بعد معاناة ووعود وأحلام طال انتظارها.. أخيرا يتنفس أهل سيناء الحبيبة نسمات الحرية والشعور بالمواطنة وخاصة عندما يتملكون الأرض التى طالما وعدوا بأنهم أصحابها، ليأتى احتفالهم بعيدهم «عيد تحرير سيناء» 25 أبريل هذا العام مختلفا عن الثلاثين عاما الماضية، فهو يأتى حاملا معه لأهل سيناء الكثير من الحلول للمشكلات التى عاشوا فيها فى ظل النظام السابق وانتظروا أن تتحقق، وذلك بعد أن أصدرت حكومة د.كمال الجنزورى قراراتها بتملك الأراضى وتنمية سيناء زراعيا وعمرانيا وسياحيا وإنشاء جهاز خاص لتعمير سيناء وتنميتها ورفع الديون عن مزارعى سيناء.لكن يظل الحلم القومى لتعمير سيناء يحتاج إلى مبادرة قومية أو مشروع قومى حقيقى ومبادرات تشارك فيها كل الوزارات والهيئات والمجتمع المدنى لتصبح أرض الفيروز كما نحلم بها جميعا أرض الأحلام، أرض الخير. وأكد العالم المصرى وأستاذ الهندسة بجامعة «ووترلو بكندا» «محمد المصرى» أن أفضل طريقة لتعمير سيناء خلال 10 سنوات هى تأسيس شركة مساهمة مصرية لتنفيذ مشروعات التنمية ومتابعة تنفيذها، تساهم فيها الحكومة بنسبة «51٪» من رأس المال والأرباح ويطرح «49٪» من رأس مالها للاكتتاب العام أمام جميع المصريين.
وأوضح المصرى أن هذه الشركة هى البديل لوزارة السد العالى التى تولت إقامة مشروعات السد العالى فى الستينيات كأول نموذج حكومى للتنمية فى مصر، لكن الشركة ستتميز بكونها مستقلة عن التغييرات الحكومية من ناحية، وعن بيروقراطية التنفيذ الحكومى من ناحية أخرى بما يكفل لها تحقيق أهداف المساهمين التنموية والربحية بشفافية وبرامج زمنية محددة لتصبح أول نموذج مصرى للتنمية بمشاركة الحكومة والشعب مباشرة، على غرار المطبق فى العالم المتقدم الآن ونقصر التجربة الهندية والصينية والتركية فى التنمية.
وأشار د.محمد المصرى إلى أن إقامة هذه الشركة ستؤدى إلى توطين خمسة ملايين مصرى بسيناء خلال العشر سنوات القادمة، هذا فى الوقت الذى لا يتجاوز عدد سكانها الآن نصف مليون نسمة فقط، وذلك من خلال إقامتها لشركات صغيرة تابعة لها تتولى تنفيذ مشروعات توصيل المرافق لتخدم تنفيذ المشروعات الزراعية والصناعية والتكنولوجية والسياحية التى ستشرف عليها الشركة أيضا وفق خطة لإقامة مشروعات متخصصة تابعة للشركة الأم.
خطوات إنشاء الشركة القابضة العملاقة لتعمير سيناء ستعرض خلال أيام على اللجنة الوزارية لتعمير سيناء التى يرأسها الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء بتكليف من حكومة الجنزورى بحسب د.محمد المصرى العضو باللجنة.
∎ إنتاج الوقود الحيوى
من جانبه أوضح د.تاج الدفتار بوزارة الرى والموارد المائية إلى إمكانية تخزين مياه الأمطار والسيول فى سيناء عن طريق خزانات بين الصخور فى أماكن محددة تكفل استمرار وجود المياه طوال العام لخدمة مشروعات التنمية الزراعية والصناعية بدلا من إهدارها.. وهنا لفت د.عفيفى عباس عفيفى بمركز بحوث الأراضى والمياه والبيئة جامعة عين شمس إلى إمكانية استخدام هذه المياه فى إنتاج وزراعة محاصيل بهدف إنتاج ما يعرف عالميا ب «الوقود الحيوى» الذى يستخدم فى إمداد الطائرات والدبابات والسيارات وتزويدها بالطاقة مما يجلب المزيد من العملة الصعبة لمصر ويساهم فى النهوض بالاقتصاد.. واقترح د.عفيفى إنشاء محافظة ثالثة بسيناء تحت اسم محافظة وسط سيناء تهدف إلى تنمية مناطق سهل القاع ووادى الجريفى وشرم الشيخ لاستغلال المياه الجوفية قبل أن تتجه بحكم الجغرافيا إلى إسرائيل كما يحدث حتى الآن.
