكثر من 6 أسابيع على التوالى إيقاف رحلاتها بين القاهرة والمحافظات لدواع أمنية، بعد أن كانت تنقل حوالى 5,1 مليون مواطن يوميًا، ووصلت خسائر الهيئة إلى 190 مليون جنيه بسبب التوقف وأعمال التخريب والحرائق والسرقات التى لحقت بالقطارات والمحطات وبالأخص التى توقفت على «السكة» قبل أن تكمل رحلاتها بناء على طلب الجهات الأمنية، فتم سرقة الحنفيات والكابلات والألومنيوم وقطع الغيار من العربات، وستظل حركة تلك الخطوط متوقفة لحين صدور تعليمات أمنية. وقد تسبب ذلك فى مأساة ومعاناة إنسانية يومية لشريحة واسعة من المصريين تعتبر الأكثر فقرا، والتى سقطت فريسة لمافيا النقل والسائقين الذين استغلوا الأوضاع بمضاعفة الأجرة، كما أصيبت حركة البيع والشراء بالركود وارتفعت أسعار السلع نتيجة تضاعف نفقات النقل بين المحافظات.
يقول نبيل عرابى: المسئولون يعيشون فى التكييفات والعربيات الخاصة ولا يشعرون بمعاناة الموظف البسيط اللى بيخرج من بيته بعد صلاة الفجر عشان يوصل شغله فى ميعاده ويتحكم فيه سواق بخلاف الأعطال المفاجئة والبهدلة.
ويكمل قائلاً: «حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى بيحصل فينا، احنا انكتب علينا نعيش مهمشين فى بلدنا طيب نروح فين عشان نعيش بنى آدمين؟!
ويضيف محمد جمال طالب كلية طب جامعة الأزهر: مع بدء الدراسة تزايدت المعاناة. وكان يجب على الحكومة أن توفر البدائل من الأتوبيسات بين المحافظات، لكن ما حدث خسارة للبلد والمواطن لأن السكة الحديد ملك للناس والفلوس اللى بتحصلها بتدخل فى مشاريع للبلد، فنناشد المسئولين سرعة إعادة حركة القطارات، لنتمكن من تحصيل العلم، وإلا سنعتصم بالجامعات ونضرب عن الدراسة لحين عودتها. فنحن نعانى من تعامل السائقين وكلامهم الجارح، ويسيطرون على المواقف ويفرضون الأجرة بمزاجهم ولا توجد رقابة عليهم.
وتنشب مشادات كلامية بيننا وبينهم إذا امتنعوا عن التحميل، وأوقفوا سياراتهم لزيادة الأجرة.
وأعرب عن استيائهم الشديد من تواطؤ الأمن المشرف على المواقف مع أصحاب السيارات.
وتقول مروة عبد الفتاح، طالبة بجامعة بنها: مع توقف حركة القطارات أصبحنا فى غاية القلق من السفر يوميا على الطريق البرى، خاصة أنه يشهد يوميا حوادث متعددة وحصادا لكثير من أرواح الأبرياء، بالإضافة إلى عدم تجهيز تلك الطرق وخطورتها من الناحية الأمنية.
وتؤكد ولاء محمود، طالبة بجامعة حلوان أن المواقف تحولت إلى ساحات للاشتباكات اليومية بين الركاب واستمرار توقف القطارات رغم بدء العام الدراسى زاد التكدس المرورى.
وتساءل متعجبا: ما الخطورة من تشغيل القطارات السريعة والإكسبريس إذا كانت قطارات (القشاش) تعمل بالفعل؟!
وقال سمير عبدالعال: معظم السائقين فى المواقف يمتنعون عن التحرك إلا بعد الاتفاق على رفع الأجرة فيما يصر آخرون على جمع الأجرة مقدماً قبل التحرك، وهو ما أدى إلى حدوث العديد من المشادات والاشتباكات بين الركاب أمام أعين رجال الأمن الذين يكتفون بدور المتفرج!
أضاف: الكثير من مستقلى القطار يركبونه باشتراك ومعظمهم من البسطاء والغلابة، أما الأتوبيسات فليس لها اشتراكات ولا تعمل إلا رحلة واحدة صباحا.
المرضى وأصحاب الاحتياجات الخاصة، لم يسلموا أيضا من الأزمة فقد أبدت د. لمياء عبدالله، طبيبة بمستشفى خاصة بالمهندسين أسفها وحزنها قائلة: مرضى الأقاليم كانوا منتظرين دورهم بفارغ الصبر لإجراء جراحات خطيرة إلا أنهم طلبوا تأجيلها رغم خطورة حالتهم لصعوبة السفر الى القاهرة بالسيارات الخاصة.
وأشارت إلى ارتفاع سعر أجرة الميكروباص من الزقازيق إلى القاهرة من 5 إلى 10 جنيهات بسبب استغلال السائقين للأزمة وعدم وجود مواصلات بديلة، وذلك بخلاف المواصلات الداخلية بالقاهرة والمحافظات.
