بينما بدأ العد التنازلي لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان بانتهاء فترة تسجيل أسماء الجنوبيين في الاستفتاء المقرر في 9 يناير .. رصدت "روزاليوسف" في جولة بالخرطوم " العاصمة السودانية " وفي مدينة جوبا " عاصمة الجنوب " أجواءً من التوتر والحذر بين الجانبين خوفا من ردود أفعال غير محسوبة في حالة إذا ما انتهي الاستفتاء بالانفصال . وبات مصير السودان ومستقبله بعد حدث 9 يناير الفاصل في تاريخه قضية تفرض نفسها علي كل سوداني بما في ذلك أن هناك تحركات جديدة من أطراف مختلفة مثل الحركات المتمردة في دارفور في طريقها للسير علي نهج الحركة الشعبية في طلب تقرير المصير أيضا .. وتنقل " روزاليوسف " في سلسلة حلقات من العاصمتين الجنوبية والشمالية الواقع علي الأرض وتداعياته بما فيها المصالح المصرية . في غضون ثلاثة أعوام فقط تودع مناهج المدارس الابتدائية بجنوب السودان اللغة العربية نهائيا بعدما أصبحت اللغة الانجليزية هي اللغة الرسمية الأولي وفي ضوء الاستمرار المؤقت بالتدريس باللغة العربية في الصفوف السادس والسابع والثامن الابتدائي بينما لا يعرف التلاميذ من الصف الأول وحتي الخامس الابتدائي تمييز حروف لغة الضاد التي تم إلغاء مناهجها لتدخل المناهج التي تعتمد علي اللغة الانجليزية وبعض السواحلية. جاء ذلك في حين بدأت المناهج الاسلامية التي كانت تدرس الي جانب المناهج المسيحية في المدارس الكنسية تتواري تماما خلف المناهج التربوية الأوغندية التي تمت الاستعانة بها مؤخرا إلا أنها لم تفعل بشكل رسمي حتي الآن.. وبعدما كانت غالبية المنح الدراسية للجامعات المصرية.. يتجه عدد ليس بقليل من أبناء الجنوب السوداني حاليا للدراسة بكمبالا في منح دراسية لأوغندا. وفي جولتنا بالجنوب السوداني للتعرف علي الحياة المدرسية في جوبا أخترنا أن نعيش يوما دراسيا كاملا مع التلاميذ بالمدرسة الملكية وهي أول مدرسة تأسست في العام 1946 في عهد الملك فاروق ملك مصر والسودان التي أرادها فاروق منبرا للعلم ولتعليم المناهج الاسلامية وكانت تدعم بجميع الامكانيات والآن هي احدي المدارس الحكومية بعاصمة جنوب السودان جوبا وهي أول مدرسة تم تأسيسها في الجنوب السوداني ولذا ظلت منذ هذا التاريخ من أعرق وأقدم المدارس الشهيرة وكانت تفتح أبوابها أيضا لطلبة الخلوة وهو مصطلح سوداني يعني الكتاب أي مقرأة لتحفيظ القرآن مثلها مثل حلقات الكتاب المنتشرة في القري المصرية لتحفيظ القرآن الكريم. بدأ اليوم الصباحي في الثامنة والنصف بالطابور المدرسي والطابور مازال باللغة العربية للجميع رغم ادخال قرار اعتبار الانجليزية هي اللغة الرسمية بالمدارس السودانية وكانت هناك التمرينات المعتادة في البداية.. مدرسة صفا مدرسة انتباه والصفوف جميعها كانت منتظمة ثم بدأت الاذاعة المدرسية وكانت باللغتين العربية والانجليزية وبعدها كانت تحية العلم السوداني ثم في النهاية كان النشيد الوطني حيث ردد الطلاب النشيد الوطني الرسمي حتي الآن والذي يرددونه للمرات الأخيرة قبل الاستفتاء علي تقرير المصير لجنوب السودان الذي سيتبعه تعميم نشيد جديد خاص بدولة الجنوب السوداني بعد انفصالها الذي بات حقيقة تقترب من الواقعية. وبأعلي صوتهم وعلي نغمات الطبول والاكسيليفون المدرسي ردد الطلاب نحن جند الله.. نحن جند الوطن.. نشتري المجد بأغلي ثمن.. نحن جند