مفاجأة مدوية.. مشروع قانون حكومة قنديل لتنمية إقليم قناة السويس، ما هو إلا صورة مشوهة لقانون قائم فعلا تحت اسم (قانون المناطق الصناعية الخاصة)، كل ما قامت به حكومة قنديل هو تغيير اسم منطقة أو مناطق ووضعت بدلا منها (إقليم)!! وأيضا قامت ببراعة، بحذف أغلب العبارات التى تعطى الحكومة المصرية حق الإشراف على هذه المناطق، وحذف أى عبارات تؤكد أن هذه المناطق تحت سيطرة القانون المصرى !!.. إذا.. نحن أمام قانون مشبوه يرسخ لفكرة التقسيم، قانون مشبوه يغل يد القانون المصرى على أراض مصرية، قانون يمهد الطريق لانتزاع منطقة السويس كلها من مصر، وتتحول لما يشبه كردستان العراق أو جنوب السودان!!
السؤال هنا.. لماذا هذا القانون فى هذا التوقيت ؟! ولماذا «الصربعة والهرولة» لإقرار القانون ؟! هل هناك فواتير مطلوب من الحكومة تسديدها بسرعة لجهات غير مصرية ؟! وما المقابل الذى تسدد عنه هذه الفواتير ؟! ومهما كان المقابل.. هل يكون سداد الفواتير هو تقسيم مصر !! أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة، ولكن الريبة تأتى من تجاهل الحكومة لقانون قائم فعلا ومتوازن يضمن سيادة مصر على أراضيها، وسريان القوانين المصرية على كل ما فيها، وهو قانون (المناطق الصناعية الخاصة) الذى تم إقراره عام 2002 فى مجلس شعب منتخب، ومادام لدينا قانون جيد ويحمى أراضى الدولة وسيادتها لماذا نتجاهله، ونأتى بنصوصه ونشوهها فى صورة قانون جديد مشبوه يمهد لتمزيع مصر وتمزيقها. ∎ تجاهل !! وأغلب التركيز فى مشروع قانون تنمية إقليم القناة على منطقة شرق بورسعيد، أو كما كان يطلق عليها الجنزورى صاحب الفكرة والمشروع «شرق التفريعة»، وهو المشروع الذى أطلقه عام 5991، ويتضمن إنشاء ميناء محورى على مساحة 53 كيلو متراً ليكون أكبر ميناء محورى فى العالم، ومن خلفه إنشاء منطقة صناعية حرة عالمية، ويتضمن أيضا عدة مشروعات، وبرحيل الجنزورى، جاء عاطف عبيد، واغتال المشروع ودفنه فى أدراج المكاتب، حتى عام 2002 و3002، عندما أعلنت إسرائيل والأردن عن إنشاء قناة بديلة لقناة السويس وبدراسة الموقف، وجدوا أن أفضل حل لإجهاض هذه الفكرة هو إحياء مشروع شرق التفريعة والميناء المحورى. وأسرعت الحكومة وغيرت اسمه من شرق التفريعة إلى شرق بوسعيد، وأعلنت عن مناقصة لأول كيلو ونصف فى الميناء المحورى، فازت به شركة قناة السويس للحاويات، والذى يضم حاليا كشركاء فى الشركة أكبر شركتين فى النقل البحرى فى العالم مثل أوبى ملر ميرسك وهى أكبر شركة نقل بحرى فى العالم وأيضا تدير 052 ميناء حول العالم، ومعها شركة صينية تعد الثانية على العالم بالإضافة لبعض الشركاء المصريين «بنوك وهيئات»، ومع افتتاح أول رصيف عام 5002 حقق نتائج باهرة، مما شجع الحكومة على إجراء مناقصة عالمية ل 2 كيلو متر أخرى كرصيف جديد، تقدمت للمناقصة أكثر من تسعة تحالفات عالمية للفوز بالصفقة، ولكن شركة قناة السويس للحاويات قدمت عرضا أكبر وفازت بالمناقصة، ومما شجع الحكومة المصرية نفسها لإنشاء رصيف ثالث لحسابها، وفى عام 7002، تعاقدت الحكومة المصرية مع مكتب هولندى استشارى -يعد الأكبر فى العالم- لإعادة تخطيط المنطقة وتسويقها، وهذه الدراسة أعدها المكتب الهولندى ومازالت حبيسة الأدراج وربما لا تعلم عنها حكومة قنديل شيئا، وبعد تنحى مبارك وأثناء الفترة الانتقالية أضاف المشير (حسين طنطاوى) 02 كيلو أخرى، للميناء