أما الخبير الهندسى «سيد الجابرى» فقد عرض خلال المؤتمر دراسة علمية جديدة شارك فيها كبار علماء مصر فى تخصصات الهندسة والإنشاءات والآثار وعلم النفس وغيرها تقترح إنشاء قناة مائية على غرار قناة السويس تربط بين طابا جنوبا والعريش شمالا، لتمر بها السفن العملاقة من البحر الأحمر إلى المتوسط لإنعاش سيناء اقتصاديا وعمرانيا وتكون القناة تحت اسم «قناة طابا - العريش» لتصبح طابا أكبر ميناء عالمى لاستقبال الحاويات وسلع الترانزيت، وتبدأ الاستفادة بها منذ مرحلة الحفر التى يتم استغلال نواتجها لإنتاج مواد البناء وتصديرها للخارج ثم إقامة مشروعات لتخدم عمل الميناء الكبير.
∎ إحياء الطرق التاريخية
ومن بين الدراسات التى نوقشت أيضا خلال المؤتمر والتى تهدف إلى تنمية سيناء عمرانيا واقتصاديا وسياحيا دراسة أثرية أعدها د.عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوزارة الآثار، تقوم على إعادة إحياء الطرق التاريخية فى شبه جزيرة سيناء والتى استخدمها المصريون منذ عهد الفراعنة واستخدمت فى التجارة وفى الحروب وفى الحج وفى الهروب من بطش الأمراء إلى مصر الآمنة. هذه الطرق كانت تمتلئ بالحياة والحركة التى لا تهدأ والآن يمكن أن تعود إليها الحياة مرة أخرى وينمو حولها العمران والمجتمعات العمرانية وتقام حولها المشروعات السياحية ويأتيها السائحون زائرين من كل مكان، الأمر ليس خيالا كما يؤكد د.عبدالرحيم وإنما نقدمه كدراسة متكاملة لمن يهمه الأمر وهم الحكومة المصرية والمستثمرون معا خاصة أن مؤتمر تعمير سيناء اقترح إنشاء شركة عملاقة تدير جميع مشروعات تعمير وتنمية سيناء تشارك فيها الحكومة بنسبة 15٪ من رأس المال ويشارك الشعب فى اكتتاب عام بالنسبة الباقية 49٪ حتى لا تتغير سياسة هذه المشروعات واستمرارها بتغيير الحكومات ولكن بجدواها الحقيقية.
وأوضح د.عبدالرحيم ريحان أن الطرق القديمة فى سيناء هى ست طرق، أقدمها طريق حورس الحربى الممتد من القنطرة حتى رفح شمالا واستخدم منذ أيام الدولة الوسطى «2133 - 1786ق.م» ثم الطريق الذى استخدمه قوم موسى فى رحلتهم من مصر إلى فلسطين، ويبدأ على بعد 53كم شرق السويس، عند منطقة عيون موسى وسانت كاترين والطور، ثم طريق العرب الأنباط التجارى الذى استخدموه خلال القرن السابع قبل الميلاد ثم طريق الحج المسيحى المعروف بطريق العائلة المقدسة وطريق الحج المصرى الذى سلكه وإلى الآن الحجاج المصريون والمغاربة إلى الأراضى الحجازية وأخيرا طريق جيوش صلاح الدين الأيوبى التى خرجت من مصر إلى بيت المقدس خلال الحروب الصليبية يبدأ من شرق السويس إلى قلعة الجندى «1187م» ثم وسط سيناء وقلعته الشهيرة بجزيرة فرعون بخليج العقبة.. وإحياء هذه الطرق يكون إما بإعادة رصفها أو استخدام وسائل نقل بينها ذات شكل سياحى مثل «التليفريك» ومشروع الصوت والضوء للتعريف بتاريخها، وتنمية الحرف القديمة وسياحة السفارى وترميم الآثار الموجودة بهذه الطرق وذلك من شأنه تنمية سيناء اقتصاديا.
وأكد اللواء مهندس محمد ناصر حسين رئيس جهاز تعمير سيناء أن التعمير فى سيناء قد تأخر كثيرا خلال السنوات الماضية حيث بلغ ما تم إنفاقه على تنمية شمال سيناء «4» مليارات جنيه من عام 1928 وحتى 2012م فى مجالات مياه الشرب والصرف الصحى والطرق وغيرها وهو رقم ضئيل جدا، وأوضح أن هناك العديد من المشروعات التى سيتم تنفيذها خلال الفترة القادمة وخاصة بعد قيام مجلس الوزراء بدراسة تمليك أبناء سيناء لأراضيهم، فتعمير سيناء أصبح مشروع ثورة 25 يناير فى جميع المجالات الزراعية والصناعية والسياحية والطرق والسكة الحديد.
وما هى إلا أيام قليلة تمر على انعقاد أول مؤتمر دولى يقام فى مصر الثورة لتعمير وتنمية سيناء لتأتى توجيهات ومبادرات الحكومة المصرية برئاسة د.كمال الجنزورى لتؤكد على حرص الحكومة على إنشاء جهاز خاص لتنمية سيناء حددت له ميزانية لتنفيذ المشروعات العاجلة والتى تتكلف 250 مليون جنيه منها مشروع لتدوير المخلفات بتكلفة 86 مليون جنيه وأخرى فى مجالات المياه والصناعات الحرفية وإنشاء قرية للصيادين والمشروعات الصغيرة والرى والنقل والزراعة.