نزلت الشرطة والجيش المصرى وقاما بفض اعتصامى ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة بطريقة سلمية ودون استخدام العنف مع المواطنين الإخوان، بل وصلت إلى حد المعاملة الطيبة وضمان الخروج الآمن لهم من الميدان.. لكن كان رد الإخوان عليهم غير سلمى بالمرة، فقد استخدموا الأسلحة وأعيرة الخرطوش والرصاص الحى وقاموا باقتحام أقسام الشرطة وقتل من فيها وحرق بيوت الله وإحداث الفوضى فى كل مكان.. وكنا شاهد عيان على ما ارتكبه الإخوان من جرائم.. ومن هنا بدأت الصراعات على الفيس بوك تظهر بين المؤيدين للرئيس المعزول وجماعته والمعارضين له.. فالمؤيدون يبرئون الإخوان وينكرون أعمال الفوضى والتخريب وينسبونها للجيش وللشرطة!!.. ويقومون بنعت المعارضين بالكفار والدعاء عليهم .. والمعارضون يشنون حربا إلكترونيا عليهم لإفاقتهم من غسيل المخ الذى فعله الإخوان بهم وإن مصلحة الجماعة أولا فوق مصلحة البلد.. ويظل الصراع دائما على الفيس بين «شد وجذب» إلى أن ينتهى بأن يقوم أحد منهم بعمل بلوك الآخر ويخسر صديق عمره لأنه غير مقتنع بوجهة نظره ولا يتفق معه فى الرأى.. وهذا على الفيس بوك!!.. أما على أرض الواقع فكيف سنقوم بعمل بلوك لهم؟! .. كيف سنتعامل معهم سواء صديق مقرب أو أخ أو أب من العائلة ؟!!.. كيف سنتوحد فى الرأى ونحترم وجهات النظر دون خسارة؟!.. تحدثنا مع محللين اجتماعيين كىيحللوا لنا الوضع على المستوى الإنسانى.
يقول الدكتور سعيد صادق - أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الامريكية - :
كل عمليات التحول الديمقراطى تؤدى بالأخص فى المجتمعات التى حدث فيها نوع من التغيير إلى التفرق والتشتت فى وجهات النظر.. لأن المجتمعات كانت مغلقة سياسيا.. وعندما حدث انفتاح فيها تعددت الآراء.. فالشعب المصرى قبل الثورة كان عنده 24 حزبا، ولكن بعد الثورة أصبح عنده 74 حزبا.. وكانت توجد فئات كثيرة من الشعب المصرى لم تعبر عن رأيها وممنوع أنها تمارس سياسة مثل الأقباط والمرأة والشباب.. عندما ظهروا على الساحة وبدأ يكون لهم نشاط قوى.. وبدأ الانقسام يظهر، فمنهم من كان حزبا يمينيا ومنهم من كان حزبا وسطا وغيره من الأحزاب.. وذلك لم يكن يوجد وقتها ثقافة تعليمية تقوم بتعليم المصريين والطلبة والشباب كيفية التشاجر أو حتى النقاش بشكل فيه الدفاع عن الرأى وتقبل الآخر .. لكن بدأت العملية فجأة بأفكار سياسية وهم لم يكن لديهم فكرة عنها.. فى كيفية تقبل الآخر وكيفية الاختلاف معه فى الرأى.. وهذا ما يؤدى فى النهاية إلى التفرق والخسارة ومنها إلى عمل البلوك.. وهذا لن يحدث مشكلة بالمرة لأنه أنهاه من العالم الافتراضى، لكن الواقع مازال متواجدا فيه ومتشبثا برأيه ومقتنعا به.. وهذه من الأشياء الخطأ لانها تؤدى إلى العنف.. وهذه هى خطورة الدين لأنه يتحدث مع المطلق ولا يتحدث مع النسبى.. وبالتالى النتيجة ستؤدى إلى التطرف والإرهاب.. وهذه هى مشكلة استخدام الأديان والمذاهب والأيديولوجيا الشمولية.. إنها تملك كل الحق للآخرين وهم لا يملكون أى شىء.. وبالتالى تحدث المشادات بينهم.. وعلاج ذلك هو أن تتم عملية تعليمية ديمقراطية، وهذا لن يحدث فى يوم وليلة!
