فى الوقت الذى تزايدت فيه المخاوف خلال الفترة السابقة من محاولات البعض لسيطرة الدولة الدينية وطمس أى معالم للدولة المدنية التى اعتدنا عليها. نجد أن هذه المخاوف «أصبحت أمرا واقعيا» بعد فوز د.محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين برئاسة الجمهورية، ولعل السؤال الذى يطرح نفسه، هل ستبقى مصر دولة مدنية كما عهدنا سابقا؟ وما هى ضمانات وملامح هذه الدولة؟ وتباينت آراء الليبراليين واليساريين والقوى السياسية حول مستقبل مدنية الدولة بعد فوز الدكتور محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية، حيث رأى البعض أن هناك تحديات كبيرة حتى نحافظ على مدنية الدولة والبعض الآخر رأى الموضوع من زاوية مختلفة مؤكدين أن التخوفات من ضياع مدنية الدولة ما هى إلا أوهام اختلقها الإعلام المزيف والمجلس العسكرى والتيارات السياسية المختلفة.
«هناك تهديد حقيقى لمدنية الدولة بفوز الدكتور محمد مرسى برئاسة الجمهورية» هذا مارآه القيادى اليسارى حسين عبدالرازق (عضو المجلس الرئاسى بحزب التجمع) مؤكدا أن هناك عوامل عديدة تؤكد أن المقاومة لتقوية أركان الدولة المدنية فى مصر لن يكون أمرا سهلا، وفوز مرسى بالرئاسة لم يعطه شيكا على بياض لتنفيذ برنامجه المعبر عن حزب الحرية والعدالة (مشروع النهضة)، فهناك 17,84٪ من الذين أدلوا بأصواتهم لم يعطوا مرسى وهناك أيضا بعض الأشخاص قاموا بالمقاطعة رفضا لكلا المرشحين.
وأضاف عبدالرازق إن قوة الدولة المدنية فى مصر سواء كانت أحزابا أو قوى سياسية أو شخصيات «ليست هامشية» تستطيع أن تقاوم هذا التوجه بكل صعوباته، كما أن طبيعة الشعب المصرى رافضة للتطرف سواء سياسيا أو دينيا كما قال أحد المواطنين العاديين «الشعب المصرى ما بيحبش الخانقة» فهناك حالة من التشاؤم والمعركة ليست سهلة.
∎ لاداعى للتخوفات
واختلف معه فى الرأى الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير السياسى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث أكد على عدم وجود تخوفات على مدنية الدولة وما هى إلا أوهام اصطنعها الإعلام والمجلس العسكرى والإعلان الدستورى المكمل والشعب المصرى سيكافح حتى لاتوجد مشاكل.
∎ الدستور
ومن جانبه أكد الدكتور أيمن عبدالوهاب (رئيس لجنة المجتمع المدنى بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية) إننا أمام تحديات كبيرة ترتبط برؤية التيار المعبر عن فكر الدكتور محمد مرسى (الإخوان المسلمين) وبالتالى فمدنية الدولة ترتبط بأن تتواجد جميع القوى السياسية فى الساحة ولابد أن يعلن مرسى عن عدم استبعاد تيار معين من التواجد على الساحة السياسية وبهذا الشكل ستؤمن مدنية الدولة ونخطى أولى خطوات الديمقراطية ونتجه لبناء المؤسسات على قواعد واضحة تستند لمدنية الدولة.
وأضاف عبدالوهاب إن كل هذه التحديات متوقفة على سير الرئيس القادم (مرسى) والقوى السياسية والمجلس العسكرى ومتوقفة أيضا على الخطوات الأولى التى سينتهجها رئيس الدولة. وقال د.أيمن إن مدنية الدولة تتحقق من خلال أدوار متكاملة من خلال الأدوار التى يقوم بها رئيس الجمهورية والتوزان بين السلطات وما نتمتع به من قيم مدنية.