المحورى ليصبح 55 كيلو متراً، والمؤكد أن الحكومة الحالية ومشروع قانونها الذى يقسم مصر لا تدرى شيئا عن كل هذا، لا تعرف أن هناك قانوناً اسمه «المناطق الصناعية الخاصة» يمكن أن يؤدى الغرض بكفاءة وأفضل من مشروع القانون المشبوه المقدم، وأيضا لا تدرى شيئا عن مشروع شرق التفريعة أو شرق بورسعيد ولا عن الميناء المحورى، ولا تدرى أن هناك دراسات أعدها المكتب الهولندى لإعادة تخطيط المنطقة بشكل علمى وتسويقها على أسس عالمية، كل الذى تدركه هو ضرورة الإسراع لإقرار مشروع قانون مشبوه ينزع سيطرة مصر على أراضيها ن ليس هذا فحسب، وإنما ينزع من مصر مشروع المستقبل الذى يمكن أن يكون الدجاجة التى تبيض ذهبا ونقطة للانطلاق لمستقبل أفضل لمصر. ∎ نظرة !! تعالوا نطل بنظرة طائر على بعض نصوص القانون.. المادة الثانية.. تشير إلى إنشاء الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس، وتتبع رئيس الجمهورية وتضم 51 شخصا يختارهم الرئيس، والمادة السادسة تنص على أن لرئيس مجلس إدارة إقليم قناة السويس جميع اختصاصات الوزراء !! هذا كلام خطير الرئيس وحده الذى يختار هذه الهيئة وأعضاءها وكمان الوزراء والوزارات المصرية ليس لديها أى صلاحية فى متابعة هذا الإقليم وأنشطته وصناعاته كأنها ليست من مصر وتتبع بلاد الواق واق !! الاستثناء هنا فقط لوزراء: الدفاع والداخلية والعدل !!! إن هذه الوزارات دورها فقط القيام بدور عسكرى الدرك لحماية المنطقة أما ما يدور بداخلها فلا علاقة لهم به وهذا الكلام يخالف الدستور الجديد الذى أصر الرئيس والإخوان على إقراره والذى ينص على أن «مصر دولة مستقلة» موحدة لا تقبل التجزئة وأيضا المادة الخامسة من الدستور التى تنص على أن «الشعب مصدر السلطات»!! ونصوص هذا القانون تعنى أن إقليم القناة لا يخضع للشعب مصدر السلطات !! وإنما يخضع للرئيس والمجلس الذى سيختاره الرئيس. المأساة تأتى من خلال المادة 11 التى وضعت معايير اختيار أعضاء مجلس إدارة الهيئة وهى كالآتى: «أن يكون مصرى الجنسية - أن يكون من ذوى الكفاءة والخبرة - ألا يكون قد سبق الحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة - أن يكون محمود السيرة وحسن السمعة - ألا يكون قد سبقت إحالته إلى المحاكمة التأديبية أو مجازاته تأديبيا!! لأول وهلة عندما نظرت إلى هذه الشروط تخيلت إننى أقرأ إعلان مطلوب عريس !! وليست معايير لاختيار مجلس إدارة هيئة سوف تدير إقليماً بالكامل وسوف يعمل بدون رقيب عليه وبعيدا عن أجهزة الدولة !! والمادة العاشرة... تنص على (أن أموال الهيئة.. خاصة) أى أن أموال الإقليم والهيئة تعتبر مالا خاصا لمن يدير الإقليم !! ويتعاملون مع الأموال كأنها أموال خاصة وورثها من قرار الرئيس بتعيينهم، أى أن الإقليم تحول لعزبة خاصة لهم بعيدا عن أجهزة الدولة والرقابة، وهذا النص يمنع أى جهة من ملاحقتهم، لهذا تعتبر دعوة صريحة للفساد، وأيضان لن تعود فائدة للخزانة العامة للدولة لأن الأموال خاصة، ولا يجوز تحويل جزء من الأرباح لخزانة الدولة !! التضارب يبدو بشكل واضح بين المادة العاشرة، التى تنص: على أن أموال الإقليم أموال خاصة وبين المادة الثالثة عشرة والرابعة عشرة واللتين تنصان على أن جميع الأراضى فى الإقليم تؤول للهيئة التى تدير الأقليم فيما عدا أراضى الجيش والشرطة وهيئة قناة السويس وأيضا تعطى الهيئة حق نزع الملكية للمنفعة