أما الدكتورة نادية رضوان - أستاذة علم الاجتماع بجامعة قناة السويس - فتقول:
عندما يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتشدد الدولة شوكتها وتستقر الأمور وتكون هناك حكومة ودستور وبرلمان وأمان وقتها فقط سيتوحد الناس.. لأن الانشقاق الموجود الآن فى المجتمع ناتج عن أن كل شخص لديه أمل فى وضع على غير الوضع الذى يأمله الطرف الآخر.. فالليبراليون يريدون أن تكون الدولة مدنية.. الإخوان كل آمالهم أن تكون الدولة إسلامية.. فالوضع سيظل قائما هكذا، إذا لم تستقر الأمور.. التوتر والخلافات والانشقاقات فى وجهات النظر ستظل أيضا قائما!.. لذلك من الصعب الآن أن يتم توافق أو تقارب فى وجهات النظر أو حتى معاملة حسنة بين الطرفين، لأن كليهما مشحون من الآخر!.. لذلك نحن نحتاج إلى وقت وشكل من أشكال الاستقرار على وضع.. وعندما تستقر الأمور سيستسلم الناس للوضع.. فالظروف الآن لا تقبل المقابلة أو حتى المصالحة!!.. فالناس كلها مستنفرة.. وكلا الطرفين يشعر أنه صاحب القضية .. أما بالنسبة للمغيبين فسيظلون مغيبين، لأن للأسف الإخوان كاذبون ومزورون للحقائق ويقولون كلاما لايمت للحقيقة بصلة ويقلبون الأوضاع لصالحهم.. فمقوله كارل ماركس «الدين أفيون الشعوب» استخدمت تماما فى المرحلة التى نحن فيها الآن.. الناس حقيقة مغيبة ومخدرة ومشحون مخها كله بقضايا وفكر غير حقيقى ولا يستطيعون المقاومة لأنه إيمانى.. فهم لا يقبلوننا ولا نحن أيضا نقبلهم.. لذلك سيظل الوضع على ما هو عليه إلى أن تستقر الأمور وترجع المياه إلى مجاريها.. ولا نستطيع أن نتحدث معهم الآن.
بينما الدكتورة هدى زكريا - أستاذة علم الاجتماع السياسى بكلية الآداب جامعة الزقازيق - تقول: إن الحديث عن الانقسام مرفوض تماما.. وأيضا لا يوجد شىء اسمه مصالحة لأنه من الصعب أن يتصالح الجسم مع الغرغرينة!.. نحن الآن فى مجتمع مهدد فى مستقبله ويكافح منذ زمن طويل حتى يرى بصيصا من النور.. فمصر الآن مثل سفينة نوح من يريد أن يركب فى السفينة فليركب ومن لا يريد عليه أن يعتصم حتى يغرق مثلما فعل سيدنا نوح مع ابنه تركه يعتصم فى الجبل حتى جاء الطوفان وأغرقه.. يجب أن نبعد عن موضوع الانقسام والمصالحة بين الأشخاص.. لأن ظروف البلد لا تسمح بهذه الرفاهية الآن.. فوضع البلد الآن أخطر وأكبر مما يتخيلون!.. لذلك يجب أن نكون فى طريق واحد، إذا خرج أحد منهم عليه أن يتحمل نتيجة خروجه حتى لو كانت الموت، حتى ولو كان أخى شخصيا.. لأن مصلحة البلد فوق كل اعتبار.. فالمجتمع مهدد بالفعل وتحومحوله المخاطر والأعباء، لذلك لا يصح أن ينقسموا ما بداخله الآن.. فالوضع الآن لا يسمح إلا بالتوحد، لأن الانقسام ليس فى مصلحتنا فى الوقت الراهن.. وعلى من يؤيدون الإخوان أن يعرفوا هدفهم.. ألا وهو صنع المشكلة!.. لذلك الاختلاف معهم ليس اختلافا بل هو صراع الوجود.. فقد أثبتوا بجدارة أنهم طلاب سلطة وطلاب غنيمة وطلاب نهيبة.. وليس لديهم أى شىء يقدمونه لهذا البلد غير السرقة.. فكيف نتعامل مع لص وقاتل ومتآمر من الخارج؟!.. فمن كانوا يؤيدونهم عليهم أن يخجلوا من أنفسهم ويتوحدوا معنا.. لأن ليس هناك شىء واحد نحسبه لصالحهم!!.. فانقسام المجتمع المصرى هو المنطقة الوهمية التى ستطير فى الهواء.. فكل المعترضين على موقف الفريق السيسى إما «جاهل أو عبيط أو خائن أو حمار».. لأن علم الاجتماع الأمريكى يقول: «على الجيش أن يتدخل إذا سقط الدستور وإذا تصارعت القوى السياسية وإذا طالب الشعب بإسقاطالحاكم، وأيضا المواقف التى فيها ارتباك على الجيش أن يتدخل على الفور.. فنحن الآن نحتاج إلى منهج واحد ورؤية واحدة وطريق واحد حتى نستطيع أن نعبر هذه المرحلة العصيبة.. فعندما ترسو السفينة على الشاطئ وقتها نعاتب بعضنا على طريقة التفكير.. فالسفينة الآن تواجه العاصفة.؟