في معرضه المقام حالياً بقاعة بيكاسو والذي يضم حوالي أربعين عملاً فنياً ما بين التصوير الزيتي والعجائن الرملية يطالعنا الفنان عبدالوهاب مرسي «1931» بمجموعة من الأعمال الفنية التي توثق تاريخه كفنان وتاريخنا كبشر عاشوا علي هذه الأرض منذ آلاف السنين صانعين تاريخ وحضارة. مازالت وستظل إلي أبد الآبدين تبهر العالم تتمثل هذه الحضارة في العمارة والنحت والتصوير فنجد أن عبدالوهاب مرسي يؤكد للعالم الذي يعرفه أكثر من معرفتنا به أنه ابن بار لهذا الموروث الفني الذي عاشة وتعايشة . فكانت هذه العجينة الإنسانية والفنية من ذلك الفلاح الآتي من محافظة الشرقية ومعايشته طوال ثمانية عشر عاماً كفنان موظف بمركز تسجيل الآثار يعيد صياغة أعمال الفن المصري القديم محققاً لخطوطها وتشكيلاتها علي الطبيعة بين أعمدة المعابد وجدران المقابر إضافة إلي موهبته الفطرية كل هذا جعل من عبدالوهاب مرسي نموذجاً للفنان الذي وعي موروث أجداده وعجن بحاضره ليخرج لنا فنانا تراثياًحداثياً. ما يصدمنا للوهلة الأولي في لوحات مرسي هو كثرة التقاطعات للخطوط والأقواس والتي تبدو وكأنها ملقاة علي مسطح اللوحة بشكل عفوي. لكن ما أن نمعن النظر في تكوينات اللوحات إلا وتنهال علينا تداعيات هذه المفردات لتكون جزءاً من شكل لم نره في النظرة الأولي وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي مدي معرفة هذا الفنان وتمكنه من الحسابات البصرية الدقيقة وتملكه لمفردات لا يدرك خباياها إلا هو، يساعده في ذلك استخدامه بالتة ألوان غاية في التناسق والصدامية في آن واحد فهو دائماً ما يفاجئنا بدرجات ألوان لا تتفق نظريا وكذلك تكويناته لكنه بحسه الفني يصيغها بمبررات بصرية لتخدم موضوع اللوحة متكئ علي غني اللوحة بتكثيف اللون مما يخلق ملمساً يثري سطح لوحته وتتضح قوة بناية التكوين ورسوخ خطوط الفنان أكثر في اللوحات المنفذة بالعجينة الرملية حيث يختفي اللون وتظهر الأشكال علي حقيقتها بنفس القوة والرسوخ . إضافة إلي مداعبة أبصارنا بالمستويات في البارز والغائر والذي اعتدنا عليه في النحت البارز الفرعوني لكنه هنا يعالج معالجة خاصة بالفنان لا ينسي أن يداعب أبصارنا بدخول اللون علي مسطحاته وهنا أيضا تبرز براعة هذا الفنان فهو يعرف جيداً متي يتحدث اللون ومتي يصمت، يقول الفنان الراحل حسين بيكار عن أعماله «بنفس البلاغة التي يتحدث بها عبدالوهاب مرسي من خلال عجائن الألوان يتحدث بلغة عجائن الرمل ويضفي في تجربته بعداً جديداً سواء في السطح أو الملمس. فذاكرته مازالت تعي أن التصوير الجداري القديم لم يكن تصويراً صرفاً ولا النحت البارز كذلك فقد كان التصوير الجداري عادة يصاحب النحت البارز ويذوب فيه بحيث نستطيع أن نقول إنه نحت ملون أو تصوير بارز ومن هذا المنطلق بدأ عبدالوهاب مرسي مرحلة جديدة تتصل بالتراث مستعيناً بالعجائن الرملية الخشنة في إضفاء شيء من البروز يتناغم فوق سطح اللوحة صعوداً وهبوطاً وفق تصميم يلتزم بالنهجة «الوهابية» نسبة إلي الفنان الذي عرف بها أسلوبه وبهذا يدخل عنصر الرمل الحقيقي كمنافس جديد للفرشاة أو يتحالف معها فيما يمكن أن نسميه «النحتصوير» ليكسب أعماله المزيد من الصلابة والوجود والخشونة التي تقتحم مشاعر المشاهد». بقي أن نذكر أن عبدالوهاب مرسي هو الفنان المصري الوحيد المذكور في عشر موسوعات عالمية كما أنه اختير من ضمن أحد عقول القرن ال«21» من قبل الموسوعة العالمية الأمريكية IBC.