كل مرة تذاع مباراة وأنا مع أبى فى سيارته ويهتم هو بمتابعتها عبر الراديو أجده يتذكر عندما لم يكن متاحا سوى الإذاعة لمتابعة أى مباراة ويحكى لى كيف كانت تخلو الشوارع وتصمت كل الأصوات إلا من عدد قليل من أجهزة الراديو يتجمع حولها مجموعة من عشاق الكرة ليستمعوا إلى «فهمى عمر» الذى كان يعلق على هذه المباريات، وأنا لم أحب أبداً كرة القدم ولكن قدرت وقتها حب الناس لمقدم برامج يأتى للناس بوجبتهم المفضلة فى وقت كان هو وسيلتهم الوحيدة لها، شرفت بمقابلة «فهمى عمر» الإعلامى الكبير صاحب الصوت الرخيم المميز، ركزت فى كل كلمة يقولها أثناء استماعى إلى حوارى معه لكتابته، استمتعت بكل دقيقة وأنا أسمع هذا الصوت فهو أشبه بسلاسل الذهب ينساب إلى الأذن بسهولة دون استئذان. مع الاحتفال بعيد الإذاعة المصرية كان يجب لنا أن نلتقى بواحد من روادها واحد أعمدة الإذاعة المصرى وأحد أشهر وأكثر الإذاعيين تميزاً ورئيس الإذاعة السابق، ليحكى لنا عن مشواره وتاريخه فى هذا الصرح الكبير، وعن أمنياته لهذا الجيل وتقييمه للأداء الإعلامى لبعض مقدمى البرامج.
∎ حدثنى عن بدايتك مع الإذاعة المصرية؟
- أنا فى مثل هذه الأيام عام 1950 دخلت الإذاعة أنا ومجموعة من زملائى من المذيعين للعمل كمقدمى برامج فى الإذاعة المصرية فبعد تخرجى من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، لم يكن فى ذهنى إن أعمل مذيعا ولكن هى الظروف التى دفعت بى إلى الإذاعة فأنا كان مصيرى أن أعمل كوكيل نيابة ولكنى التقيت أحد الأصدقاء فأخبرنى بأن الإذاعة أعلنت عن الحاجة إلى مذيعين ونصحنى بالتقدم وبالفعل دخلت وتم قبولى، وصدر قرار بتعيينى فى الإذاعة فى أول مايو 0591 ولم أعمل مذيعا إلا فى أغسطس 1591.
«بابا شارو» كانت له مقولة يقول فيها «إن المذيع الحق هو الذى يدخل مطبخ الإذاعة ليقدم وجبات إذاعية للمستمعين وليس مجرد قارئ للنشرة، وأنا كنت أريد أن أقدم شيئا مبتكرا وفيه اختلاق فأردت أن أقدم برنامجا وبدأت هذه البرامج بتقديم البرامج الرياضية بتقديم «الرياضة فى أسبوع» لمدة ربع ساعة، ومن حبى فى الرياضة أردت أن يكون برنامجى الأول رياضيا وأنمى فيه وأكبر فيه وحتى تركى للإذاعة عام 88 كانت شبكة تسمى شبكة الشباب والرياضة، ثم بعدها قدمت «مجلة الهواء» وبعدها «ساعة لقلبك» وهو من المدخلات التى جاء بها أستاذ أحمد طاهر الذى قدم البرامج الجماهيرية مثل «ساعة لقلبك، عالناصية، جرب حظك» وغيرها من برامج تعتمد على مشاركة الجمهور فى البرنامج، جاء من نصيبى برنامج ساعة لقلبك، وقتها بذلت كل جهدى فى التفتيش عن نماذج جديدة تثرى البرنامج مثل أبو لمعة والخواجة بيجو والفتوة وخيرية أحمد، وكل هذه النماذج أحبها الناس، وعاش هذا البرنامج فى كنفى عشر سنوات، وتركته فى قمة مجده لكى لا يبدأ فى الانحدار.