∎ الدستور والممارسات هى الفيصل
ومن ناحية أخرى يوضح د.حسن سلامه أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن مستقبل الدولة المدنية يتحدد من خلال بعض المحاور وهى «ترجمة التعاهدات المقدمة من مرسى بالحفاظ على معالم الدولة المدنية إلى ممارسات فضلا عن «الدستور» لأنه من أهم العوامل التى تساهم فى إرساء دولة قانونية دستورية.
وأضاف د.سلامة معالم الدولة المدنية تتحدد من خلال تساوى المواطنين أمام القانون والدستور وحصول كل مواطن على حقوقه بغض النظر عن الجنس أو الدين. لافتا إلى أنه لايهمنا اسمÅالمرشح أو شخصه بل الأهم إرساء أسس دولة جددية، وممارسات وأداء «مرسىÅ للحفاظ على معالم الدولة المدنية.
وأضاف إن أهم ثمار هذه المرحلة هو إجراء «الانتخابات» وفوز أول مرشح مدنى، لافتا إلى أن الرئيس الجديد لن يستمر الى أبد الأبدين كما سبق، لأن الدستور قد تجد فيه بعض الأمور، ومن ثم قد يستدعى الأمر إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
وقال إن معركتنا الحقيقية ليست مقتصرة على اختيار الرئيس وشخصه كما يظن البعض «بقدر ما ستكون معركتنا الأساسية هى «الدستور» وكيفية وضع نصوص فى الدستور» وليس فقط مجرد نصوص بل الأهم من ذلك هو التطبيق حتى يتحقق مفهوم الدولة القانونية والدستورية. وقال إننا لا نريد مجرد نص، ولكن الأهم هو التطبيق وأن يكون الجميع أمام القانون وقال إن المعركة الحقيقية هى الدستور والجمعية التأسيسية بحيث لايكتب دستور لخدمة فئة أو تيار بعينه بل دستور دائم يخدم كل فئات المجتمع.
ولكن الحقيقة تشير إلى أن الدولة المدنية تعنى دولة «القانون» وحتمية حصول جميع المواطنين على حقوقهم ومزيد من الديمقراطية والمشاركة السياسية لكل الأطراف.
ولفت إلى أننى أتحفظ على مفهوم «مدينة الدولة» لأنه قد يستخدم أحيانا ضد الدين أو العسكر والأفضل هو التأكيد على «دولة قانون والدولة دستورية» ولعلنا نتذكر وثيقة الأزهر وما أكدت عليه من ضرورة تأسيس الدولة المدنية بمعناه «الدستورى والقانوى». وقال إننا فى بداية الطريق من خلال انتخاب رئيس مدنى جديد لأول مرة.
ولابد من اتخاذ خطوات مدنية لتأسيس الدولة المدنية أو الديمقراطية وذلك من خلال دستور حقيقى يكفل سيطرة للدولة وإعطاء فرص متساوية لكل الأطراف بصرف النظر عن الديانات ووالحصول على الحقوق وتشكيل الجمعية من جميع الطوائف والعلاقات بين السلطات ومؤسسة الرئاسة. لافتا إلى أن البداية الحقيقية للدولة المدنية كانت من خلال انتخابات رئاسية وبداية استحقاقات لمطالبنا بعد فترة سكون دامت61 شهرا.
ومن ناحية أخرى أوضح المفكر جمال أسعد أننا نعيش الآن حالة من «اللبث والالتباس» فعندما نقرأ تصريحات سابقة ل «محمد مرسى» تشير إلى ما قاله بأن الدولة المدنية ستكون ذات مرجعية إسلامية!! موضحا أن ما ذكره ليس له علاقة «بالمفهوم الليبرالى».