العامة «كيف ننزع الملكية للمنفعة العامة ثم تتحول إلى أموال خاصة لا يتصرف فيها إلا أعضاء الهيئة» !! ∎ مشبوه !! الاستقلال عن مصر وتقسيمها هو مضمون المادة العشرين من مشروع القانون المشبوه، حيث تعطى مجلس الإدارة دون غيره 12 اختصاصاً مع مراعاة (دون غيره) تعالوا نرصد بعض هذه الاختصاصات منها - رسم السياسة العامة لتنمية الإقليم وإقرار الخطط والمخططات والبرامج، وتحديد المشروعات اللازمة لتنفيذها تمهيدا لرفعها للرئيس لإصدار قرار بشأنها تحديد وتخصيص الأراضى فى المناطق الاستثمارية ونوعية الأنشطة - وضع الشروط والمعايير الخاصة بالتخطيط العمرانى وبناء المرافق وحماية إدارة البيئة والتأمين عليها. - وضع الشروط والمعايير الواجب توافرها لإصدار ترخيص إقامة المشروعات أو أى أنشطة أخرى بقطاعات الإقليم، أو لوقفها أو إلغائها دون التقيد بأى شروط ومعايير فى أى قوانين. - وضع النظم الخاصة بإنشاء وإدارة الموانئ والمطارات داخل الإقليم وفقا لأعلى المستويات العالمية. - وضع القواعد التنظيمية الخاصة بنظم العمل والتأمينات الاجتماعية دون التقيد بأى قوانين أخرى - اقتراح النظم والإجراءات الخاصة بالوكالات التجارية والجمارك ونظم الاستيراد والتصدير من وإلى قطاعات الإقليم، وكذلك نظم الرقابة الصحية والفنية، بما يحقق الكفاءة والسرعة والأمن الصناعى. - وضع نظم الشهر والتوثيق دون التقيد بالقوانين والقرارات المنظمة للشهر العقارى - وضع النظم الخاصة بالسجل التجارى، دون التقيد بأحكام قانون السجل التجارى - إصدار قرارات تقسيم الأراضى وتراخيص البناء والهدم داخل قطاعات الإقليم - إصدار التراخيص الخاصة بإنشاء وإدارة المرافق العامة والبنية الأساسية بما فى ذلك الطرق والمياه والصرف الصحى والصناعى، وشبكات توزيع الكهرباء وشبكات الاتصالات وخدماتها داخل الإقليم. - إصدار تراخيص إنشاء المدارس والمعاهد ودور الحضانة والمستشفيات والمراكز العلمية والبحثة والطبية والثقافة والنوادى. - وأنت تقرأ هذا الاختصاصات التى كفلها مشروع قانون إقليم قناة السويس، تشعر بأن المشرع نسى أن يضع مادة كانت ضرورية ومكملة لهذه الاختصاصات وهى (ضرورة حصول المصريين على تأشيرة قبل دخول إقليم القناة)، وأيضا نسى المشرع أن يحدد قيمة هذه الرسوم، إنها فعلا كارثة مروعة، بهذه الاختصاصات أصبحت الحكومة المصرية ليس لديها أى سلطة على هذا الإقليم، وأن المشروع تحول من تنمية الاقتصاد المصرى عبر إقليم القناة إلى فصل الإقليم وتنميته خارج السيطرة المصرية، ويتحول شعب منطقة القناة لشعب منفصل عن الشعب المصرى فى:- (له قوانينه لإنشاء المدراس ولا تخضع لوزارة التعليم والمستشفيات فى غياب وزارة الصحة) وحتى القضاء ليس له دور فى الإقليم، لأن الهيئة الحاكمة للإقليم من حقها تشكيل لجنة لتسوية النزاعات واستبعاد أجهزة الدولة والقضاء المصرى بكل أنواعه من النظر فى النزاعات، أصبح كل ما فى الإقليم ليس مصريا «الزراعة والصناعة والقوانين والتعليم والعلاج والشهر العقارى» !! لابد من محاكمة واضع هذه النصوص، لأنها دعوة صريحة للانفصال عن مصر.. حتى نعرف لمصلحة من فعل ذلك ؟!! - ولم ينس مشروع القانون المشبوه بإعفاء الأنشطة التجارية والصناعية من الضرائب لمدة 01 سنوات، وكمان الإعفاء من ضريبة الدمغة ورسوم التوثيق وشهر عقود التأسيس وعقود القرض لمدة 3 سنوات، والإعفاء من تحصيل الضريبة الجمركية