حادث لم يسبق له مثيل ولا حدود له في الفظاعة قد وقع في الإسكندرية في الدقائق الأولي من هذا العام وفي بدء الاحتفال بقدوم سنة ميلادية جديدة تتزامن مع أعياد أقباط مصر والمسيحيين في هذا العالم ويحتفل به كل العالم مع اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأديانهم، حادث لم تعهده المدينة من قبل ، مدينة الإسكندرية التي كانت منذ عقود موطناً لكل الجاليات من دول حوض البحر الأبيض كانت لهم حياتهم الكاملة في شوارعها ونواديها وبين أهليها ، بل وكانت الإسكندرية وقتها قمة في النظافة والأمن وفي حسن المعاملة وحسن الجوار. لا أقول هذا من كتب التاريخ ولكنه من حقائق الواقع الذي عايشته منذ الطفولة وحتي مرحلة الشباب ثم بدأت مصائب حرب السويس وما بعدها ثم معركة التأميم أول الستينيات مما أدي إلي التخبط المصري العام وكراهية مظاهر الحياة في ظل كآبة أحوال المدينة بعد موجات الإهمال والتراخي والتدهور في كل مرافقها وفي سلوكيات قاطنيها من الوافدين الجدد من صعيد مصر وريف الدلتا فتبدل الحال غير الحال حتي بالنسبة لكل من يعيشون في خيال الثقافة والفن والزمن الجميل. بتململ من تلك التغيرات التي طرأت علي المدينة قاطنوها الأصليون من الأجيال ذوات الشعر الأبيض وتراجع الذوق العام وتواري التدين الوسطي الهادئ وتعالت الأصوات الزاعقة بين الناس، زادت معدلات العنف والعصبية والتعصب ورفض الغير ويشعر الكثيرون من أمثالي أنهم الأقلية في هذا الزمن، يجرفهم الحنين للماضي بما فيه من سماحة ووداعة وبساطة تشمل كل أبناء الوطن دون تمييز أو تفرقة. الحادث الذي وقع له قواعده الفكرية السقيمة والتي يتبناها المتطرفون الذين حملتهم تيارات خاطئة إلي آفاق غير مقبولة فكريا وثقافيا ودينيا وسياسيا ، هل من المعقول ما يقال بأن الاحتفال برأس السنة حرام وأن مشاركة غير المسلمين في أي مناسبة يعتبر من الكبائر، هل يجوز أن يبقي التمييز الديني هو السائد في مختلف جوانب الحياة، لو تبدلت رقعة الشطرنج ولعب أصحاب الأبيض بالأسود هل يرضون عن أحداث الحياة بهذه الكيفية؟. هل من المعقول أن يسعد الأهل بزواج ابنهم من فتاة أوروبية أو أمريكية بل ووصل الأمر إلي إسرائيل - ومازال الوطن يشتعل كل يوم من أجل ارتباط عاطفي وانساني بين عنصري الوطن؟!، هل يتأثر الوطن والوطنية وقوامها ثمانين مليون مواطن من خروج بضعة أفراد عن الإجماع العام للدين والوطن؟!، وللعلم هناك في دول كثيرة قصص ناجحة جدا عن الحب والزواج بين أتباع ديانات مختلفة والجميع يعيش في سلام ولم نسمع عن جرائم قتل لهذا السبب في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا والمجتمعات لا تتدخل في اختيار الأشخاص ولا حياتهم الخاصة بل وكثير منهم يبقي علي معتقداته بل وبين أهل مصر، شخصيا أعرف من بين أبناء جيلي حالات للزواج المختلط نتيجة عاطفة نبيلة وما زالوا يعيشون بيننا ولهم ذريتهم وصداقاتهم وحياتهم الهانئة رغم اختلاف التبعية العقائدية لكل منهم. الدين محبة وهذه هي فلسفة الدين المسيحي الذي يحكم تلافيف مخ أقباط مصر ولولا ذلك لحدثت في الأمور أمور لا تحمد عقباها، ولا تحسبن التطرف صناعة اسلامية فقط أو شكلية بالنقاب والحجاب وإطلاق اللحية ولبس الجلباب ولكن هناك تطرفاً في السلوكيات البغيضة من بينها التحرش بالأنثي والتدني في القول والفعل بين الشباب والفساد الروحي والمادي بين الناس. هل من المعقول في هذا القرن أن يكون هناك فوارق بين الناس علي أساس من اختلاف العقيدة رغم وحدة الخلق والخالق، ضاقت الآفاق العقلية للكثيرين فلم تستوعب أبعاد الحياة وتنوع العبادة ووحدانية المعبود، اختلاف اللغة وائتلاف المكتوب، ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة، لابد من تشديد العقوبة للمتورطين في هذا العمل وذلك لأن اختيارهم للكنيسة التي يواجهها مسجد وأيضا مستشفي هام يخدم آلاف المرضي ويتردد عليه المئات يوميا علي مدار الساعة وهو نفسه المستشفي الذي أجريت فيه عملية القلب المفتوح العام الماضي، هذا الاختيار لموقع الحادث به من المكر وسوء التقدير الكثير إذ يحمل كل المعاني الشريرة.