وأكد أسعد أن الفيصل لترسيخ الدولة المدنية والديمقراطية والحديثة هو «الدستور» وبدون ذلك سوف تنجح الدولة الدينية التى يصر عليها الأغلبية البرلمانية، ومن ثم فالأهم هو صياغة الدستور والتأكيد على مدنية الدولة «لافتا إلى أن الأمر ليس مرهونا بصعود مرسى رئيسا للجمهورية. وأضاف أننا الآن أمام معركة حقيقية ومهمة وهى الدستور من خلال التأكيد على الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية وذلك من خلال تنسيق جميع القوى السياسية فى هذا الصدد، ولكنا فوجئنا فى الخطاب الأول الذى وجهه مرسى للمصريين عقب فوزه بأنه تحدث عن الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة!! ولم يذكر على الإطلاق كلمة «مدنية».
وقال: إننا أمام مواقف متشابكة ومعقدة فنجد أنه تم إبطال الجمعية التأسيسية لأنها تضم أكثرية من الإسلاميين، مما كان يمثل خطورة على الدولة المدنية وهناك طعن على تشكيلها سوف ينظر فى بداية شهر سبتمبر. وقال إن الأمل فى أن تعمل التأسيسية الثانية وتبدأ فى إعداد الدستور لأنه هو الفيصل والضمان لتحقيق دولة مدنية. وأضاف إن الإعلان الدستورى المكمل يعطى الحق لرئيس الجمهورية الطعن على إحدى المواد التى تتعارض مع الثورة من ثم أيضا مع يتعارض مع الدولة المدنية.
∎ لدينا مخاوف
وأوضح المحامى بالنقض ممدوح رمزى أن الدولة المدنية الديمقراطية والتى تعنى فصل الدين عن الدولة وتفعيل مبدأ المواطنة والمساواة وأنه لايوجد فرق بين مسلم وغير مسلم بالإضافة إلى احترام الدستور والقانون وأنه لا تطبيق للشريعة الإسلامية إلا فى مسائل الأحوال الشخصية وأما غير المسلمين فيتم الاحتكام إلى شرائعهم وبالتالى فإن وجود الشريعة مقصور على الأحوال الشخصية. وأوضح أن لدينا قوانين كثيرة للتعامل بها، لافتا إلى أن اللجوء إلى غير ذلك المسلك قد يودى بنا إلى تقسيم الدولة، مشيرا إلى أن الإخوان يدركون حقيقة ذلك الأمر تماما. وأكد أن مصر دولة مدنية ديمقراطية يسودها الدستور والقانون. وأضاف ممدوح رمزى إن الدستور هو عقد اجتماعى قانونى وسياسى ويحدد ملامح الدولة وكيفية إدارتها.
مشيرا إلى أن ما يزيد مخاوفى هو أن محكمة القضاء الإدارى لم تفصل فى بطلان الجمعية التأسيسية للدستور ناهيك على تشكيلها أغلبيتها كان من التيار الإسلامى فكل هذه مخاوف وهواجس لابد أن تكون فى الحسبان. وقال إن الإخوان يدركون ما يوجد لدى العامة من مخاوف والتى قد تؤدى إلى تقسيم المجتمع وهو الأمر الذى قد يصل بالمسيحيين إلى أن يكونوا بداخل دولتهم الدينية ويتحولون لدولة داخل دولة، موضحا أن الأيام القادمة صعبة وقد تفرق الدولة فى دوامات الخلافات.
∎ لاداعى للعشيرة
أبدت الناشطة الحقوقية منال الطيبى مديرة المركز المصرى للحق فى السكن قلقها البالغ من خلو خطاب الرئيس محمد مرسى من ذكر «الدولة المدنية» وهو الأمر الذى يضع علامات استفهام كثيرة حول مستقبل الدولة المدنية فى مصر. وقالت إنه على الرئيس محمد مرسى أن يستقيل أيضا من الجماعة وأن يتحول خطابه الذى ألقاه على الأمة إلى «حيز الفعل وليس القول» لأن المصريين سوف لا يرحمون أى رئيس لا يحقق مطالبهم المشروعة فى حياه كريمة.
وطالبت الطيبى مرسى بعدم ذكر مصطلحات مثل العشيرة وغيرها فى خطاباته القادمة.