على جميع ما تستورده شركة المشروع أو الشركة المسجلة أو المستثمر من آلات ومعدات وأجهزة لازمة لإنشائها من خلال نص المادة 72. ∎ ملاحظات !! هكذا تحول المشروع الأمل لقيادة مصر نحو مستقبل أفضل إلى كابوس مروع من خلال مشروع حكومة قنديل وشركاه (وفيق وبشر وحامد ودراج) مشروع بدلا من أن ينقل مصر إلى مصاف الدولة المتقدمة اقتصاديا يحولها إلى دولة مقسمة مفككة لا سيادة لها على أراضيها يحولها إلى دولة تفرط فى نفسها لتسديد فواتير لأشخاص مجهولين، فواتير لا نعرف عنها شيئا.. فواتير جرى توقيعها فى جنح الظلام وبعد نظرة الطائر على مشروع القانون هنا يمكن رصد بعض الملاحظات السريعة على القانون المشبوه. 1- القانون يدعو لمنطقة حكم ذاتى لإقليم القناة بعيدا عن سيطرة الحكومة المصرية والدستور المصرى ولا يخضع إلا لرئيس الجمهورية، مما يهدد الأمن القومى المصرى ويمهد لتفكيك مصر كما حدث فى كردستان العراق وجنوب السودان وكلا الإقليمين لديهما كميات ضخمة من البترول وبدأت الأمور بحكم ذاتى وفى النهاية الانفصال !! 2- المناطق الحرة فى العالم كله لا تحتاج للاستقلال المبالغ فيه الذى يقدمه مشروع تنمية قناة السويس، وقانون المناطق الصناعية الخاصة الذى تم إقراره عام 2002 فيه نسبة الضمانات الكافية للعمل بعيدا عن البيروقراطية والروتين الحكومى، المنطقة الحرة فى جبل على فى دبى ليس لها قانون مستقل عن قوانين إمارة دبى، ونفس الشىء فى هونج كونج وسنغافورة، ولكن مشروع قانون حكومة قنديل بالغ فى استقلال الإقليم وبالغ فى تعقيد الشروط الإدارية، المناطق الحرة فى العالم كله تمنح بعض الاستثناءات فى الضرائب والجمارك ولكن فى النهاية هى خاضعة بشكل كامل لسيادة الدولة. 3- القانون فتح هيمنة الأجانب على خيرات إقليم القناة بما يشبه هجمة الأجانب فى ستينيات القرن التاسع عشر فى عهد الخديو إسماعيل الذى أغرق البلاد فى الديون وفتح الباب أمام الأجانب للسيطرة على الاقتصاد المصرى عن طريق إقراض المصريين بالربا ثم الاستيلاء على أراضيهم وانتهى الأمر بالاحتلال، ولكن إذا تم تمرير القانون المشبوه عام 3102 سوف يؤدى إلى التقسيم.. 4- مشروع القانون عبارة عن مشروع فضفاض وغير مدروس، ثوب فضفاض يسمح بفعل أى شىء غير مصلحة مصر 5- مشروع القانون يهدد هوية مصر السياسية والثقافية، فالمدارس لا تخضع للقانون المصرى ولا النوادى ولا المستشفيات ولا غيرها وبمرور الوقت سوف تزيد الفجوة بين أهالى القناة والشعب المصرى. 6- كشف تقرير أعده المركز الوطنى لاستخدامات أراضى الدولة التابع لمجلس الوزراء عن وجود أخطاء كارثية فى المشروع، وطالب بأن تكون أهداف الهيئة أكثر وضوحا وتحديداً وشدد على ضرورة حذف الأصول العينية من المادة العشرين لتجنب الخلط بين رأس المال والإيرادات، حيث يعد دمج الأصول مع الإيرادات خطأ محاسبيا، كما يتعين تقييم الأصول العينية أولا. 7- مشروع القانون لن يعود بالنفع على الخزانة العامة للدولة، أموال المشروع.. خاصة وهناك إعفاءات من الضرائب والجمارك والرسوم.. إذن ما هى الفائدة من المشروع لن تعود أى فائدة مادية على الشعب المصرى، ولن تدخل أى أموال الخزانة العامة لتعويض عجز الموازنة الذى اقترب من 002 مليار جنيه ولن يساهم فى رفع مستوى التعليم أو العلاج أو البنية الأساسية فى وادى النيل، رغم أن مشروع تنمية القناة كان بمثابة الدجاجة التى ستبيض ذهبا لمصر.