هن نماذج كثيرة لسيدات لم يستسلمن للظروف أو اكتفين بندب الحظ الذى لم يمكنها من أن تعمل بشهادتها لتساند زوجها أو الذى جعلها ترتبط بزوج ذى قدرات اقتصادية محدودة، كما أنها لم تفعل مثل الرجل وتذهب لتجلس على المقهى لتحجز لنفسها دورا فى طابور العاطلات بل كافحت وخلقت لنفسها فرصا جديدة تدر من خلالها دخلا لها ولأسرتها، وفى التحقيق التالى نماذج لهؤلاء السيدات اللاتى تحدين الظروف الاقتصادية والاجتماعية ليقتحمن مجالات عمل كثيرة طالما كانت حكرا على الرجل. تقول هبة الجبالى - تاجرة على الإنترنت - بدأت العمل فى مجال التجارة الإلكترونية منذ عام ونصف، حيث حاولت قبلها أن أعمل بشهادتى كخريجة لكلية الآداب، لكن عدم وجود فرص عمل حقيقية وضعف العائد المادى حال بينى وبين ذلك، ومع ظروف الحياة القاسية قررت أن أبحث عن أى مصدر رزق يحسن من وضعى الاقتصادى الصعب، وقد بدأت الفكرة عندما كنت أتصفح الإنترنت يوما فوجدت مواقع استيراد من الصين وتركيا، كما علمت بوجود موردين يمكنهم توريد البضائع المحلية لى بأسعار مناسبة تمكننى من تحقيق هامش ربح معقول عند بيعها، وهنا قررت أن أخطو الخطوة بأن أقوم بعمل صفحة لى على الفيس بوك أعرض من خلالها صور تلك المنتجات من ملابس وأدوات تجميل وغيرها ليتم بيعها لرواد الصفحة، ورغم كم الإحباطات التى تعرضت لها من زوجى ووالدتى، فقد توقعا لى الفشل وعدم الرواج لكننى تحديت كل هذه الإحباطات حتى أصبحت الآن من أشهر التاجرات على الإنترنت.
وعن الصعوبات التى واجهتها فى بداية مشوارها تقول: عانيت كثيراً من استغلال الموردين، بالإضافة لقلة رأس المال الذى كان لا يتعدى المائتى جنيه، مما اضطرنى فى البداية إلى أخذ بضاعة بالآجل وتسديد ثمنها بعد بيعها، كما عانيت من توصيل الطلبات بنفسى حيث كان أمراً مرهقاً للغاية، أما الآن فقد أصبح لى موردينى المعتمدون، كما أصبح يعمل معى من يقمن بتوصيل الطلبات مما سمح لى بخلق فرص عمل لأخريات، ونصيحتى لأى سيدة تفكر فى عمل مشروع تجارى خاص بها أن تبدأ ولا تلق بالإحباطات أى شخص، فالمرأة بطبعها لديها من الطموح ما يفوق الرجل بمراحل..
∎ امرأة تتحدى الرجال
دنيا كار - امرأة تتحدى الرجال - هذه الجملة المكتوبة على اليافطة الخاصة بأحد بأماكن تعليم قيادة السيارات هى أول ما يلفت نظر كل من يمر بشارع المطرية ذلك الحى الشعبى الذى يصعب كثيراً للمرأة فيه أن تتناقش مع الرجل لا أن تتحداه.
تقول دنيا: عشقت قيادة السيارات منذ الصغر، وبعد حصولى على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية قررت أن أنحى الشهادة جانباً لأعمل بهوايتى لا بشهادتى، وقد بدأت الأمر بأن أقوم بتدريب صديقاتى وتعليمهن القيادة، ثم عملت بأحد المراكز حتى انتهى بى الأمر منذ ست سنوات إلى افتتاح مركز خاص بى، وكثيراً ما تواجهنى صعوبات فى الشارع، فهناك من يطل برأسه من نافذة سيارته ليتهكم مطالباً إياى بالعودة للمطبخ والآخر «يكسر على» بشكل مفاجئ فى محاولة لإثارة ذعرى، أضف إلى ذلك محاربتى عن طريق الكتابة على جدران المنطقة عبارات تسىء لى ولطريقة تعليمى، وكنت فى البداية أتأثر بها بشدة لدرجة أننى كنت أتجول يومياً فى شوارع المنطقة لطلاء ما كُتب على الجدران من سباب وعبارات عدائية لى، أما الآن فقد اعتدت الأمر ولم أعد ألقى له بالا لاسيما بعد خبرتى الطويلة فى هذا المجال، ومعرفة الناس لقدراتى.
