كعادة المتغيرات السياسية فى مصر.. نفاجأ دائما بالجديد وبما أننا على مشارف عصر السلفيين والإخوان المسلمين، فلا مانع من أن يرفض الدكتور محمد مرسى مرشح جولة الإعادة الظهور مع خصمه فى مناظرة واحدة والعكس صحيح، فبعد أن رفض أيضا الفريق شفيق المناظرة وقفت برهة وفكرت : يا ترى إيه السبب، يمكن ما بينكشفوش على بعض.
واحتار الناس معى فمن يختارون ؟! حتى استطاع أخيرا تليفزيوننا المصرى أن يجد الحل : مناظرة عن بعد، فكل طرف سيكون فى استوديو منفصل يحاوره مذيع مختلف فى نفس الوقت.
وهنا تساءلت : وهل هذه تسمى مناظرة ؟!! تفاجأت كثيرا عندما علمت بعقد مناظرة بين مرشحى جولة الإعادة وليس فى الخبر شىء فهذا يحدث. لكن ما استوقفنى هو طريقة المناظرة التى ستقام بينهما، فلأول مرة ستتم المناظرة عن طريق تسجيل حوارين منفردين لمرسى وشفيق وبعد ذلك سيعاد المونتاج، ويتم عرضهما كحلقة واحدة على هيئة مناظرة.
الحقيقة أن هذا الموضوع أقلقنى كثيرا على مستقبل بلدى، فكيف لمرشحين على منصب رئيس مصر القادم أن يصل بينهما الخلاف لهذه الدرجة ؟
∎ فن المناظرة
دفعنى الفضول للبحث والتدقيق بأسلوب علمى.. وبطريقة أعمق عن فن المناظرات، وأهم مكوناتها، وأيضا أركانها الأساسية.
فذهبت إلى د. فهد شاكر - أستاذ فن المناظرات بكلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر- والذى أوضحها قائلا :
أولا : المناظرة هى حوار بين شخصين أو فريقين يسعى كل منهما إلى إعلاء وجهة نظره حول موضوع معين، والدفاع عنه بشتى الوسائل العلمية والمنطقية، واستخدام الأدلة والبراهين على تنوعها محاولا تفنيد رأى الطرف الآخر، وبيان الحجج الداعية للمحافظة عليها أو عدم قبولها.
ويضيف د. فهد : للمناظرة نوعان: الواقعية، والخيالية مثل التى بين السيف والقلم.
والمناظرة التليفزيونية تكون بين طرفين متواجدين على أرض الواقع يتفاعلان عن طريق الحوار، والتواصل الذى يكون من خلال عمل إيجابى ينصرف إلى بناء الحجة والدليل. الثانى عمل سلبى يتعلق بإبطال حجة الآخر من خلال الأدلة التى يسوقها وسواء هذا أو ذلك، فهو يتطلب مهارة من المتناظرين فى توليد الأسئلة وترتيبها وبناء الحجج وصياغتها، وهذا يتطلب مهارتين مهمتين : مهارة السؤال، ومهارة بناء الحجة، ولعملية الحوار فى المناظرة عدة عناصر أو أركان أساسية :
المرسل أو المناظر الذى يدير عملية الحوار، والمستقبل وهو طرف المناظرة. وثالثا : بيئة المناظرة التى توفر الجو الهادئ للتفكير المستقل، ولابد من معرفة المتناظرين لموضوع المناظرة.
وأخيرا : أسلوب الحوار وأدواته. ومن البديهى أن نعرف الهدف من أى مناظرة وهو الكشف عن أبعاد شخصية المتناظرين وعن أوجه الاختلاف والخلاف فى نفوسهم، وكل ذلك من أجل الاختيار الأفضل.
ويؤكد د. فهد أن أهم قواعد المناظرة هى تخلى كل من الفريقين المتناظرين عن التعصب لوجهة نظر سابقة، وإعلان الاستعداد التام للبحث عن الحقيقة والأخذ بها وتقيد المتناظرين بالقول المهذب البعيد عن الطعن أو التجريح أو السخرية لوجهة نظر الخصم.
∎ المناظرات فى مصر :
ولمن لا يعرف فإن المناظرات فى مصر حديثة العهد، خاصة المناظرات الرئاسية فأول مناظرة سياسية رئاسية كانت مناظرة موسى وأبوالفتوح وكانت برعاية مؤسسات إعلامية تجارية، وبالتالى فقد فقدنا عنصر مصداقية مناخ المناظرة.
وكما رأينا فإن أسلوب المناظرة افتقد إلى أهم عنصر وهو عنصر البعد عن الطعن والسخرية والتجريح، ولم يدخل المشاهد فى صلب الأبعاد التى يريد أن يكتشفها فى شخصية المتناظرين. وبالتالى فقد كانت النتيجة متوقعة، فقد خسر المرشحان عددا كبيرا من مؤيديهما.
∎ ( مناظرة شفيق ومرسى ) :
فما بالكم بمناظرة لا تمت بصلة لأى نوع من أنواع فنون المناظرة فقد فقدت عنصر الواقعية، وتواجد المتناظرين أمام بعضهما البعض وبالتالى فهى لا تعتبر مناظرة على الإطلاق. لكن ما باليد حيلة، فذلك كان الخيار الوحيد حتى يستطيع المصريون الحائرون المفاضلة بين مرسى وشفيق من حسم موقفهم.
وهذا بعدما رفض د. مرسى الظهور مع الفريق شفيق فى مناظرة واحدة معللا بأنه لا يمكن أن يجلس فى مكان واحد مع قاتل الثوار فبينهما دماء. كما أصدر شباب الإخوان المسلمين بيانا هزليا على الفيس بوك يحذرون فيه مرشحهم من الظهور فى الإعلام قائلين : لو ظهر مرسى فى أى برنامج تليفزيونى.. سننتخب شفيق. وعلى نفس الشاكلة، فقد رفض الفريق أحمد شفيق إجراء مناظرة مع خصمه، لكنه أرجع السبب إلى عدم التطبيق السليم لقواعد فن المناظرة فى مصر. وانتهى الحال إلى قبول المناظرة لكنها مناظرة مسجلة.. أى ليست واقعية وهى بذلك تنافت مع قواعد المناظرة، لكن كما قلنا سابقا : ما باليد حيلة.