تراجع الاستثمارات المباشرة واختفاء فرص العمل الجديدة، وانخفاض أرباح البنوك، ونزيف السياحة يمثلون أزمة حقيقية لعودة الاقتصاد المصرى للنمو وتحتاج إلى مجهود كبير من القيادات الجديدة للدولة لاستعادة الثقة، ورفع التصنيف الائتمانى لمصر.. نحن نرصد أوضاع القطاعات الأربعة لنضعها أمام المسئولين لاتخاذ إجراءات سريعة من أجل العلاج والتعافى، وهذا يحتاج لدراسات عميقة لحل الأزمات والمشاكل وننتظر إعلان الرؤية الاقتصادية الجديدة لنعرف الخطوات العملية لتنشيط الاقتصاد المصرى. تراجع رهيب فى حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تتدفق على مصر.. فخلال الفترة من 5002 إلى 0102 دخل مصر ما يزيد على 05 مليار دولار استثمارات مباشرة فى السياحة والصناعة والزراعة والعقارات والخدمات التى أنعشت السوق، وخلال عام 8002، دخل مصر أكثر من 31 مليار دولار، انخفضت خلال العام الأخير إلى 2,2 مليار دولار، وهذا التراجع له أثر كبير على توفير فرص العمل الجديدة للشباب اللاهث وراء فرصة عمل، وهى أكبر التحديات أمام القيادات الجديدة للدولة لإعادة الثقة للسوق المصرية، كسوق جاذبة للاستثمار المباشر.
∎ الغموض
وأشار الخبير الاقتصادى الدكتور أحمد جلال مدير المنتدى البحوث الاقتصادية إلى أن أسباب تراجع الاستثمارات فى مصر مرتبطة بتداعيات الثورة وليست الثورة نفسها مشيراً إلى أن المناخ العام خلال الفترة الماضية لم يكن مريحا للاستثمار والتوسع نظرا لحالة الضبابية وعدم وضوح الرؤية التى سيطرت على السوق المحلية بسبب الاضطرابات والصراعات السياسية.
وأضاف د. جلال أن انتهاء الانتخابات الرئاسية لابد أن يكون فى صالح إيضاح الرؤية بشكل أكبر تجاه سياسات الدولة ورؤية المستقبل إلا أن الوضع الحالى يشير إلى استمرار حالة الصراع السياسى وتطور حالة الارتباك والاضطراب، خاصة مع دور المجلس العسكرى فى إدارة الدولة وهو ما يثير الكثير من الاستفهام ويرفع من حالة الغموض وعدم وضوح الرؤية.
وتابع أن الوصول إلى الاستقرار السياسى والأمنى ركيزة أساسية للحصول على القروض الدولية الميسرة بخلاف جذب استثمارات أجنبية إذا حدث تواصل مع العالم الخارجى بما يكفل تعزيز الثقة فى مصر وهو ما يحتاج إلى خطة وبرامج اقتصادية إصلاحية جيدة. وأضاف أنه يجب العمل على الوصول إلى معدلات نمو تشمل جميع شرائح المجتمع، خاصة بعد انخفاضه إلى مستوى أقل من 6,1٪ بنهاية العام الجارى، فيما تحتاج الدولة الوصول إلى معدلات نمو بين7٪ و8٪، بحيث تتسم خصوصيتها بالشمولية لتوفير خلق فرص متكافئة للمصريين للمشاركة فى عملية الإنتاج.
∎ فرص العمل
أما عن تراجع فرص العمل فحدث ولا حرج فقد انضم حوالى 007 ألف شخص إلى طابور العاطلين سنويا وإغلاق أكثر من 0002 مصنع عقب ثورة يناير وتدنى معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وذكر الجهاز فى تقريره أن عدد العاطلين من حجم قوة العمل لمعايير منظمة العمل الدولية قد بلغ 383,3 مليون عاطل بزيادة قدرها 26 ألف عاطل بما نسبته 9,1٪ عن الربع الرابع من العام السابق، كما ارتفع بمقدار 452 ألف مقارنة بالربع الأول من 1102 بزيادة بلغت نسبتها 1,8٪.
وأضاف التقرير أن حجم قوة العمل بلغ 983,62 مليون فرد خلال الثلاثة شهور الأولى من العام الجارى بزيادة قدرها 55 ألف فرد بما نسبته 2,0٪ مقارنة بالربع الرابع من 1102 السابق ، كما زاد بمقدار 105 ألف فرد مقارنة بالفترة المناظرة من العام الماضى بارتفاع بلغ نسبته 1,9٪.
وأشار التقرير إلى أن معدل المساهمة فى النشاط الاقتصادى بلغ 6,84٪ من جملة السكان «51سنة فأكثر» خلال الربع الأول، بينما كان 84,9٪ خلال الربع السابق عليه، وسنويا سجل 84,8٪ خلال نفس الربع من1102.