وعن شعار «امرأة تتحدى الرجال» تقول: لم أقصد أبداً من هذا الشعار عمل أى دعاية أو لفت للأنظار ولكننى كتبتها كرد فعل لما كنت أسمعه وأشاهده فى عيون الناس من أن «الستات مابتعرفش تسوق»، وقد هالنى ما علمته من أن المكتب الذى كنت أعمل به قبل افتتاح مكتبى الخاص يقول لمن تطلب مدربة أن الرجال أفضل وأن السيدات لا يتقن المهنة برغم أننى عندما كنت أعمل لديه كان يقول أن المدربة بسعر أعلى على اعتبار أنها ميزة يوفرها للسيدات. وعن إمكانية تدريبها للرجال تقول لى لم أقتصر فى تعليمى لقيادة السيارات على السيدات فقط، فأنا أفخر بأننى علمت كثيرا من الرجال أصول القيادة فى الوقت الذى فشل كثير منهم التعلم على يد نظيره الرجل، لكننى توقفت منذ سنتين وتخصصت فقط لتعليم السيدات منعا للقيل والقال، وتحاشيا لنظرة المجتمع الذى مازال أمامه فترة طويلة جدا ليعرف أن المرأة تماما مثل الرجل تحمل بداخلها نفس العقل والفكر.
∎ سواقة الهانم
شيرين سيدة تمتلك سيارة خاصة وبدلا من أن تجعلها وسيلة تنقل تسهل لها التنزه والتسوق فقط قررت أن تحولها لمصدر دخل لها ولأسرتها، وذلك عن طريق توصيل الأطفال إلى الحضانة، تقول بسبب الحالة الاقتصادية السيئة، وبسبب مللى من روتين الحياة اليومى ورغبتى فى الإحساس بكيانى قررت أن أعمل، ولأن لدى كثيرا من الالتزامات اليومية الخاصة بالبيت والأسرة كان من الصعب جدا أن أستقطع من يومى ست أو سبع ساعات أقضيها بعيدا عن أطفالى، حتى وجدت إعلانا عن إحدى الحضانات، ولم يكن مطلوبا بالإعلان سائقات، ولكننى اتصلت بهم لأعرض عليهم الفكرة التى لاقت كثيرا من الترحيب خاصة أن أهالى الأطفال يفضلون أن توصل أطفالهم سيدة، ومع حبى الشديد للأطفال وشعورى أن التجربة لن تجعلنى أخسر شيئا بالإضافة إلى تعودى على زحمة المرور وصعوبة التعامل مع الناس من خلال توصيلى لابنتى يوميا كل ذلك هيأنى لأن أتفوق فى مهنتى الجديدة، لكن أكثر ما يضايقنى هو طريقة تعامل بعض أولياء الأمور معى على أنى «سواقة» أعمل لديهم مع أن الحقيقة أن مركزى الاجتماعى والثقافى قد يفوق مركز الكثير منهم.
∎ الأفكار لا تنتظر
سارة رضوان خريجة فنون تطبيقية وتعمل فى صناعة الحلى وبيعها للمحلات والأفراد، تقول: تركت عملى بعد الثورة بعدة أشهر بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة التى اضطرت الشركة إلى أن تقوم بتصفية معظم موظفيها، لكننى قررت عدم الاكتفاء بالبحث فى جرائد ومواقع التوظيف عن فرصة جديدة، وبالصدفة أثناء زيارتى للقاهرة الفاطمية وجدت كثيرا من المحال التجارية التى تبيع الحلى بأسعار مبالغ فيها بالمقارنة بأسعار الخامات، فسألت نفسى لم لا أقوم بتصنيع إكسسواراتى بنفسى؟! لذا قدمت بعد عودتى للمنزل بعمل بحث وتحميل مقاطع فيديو لتعليم كيفية صناعة الحلى من خلال الإنترنت، فوجدته شيئا ممتعا جدا ومسليا ونتائجه أبهرت جميع من حولى، ومن هنا تحولت الفكرة إلى تجارة رابحة.