ومع استمرار التوقف قد تزداد حالاتهم سوءاً أو يضطرون لتحمل معاناة السفر بالميكروباص أوربما يغامرون بإجراء الجراحة فى مستشفيات أقل فى الإمكانيات بالمحافظات. ويضيف سليم غانم من الإسماعيلية: أنا عندى عملية جراحية فى مستشفى الدمرداش كان ميعادها بعد عيد الفطر ولأن ظروف البلد مش مستقرة اتحدد ميعاد تانى لكن توقف القطارات تسبب فى تأجيل العملية لحين عودتها.
ويقول أحمد محمود، عامل بمترو الأنفاق: توقف القطارات السريعة زاد من معاناة الموظفين فى الانتقال إلى أعمالهم وتفاقمت الأزمة مع بدء الدراسة، فأنا لا أستطيع السفر يوميا من القاهرة لمقر سكنى فى شبلجنة بمحافظة القليوبية فأجرة الميكروباص تضاعفت وسأنفق أغلب راتبى على المواصلات علاوة على أننى لا أنتهى من عملى إلا قرب انتهاء فترة الحظر.
وأضاف أن قائدى الأتوبيسات والسيارات يستغلون الأحداث ويعملون على زيادة الأجرة يوميا، وكل وقت بتسعيرة مشيرا إلى أنها لن تنخفض مرة أخرى بعد ارتفاعها. وأضاف ليس أمامى حل إلا المبيت بالمترو وتخفيض أيام العمل.
وقالت منى إبراهيم مديرة محل تجارى بوسط البلد: انتشرت المواقف العشوائية للميكروباصات بالمدينة بعد توقف القطارات والسائقون يستغلون عدم وجود رقابة عليهم، ويضاعفون الأجرة، مؤكدة أن كثرة عدد المسافرين تجعلهم يرضخون ويدفعون أى مبلغ.
وأضافت أن توقف حركة القطارات أثر سلبا على حركة التجارة الداخلية فهى تضطر إلى السفر لعدة محافظات للتنسيق مع تجار الجملة والمصانع وتحمل الأسعار المرتفعة والأعباء النفسية وسط الزحام والقلق، ثم ترسل بعد ذلك عمالا على سيارات نقل لتحميل البضائع بتكاليف مضاعفة.
وقال محمد عبدالرحمن تاجر جملة: لم نعد نستطيع السفر فى ظل هذه الظروف لإحضار ما نحتاجه من المصانع، الأمر الذى استغله أصحاب شركات النقل الخاصة، بمضاعفة تسعيرة نقل البضائع وأجرة الركاب.
يكمل بسيونى عبد الحميد، قائلا: أنا تاجر ملابس أعتمد بشكل تام على القطارات عشان أجيب رزقى ورزق ولادى، ولكن منتجاتنا وسلعنا زى ما هيا مفيش حركة فى البيع والشراء والقطارات مانعانا من الحركة طيب إيه العمل؟
وقال أحد باعة السجائر، بميدان رمسيس: حالنا وقف، كل رزقنا ودخلنا اليومى كان من الركاب ودلوقت بقينا بننزل المواقف العاملة، على الرغم من أن محطة رمسيس كانت بتغنينا عن التنقل من موقف لآخر.
وأكد إسلام نعيم، محافظة الإسماعيلية أن تهديدات الإخوان بتفجير القطارات غير مهمة ومجرد تهويش لأن هذا ما يريدونه وطالما نحن نخشى تهديداتهم سيتمادون فى هذا وتتعطل جميع المصالح العامة وليس حركة القطار أو الأتوبيس فقط.
إبراهيم فاضل، سائق ميكروباص، قال: توقف القطارات رزقنا ورزق ولادنا، يارب تفضل متعطلة!
وأضاف: الحياة صعبة والعيشة شاقة، وإحنا رفعنا الأجرة لأننا عشنا مهمشين منسيين مفيش حد بيبصلنا، إحنا شايفين إنها فرصة لينا ورزق لولادنا. وإحنا مضطرون لفعل ذلك لموازنة «الرحلة» فى الذهاب والعودة، لأن الزحام الشديد وتكدس السيارات لساعة أو ساعتين يوميا يقلل من فرص الحصول على ركاب فى الاتجاهين.
يقول محمد عويس، سائق تاكسى يملك تصريح دخول لمحطة مصر: اعتدت قبل توقف حركة القطارات، انتظار مكالمة هاتفية، يقوم على إثرها الزبون بركوب التاكسى، وأنا أعرف طريقه جيدًا.
وتابع: «لا أحصل الآن على 30 جنيها فى اليوم كله، رغم ما أبذله من جهد، وعلى الجهات الأمنية ضبط المتسببين فى حوادث الانفجارات، حتى تهدأ الأوضاع ويمارس المصريون أشغالهم».
حسن على، سائق آخر، يقول إنه اعتاد أن يحصل فى اليوم الواحد على 150 جنيهًا.. لا يجدهم الآن فى ثلاثة أيام، مشيرًا إلى أنه يخشى العمل بالشارع، خوفًا من أن تسرق سيارته، بعد تعرض زملائه لمثل هذه الحوادث، فعند التوقف لشخص يكتشف أنه يملك سلاحًا ويهدده فيترك له السيارة حتى لا يصاب بأذى.