∎الخطر
عرضنا هذه الأرقام على الدكتورة أمنية حلمى نائب المدير التنفيذى للدراسات الاقتصادية بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية لتحليلها وقالت: إن البحث عن فرص العمل أولى الأسباب التى قامت من أجلها ثورة يناير فى ظل أن شباب مصر عاشوا على مدار سنوات كثيرة يلهثون وراء فرصة عمل فى ظل غياب المهارات وفساد التعليم الذى ساعد فى خروج شباب عاطل ليس لديه سوى شهادة ورقية لا تحمل وراءها أى معنى بالإضافة إلى إقبال الشباب على نوعية معينة من التعليم تلقى بظلالها على سوق العمال حيث يلتحق الكثير من الشباب بجامعات بعيدة إلى حد ما عن سوق العمل وعن المشاركة فى العملية الإنتاجية بكفاءة وبلغ معدل البطالة 4,9٪ وهو معدل مرتفع فيه أكثر من 08٪ من المتعطلين من الشباب الجامعى، وذلك يدق ناقوس الخطر حيث يجب استغلال طاقة هؤلاء الشباب.
وأضافت د. أمنية أن نجاح السياسات الاقتصادية للرئيس الجديد سوف تتوقف على قدرته على توفير المزيد من الوظائف محذرا من أن حالة الاستقرار السياسى والاقتصادى ستتوقف على تقليص معدلات البطالة، وأشارت إلى أنه لا يوجد مجال لزيادة معدلات التشغيل فى القطاع العام بمصر، مما يتطلب تنفيذ برامج عمل طموحة لتعزيز نشاط القطاع الخاص.. لافتة إلى أن زيادة الاستثمار الخاص فى مصر لم تقترن بارتفاع معدلات التشغيل خلال السنوات الماضية مما يعكس انخفاض محتوى الوظائف فى النمو الاقتصادى.
∎ القطاع المصرفى!
ولو انتقلنا إلى القطاع المصرفى نرصد نزيفاً من الخسائر أصاب القطاع المصرفى خلال الفترة الانتقالية بدءا من مؤشرات الأداء ومعدلات النمو وغيرها من الأنشطة المختلفة للقطاع ورغم تحقيقه أرباحا محققة وارتفاعا فى إجمالى الودائع والقروض فإنها كانت أقل بكثير مقارنة بالعام الماضى، وحسب أحدث التقارير الصادرة عن البنك المركزى المصرى انخفضت معدلات نمو كل من السيولة المحلية لتسجل 8,6٪ مارس الماضى، مقابل 2,11٪ بنهاية ديسمبر 0102، والودائع بالبنوك لتصل إلى 6٪ مقابل 52,21٪، ونسبة القروض مقابل الودائع إلى 8,84٪ مقابل متوسط تجاوز مستوى ال05٪ قبل الثورة. ومثلت الفترة الانتقالية تحديا بالغ الصعوبة أمام الجهاز المصرفى، وعلى رأسه البنك المركزى، فى إدارة السياسة النقدية للبلاد فى ظل هروب 7,75 مليار جنيه تمثل استثمارات أجنبية من أذون الخزانة التى يطرحها المركزى لصالح الحكومة، بالإضافة إلى انخفاض إيرادات الدولة من العملات الأجنبية فى ظل تراجع الأنشطة الاقتصادية والخدمية ذات العائد الدولارى، وعلى رأسها القطاع السياحى ونمو الواردات بشكل كبير مقابل الصادرات، وهو ما شكل ضغطا على البنك المركزى فى إدارة ما تملكه الدولة من احتياطيات نقدية أجنبية، حيث فقدت أرصدتها نحو 5,72 مليار دولار (561مليار جنيه) موزعة بواقع 5,02 مليار دولار من الاحتياطيات الرسمية، ونحو 7 مليارات دولار من الاحتياطيات غير الرسمية خلال الفترة من بداية 1102 وحتى نهاية الشهر الماضى.
∎ الارتعاش!
وأكدت الخبيرة المصرفية بسنت فهمى مستشار رئيس بنك البركة - مصر أن القطاع المصرفى دفع الكثير أمام مواجهة الغموض السياسى والاضطرابات الأمنية طوال الفترة الانتقالية بالإضافة إلى استمرار وجود الأيدى المرتعشة التى عجزت طوال الفترة الماضية عن الخروج من عنق الزجاجة وعجزت عن اتخاذ قرارات أو خطوات إصلاحية على مستوى الشأن الاقتصادى الداخلى.
وأضافت بسنت أن حالة الانفلات الأمنى التى شهدتها المرحلة الانتقالية وتغيير عدة وزارات هو ما انعكس بالسلب على أداء القطاع المصرفى خلال الآونة الأخيرة فى ظل أن أداء البنوك يرتبط ارتباطا وثيقا بالمناخ الاقتصادى للدولة حيث انخفضت معدلات نمو القروض بسبب توقف بعض الأعمال، والتوسعات فى أعمال أخرى، بخلاف انحسار تدفق الاستثمارات وحركة رؤوس الأموال.