وعن الصعوبات التى واجهتها خلال عملها تقول: واجهتنى صعوبات عديدة، فمثلا يوجد تفاوت رهيب فى أسعار الخامات من مكان لآخر رغم أن الجودة واحدة، لذا لزم عليها البحث والتنقيب عن أرخص الأماكن، كما أن المجاملات التى تكون فى محيط الأصدقاء التى تضطرنى إلى تقليل الأسعار لدرجة تجعلنى أخسر أحيانا، أما المشكلة الرئيسية التى تواجهنى فهى كيفية تسويق منتجاتى على أوسع نطاق، لذلك أقوم بدراسة احتياجات السوق وأبحث عن أساليب تسويق جديدة، ونصيحتى لأى سيدة لديها فكرة جديدة أن تنفذها فورا، لأن الأفكار لا تنتظر وكلما تأخرت زادت المنافسة، وأصبح لزاما عليك أن تبتكرى أفكارا جديدة لتصبحى مختلفة.
∎ مجهود دون رأس مال
سحر - 48 سنة - أم مصرية خالصة تهتم بشئون بيتها وأولادها ولما كانت سحر «نفسها حلو» فى طهى الطعام قررت أن تستثمر تلك الموهبة وتحولها لمشروع عمل أكلات بيتى وبيعها للأسر فى العزومات والمناسبات، تقول سحر: منذ صغرى وأنا أتمنى أن يصبح لى مشروعى الخاص، وقد توجهت إلى الصندوق الاجتماعى لعمل مشروع من خلاله، لكنى اكتشفت أنه كذبة كبيرة كلفتنى أموالا طائلة بلا عائد، وبعد خسارتى الكبيرة لم أستسلم وفكرت فى مشروع يعتمد على المجهود وليس رأس المال، حتى إذا حدث لا قدر الله ولم أوفق لا أخسر شيئا فكان مشروع الأكلات البيتى، الذى اشتهرت فيه بشكل سريع أذهلنى شخصيا، فمن يتذوق من عندى أكلة يخبر الجميع، فتنهال الزبائن ليس فقط لإقامة عزائمهم، بل أصبحت أقوم بعمل العقيقة وبوفيه خطوبة العروسة وكافة المناسبات التى من الممكن إقامتها فى المنزل خاصة أن أكلى أرخص بكثير من المطاعم.
وعن الصعوبات التى واجهتها تقول: أصعب شىء هو التعامل مع الناس فهناك من يطلب كمية كبيرة من الطعام، وقبل ساعات قليلة من استلامه يعتذر عن استلامه أو يغلق هاتفه، وهناك من يستلم الطعام ويأتى بعد يومين ببقايا أحد الأصناف معلنا رغبته فى استرجاع ثمنه، لكننى الآن تعاقدت مع شركة توصيل حتى تجنبنى الاحتكاك المباشر مع صنوف غريبة من البشر، كما أننى حاليا أدرس فكرة أخذ عربون عند الطلب لضمان الجدية.
وعن المواقف الطريفة التى قابلتها تقول: مر علىّ الكثير من المواقف التى لا تنسى ولعل أبرزها هو موقف إحدى الفتيات التى تزوجت منذ عام وهى لا تجيد الطهى، ومنذ هذا التاريخ وهى تأخذ منى أسبوعيا أكلات متنوعة تكفى لمدة أسبوع تحفظها فى الفريزر، وتوهم زوجها وحماتها أنها تطبخ يوميا صنفا جديدة، وحتى يومنا هذا لم يكتشف سرها، ورغم أننى عرضت عليها أكثر من مرة أن أعلمها فنون الطهى وبأبسط الطرق، إلا أنها تفضل الحلول السريعة، فأنا أحب كثيرا أن أعلم الفتيات ليصبح ذلك بمثابة صدقة جارية لى بعد وفاتى فأفضل شىء ممكن أن أسمعه هو كلمة شكرا من فتاة تعلمت على يدى أو كلمة شرفتينى من عميلة اعتمدت علىّ ولم أخذلها.