∎ هل اللهجة الصعيدية فى البداية كانت عقبة وقتها ؟
- وأنا حتى طالب فى الإسكندرية لم أنس أبداً لهجتى الصعيدية وعندما عملت بالإذاعة كانت عقبة فى البداية وأخبرونى بضرورة التمرن لأتحدث مثل القاهريين، ظللت مبعدا لمدة 51 شهر أجاهد لأتخلص من هذه اللهجة لأصبح مذيعا وقد كان بالإصرار والعزيمة عرفت كيف أكون مذيعا وأسلك طريقى هناك، وتلك الفترة التى استغللتها ما بين تعيينى وعملى الفعلى كمذيع استفدت منها بشكل لا يمكن وصفه، وكانت فترة ثرية جداً عملت فيها فى ما يسمى التسجيلات خارج الهواء، حيث نقوم بالتسجيلات مع الضيوف بدون أن نتكلم، وعلى الرغم من هذا فإن هذه الفترة وسعت لى دائرة معارفى بدرجة كبيرة جداً وتعرفت إلى مجموعة كبيرة من نماذج المجتمع من عباس العقاد، فكرى أباظة وفريد أبوحديد وعمالقة الفن التمثيلى يوسف وهبى وعمالقة الغناء أيضاً، لذلك عندما عملت مذيعا كانت معلوماتى ومعارفى كبيرة، لذلك أنا أدين لهذه الفترة بالجميل والحب والولاء، وكانت محطة جميلة فى حياتى.
∎ وما أهم المحطات فى تاريخك المهنى؟
- المحطة الأساسية التى أبرزت كيانى كمذيع هى استقبالى لثورة 32 يوليو 2591، فكنت أنا المذيع الذى قدر له التواجد فى الإذاعة فى الصباح الباكر لأجد الثورة فى مقر الإذاعة و أجد أنور السادات الذى قرأ البيان ومجموعة الضباط الذين أحاطوا الإذاعة لأكون أنا المذيع الوحيد الذى استقبل نسائم الثورة فى فجرها يوم 32 يوليو.
∎ أحدثت طفرة وتغييرا نوعيا فى برامج الإذاعة حيث قدمت أول برنامج رياضى عبر شبكة الإذاعة؟
- الإذاعة لم يكن بها برنامج رياضى يبنما كانت هناك برامج للشباب وبرنامج لركن الريف وبرنامج للمرأة وبرنامج للطفل ولكن لم يكن هناك أى برنامج عن الرياضة لذلك فى يوم من الأيام تقدمت بالفكرة عن برنامج نتكلم فيه عن النشاط الرياضى والرياضيين والأحداث الرياضية وأعطونى مساحة مقدارها 51 دقيقة فى مارس 45 ومع بداية 55 جاهدت لمضاعفة وقت البرنامج فأصبح نصف ساعة، ثم أخذنا خطوة أخرى وهى زيادة جرعة وصف المباريات، بعد أن كانت الإذاعة لا تذيع سوى ماتشات الدورى والكأس فقط، فبدأنا بإذاعة ماتشات الدورى العام، ثم بدأنا تقديم فقرة عن أخبار الرياضة فى السودان، ثم بدأت الرياضة فى الشبكات تزيد وتتطور حتى أصبحت إذاعة الشباب والرياضة ساعتين فى اليوم ثم أربع ساعات ثم 61 ساعة.
ومن الإضافات فى الإذاعة التعليق على مباريات الدورى العام فى كرة القدم وكنا نتسم بالحياد والموضوعية والمصداقية، وكنت أثناء تقديمه أتجرد من حبى لأى ناد وأقول الصدق وما يحدث امامى، وهذه أهمية مقولة «أن الإعلامى يجب أن يكون محايداً أمام الميكروفون أو أمام الشاشة» فيجب أن يخلع رداء التحيز لأى فرد أو أى فئة أو أى مجال، ويتكلم بمنتهى الشفافية ومنتهى الحيادية، ولعل هذا هو السبب فى استمرار هذا البرنامج لأنى لو كنت متحيزا لانصرف عنى مشجعو ناد عن الآخر، لكن هذا هو واجب الإعلامى بشكل عام أن يتحلى بالحيادية، لذلك كان عشاق الكرة فى العالم العربى ينتظرون هذا البرنامج ويستمعون إليه فى حينه وفى وقته، والبرنامج كانت مدته خمس دقائق وكنت أقدمه بطريقة معينة فلا يجوز مثلا أنا أقدم النتيجة له فقط بل يجب أن أشوقه حتى أقول له النتيجة فى النهاية.