وأشارت فهمى إلى أن أرباح بعض البنوك انخفضت بنسبة تتراوح بين 52٪ و03٪ خلال العام الماضى مقارنة بالفترات السابقة، بالإضافة إلى الصعوبات التى تواجه البنوك فعلى رأسها قيمة استثمار البنوك فى الأوراق المالية للقطاع الخاص تراجعت من 8,14 مليار جنيه لتصل إلى 8,63 مليار جنيه فى نهاية نوفمبر الماضى، بتراجع تبلغ قيمته 5 مليارات جنيه، هو ما أجبر البنك المركزى على فرض أن تحمل خسائر الأوراق المالية على بند حقوق الملكية، ولا تدخل فى بند الأرباح والخسائر، فضلا عن الخسائر التى لاحقت بباقى القطاعات الاقتصادية مثل السياحة والصادرات واهتزاز المراكز المالية للشركات المقترضة من البنوك، وكان من الصعب عليها سداد التزاماتها من أقساط القروض وهو ما أدى لارتفاع معدلات التعثر وتراجع أرباح البنوك ويجب وضع خطط مدروسة والبعد عن الأيدى المرتعشة لأننا أمام فرصة حقيقية لدفع عجلة الإنتاج وتحرك المياه الراكدة.
∎ السياحة!
دفعت السياحة الكثير ثمن الفترة الانتقالية التى عاشتها البلاد بسبب غياب الاستقرار وعدم الأمان لأن السائح يبحث دائما عن البلاد المستقرة فى جميع النواحى فى ظل تحذير بعض الدول لرعاياها من السفر إلى مصر بسبب الأوضاع غير المستقرة فعلى سبيل المثال أمريكا وألمانيا والنمسا فى ظل أن جميعها بلاد تعد من أهم الأسواق الأجنبية المصدرة للسياحة للمصر حيث يصل أكثر من مليون سائح و002 ألف من ألمانيا فقط، وأشار تقارير منظمة السياحة العالمية لعام 1102 إلى خروج مصر من نادى العشرين الكبار سياحيا فى العالم والذى دخلته لأول مرة عام 0102 ورصد التقرير تراجع مصر فى أعداد السائحين من المركز ال 81 إلى ال 62 حيث أنها استقبلت 11,41 مليون سائح عام 0102 وتراجع إلى 5,9 مليون سائح فى 1102 أما بالنسبة للعائدات فكانت مصر الأكثر تحقيقا للعائدات السياحية حيث كانت فى المركز 22 وتراجعت إلى المركز 33 حيث إنها حققت حوالى 5,21 مليون دولار فى عام 0102 وتراجعت إلى 7,8 مليون دولار فى عام 1102 بالإضافة إلى نسبة الإشغالات التى مازلت مستمرة فى الانخفاض ومن هنا كشف مركز معلومات مجلس الوزراء عن انخفاض نسب الإشغالات فى فنادق القاهرة الكبرى من 7,46٪ إلى 2,53٪ خلال الفترة الانتقالية ، وأظهرت الأرقام أن نسبة الإشغال فى جنوبسيناء انخفضت من 3,16٪ إلى 8,44٪ بينما تراجعت نسبة الإشغال فى البحر الأحمر من 7,08٪ إلى 3,35٪، وتراجعت فى الأقصر من 2,46٪ إلى 6,41٪، فضلا عن أن هناك حوالى 5 مليون مصرى يعملون فى هذا القطاع والمهن المكملة لهذا القطاع.
∎المأزق!
ومن ناحيته يرى إلهامى الزيات رئيس اتحاد الغرف السياحية أن القطاع السياحى فى مأزق كبير بسبب حالة الوضع السياسى التى مرت بها مصر طوال الفترة الانتقالية ومسلسل عدم الأمن الذى تزايد يوما بعد يوم مما أدى إلى هروب السائحين من مصر والبحث عن أماكن أخرى أكثر استقرارا مما ساهم فى انخفاض نسبة إشغال الفنادق فى جميع الأماكن السياحية، وأضاف إلهامى أن استعادة الحركة السياحية إلى مصر كاملة مشروط بعودة الأمن المكثف فى المناطق السياحية، والطرق المؤدية إليها مشيرا إلى صعوبة إقناع السائحين بزيارة القارة فى الوقت الذى يوجد فيه مواطنون مصريون لازالوا متخوفين من التجول ليلا، وقال أنه لا بد خلال الفترة القادمة أن يكون هناك تأكيدات من محافظى المناطق السياحية بتوفير الأمن المطلوب لعودة السياحة وهناك تعاون كبير فى هذا الشأن خاصة من شرطة السياحة حيث أن السياحة المصرية أصبحت لا تتحمل يوم واحد من الخسائر بعد أن اقتربت جميع حركات التشغيل من الصفر.