∎ هل سحبت الفضائيات وبرامج التوك شو البساط من تحت الإذاعة، أم أن الإذاعة مازالت تحتفظ بجاذبيتها لدى مستمعيها؟
- لعل الناس قد يقولون إننى متحيز للإذاعة، فنعم أنا متحيز لها لآن «لحم كتافى من خيرها» الإذاعة هى وسيلة الإعلام الأولى فى العالم ويعرف الناس أى خبر عن طريق الراديو، والراديو هو وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها تستمعين إليه فى المطبخ، فى غرفة النوم ف السيار، وأنت تؤدين أى شىء خلال أى وقت فى اليوم بعكس التليفزيون الذى يجب أن تتهيئى لمشاهدته، وهذا هو سر جاذبية الإذاعة لذلك الراديو سيعيش ويظل وسيلة لا يسحب البساط من تحتها، وستقاوم التليفزيون بصورته الممتعة الجذابة التى أستحوذت على أهتمام الناس، ولكن مازالت الإذاعة هى الأنيس والجليس، وكذلك فهناك أوقات من اليوم مثلاً ترتبط بالاستماع للإذاعة مثل فترة استقبال اليوم فى بداية النهار، لذلك هناك أوقات معينة فى اليوم الراديو فيها هو سيد الموقف.
∎ فى الإعلام الرياضى الآن نجد بعض مقدمى البرامج الرياضية أصبحوا محللين سياسيين، ما تعليقك؟
- هذه قناة رياضية ما شأنها إذن بالسياسة، فأنا لا أتصور أن تنقلب الرياضة لتصبح سياسة، ولكن الإخوة الذين يعملون فى القنوات الرياضية أن يشعلوا الأمور فى السياسة كما أشعلوها فى الرياضة؟ فهم من ساهموا فى زيادة كرة النار حتى طالت الجميع وأصبحت جحيماً لا يطاق فى استاد بورسعيد، فحراما عليهم أن يتدخلوا أيضا فى السياسة، أنا أؤمن بالتخصص لذلك فالسياسة لها قنواتها الأخرى، والإعلام له قواعد ومعايير يدرسها من درس الإعلام، وليس كل لاعب كرة يعتزل يقف وراء الشاشة ويطلق على نفسه لقب إعلامى.
∎ كنت شاهدا على ثورتين واحدة منهما لم تكتمل حتى الآن ومازالت تتأرجح، ما السبب فى ذلك؟
- هؤلاء الشباب الثوار العبقرى الذين قاموا بثورة فريدة كيف فاتتهم عبقريتهم بأن يتوحدوا ويكونوا فى حزب واحد أو فريق واحد، فما أساء إلى هذه الثورة وهؤلاء الثوار أنهم أصبحوا شيعا وتشرذموا، ولو كان لهم قائد من البداية لكان هو من يقود الحركة الآن فى مصر.
∎ الإعلام المصرى هل أفاد الثورة أم أضرها؟
- بلا شك الإعلام كان له دور كبير جداً خصوصاً فى أيامها الأولى وجعل الكثيرين الذين لم يكونوا يعلمون شيئا عن الثورة أن يتحركوا ويشاركوا خاصة من هم فى أقاصى الصعيد وشمال الدلتا لذلك كان عاملا فاعلا فى إنجاح الثورة.
∎ ما الذى يجب أن يهتم به الإعلاميون المصريون؟
- يجب أن يهتموا أكثر بهموم الناس ومشاكلهم، وينقصنا أيضا مسالة البحث عن الخامات الجديدة والمواهب، فأنا ألوم على الإعلاميين فى الكشف عن مطربين مثل عبد الوهاب وأم كلثوم واكتشاف الخامات وتنقيتها .
∎ من من المذيعين تحب متابعته وترى أنه تتوفر فيه مواصفات الإعلامى الناجح ؟
- أحب معتز الدمرداش وعمرو الليثى.
∎ بصوتك المميز وجه رسالة من خلالنا إلى شباب ثورة يناير؟
- أنا أحيى هؤلاء الشباب وأقول لهم «اليتكم تتحدون كما كنتم متحدين فى ميدان التحرير، ياليتكم يلتئم شملكم كما التأم فى ميدان التحرير لكى تقودوا مصر، أنتم عدة المستقبل كى تقودوا مصر إلى عالم من الرخاء والعدالة الاجتماعية والحب بين الناس».