الله.. جند الوطن. وبعدها انتظمت طوابير الصفوف المختلفة بالسير خلف بعضها الي الفصول ولكن ما يثير الدهشة كان في ان الفصول المنتشرة في ساحة المدرسة لا تحيطها أي أسوار ومباني الأهالي لا تبتعد كثيرا عن الفصول التي كانت عبارة عن مبان صغيرة من طابق واحد تنتشر علي مساحة أرض واسعة ومن وقت لآخر تجد دراجة أو موتوسيكل يمر من داخل المدرسة كأنه شارع عمومي بل وهناك أيضا بعض النساء اللاتي يحملن جراكن من المياه فوق رؤوسهن تمر بالقرب من الساحة المدرسية المفتوحة. وكانت هناك مفاجأة أخري في جولتنا بالفصول حيث اختفت دهشتنا من تكدس الطلاب كأنهم في علبة سردين بينما لا يفصلهم عن السبورة سوي عدة سنتيمترات فضلا عن المقاعد الحديدية الصلبة غير المبطنة وذلك بعدما صدمتنا أحوال تلاميذ الصفين الأول والثاني الابتدائي حيث يجلس الأطفال أرضا علي البلاط منحني الظهور طوال اليوم الدراسي حيث لا توجد مقاعد مخصصة لهم لنقص الامكانيات فيما لا يحصلون علي امكانية الجلوس علي مقاعد الا بعد صعودهم للصف الثالث الابتدائي. ووفقا لمدير المدرسة محمد عيسي لاكو فإن المنهج الدراسي الأساسي للمدرسة الملكية كان هو التربية الإسلامية وجميع المناهج كانت تدرس باللغة العربية ومازال حتي الآن الطابور المدرسي باللغة العربية بينما أصبح المنهج المدرسي باللغة الانجليزية مؤخرا حيث تدرس الصفوف من الأول وحتي الخامس الابتدائي المنهج بالانجليزية بينما يدرس طلاب الصف السادس والسابع والثامن بالمنهج العربي. ويضيف مدير المدرسة الملكية: ان المنهج الآن هو ذاته المنهج القومي للجنوب السوداني واللغة الرسمية الأولي هي الانجليزية بدلا من العربية الا انه مازالت تدرس مناهج مادة التربية القومية والدين الاسلامي والمسيحي والرياضيات والعلوم والمواد الاجتماعية والتاريخ والجغرافيا والفنون التطبيقية فضلا عن كتابي نحن والعالم الاسلامي في الصف السابع ونحن والعالم المعاصر في الصف الثامن، واللغة العربية تدرس حصتين في الأسبوع فقط مشيرا الي أن المطبق حاليا هو منهج معتمد من منظمة الأممالمتحدة وهناك مناهج سواحلية لم تطبق بعد فضلا عن وجود تدريس للمناهج الأوغندية في بعض المدارس. ويشكو مدير المدرسة من أنها تعاني كثيرا في موسم الخريف، فالأمطار تكون غزيرة والمباني قديمة واحيانا يقتلع الهواء الأسقف الخشبية من فوق الطلاب حيث لم يتم تجديد المباني أو ترميمها منذ تأسيسها في عام 46 وهناك بعض الصيانات التي تقوم بها إدارة المدرسة للأجزاء التي تحتاج بشكل طارئ وعاجل لصيانة يتم توفير نفقاتها من رسوم مجلس الآباء السنوية، وهي لا تتجاوز 30 جنيها لكل طالب، بينما يصل تعداد الطلاب في الفصل الواحد نحو 211 طالباً وبما لا يسمح للمدرس بأن يجد مكاناً لوضع قدمه أمام السبورة المدرسية.. في حين أكد أنه لا توجد نسبة غياب أو هروب للتلاميذ خلال اليوم الدراسي رغم عدم وجود أسوار للمدرسة فإن هناك التزاماً من الطلبة باليوم الدراسي. وأوضح أن الفصل الدراسي 3 فترات في 8 شهور واليوم المدرسي 7 حصص للفصول في المستويات الأعلي وتصل مدة الحصة الي 40 دقيقة بينما يختلف الأمر للفصول في المستويات التعليمية الأولي وحتي الصف الخامس الابتدائي حيث لا يتجاوز عدد الحصص خمساً فقط، بينما اشتكي من ضعف نسبة النجاح بالمدرسة مشيرا الي أن ذلك أسوة بباقي المدارس الجنوبية، حيث لا تتجاوز نسبة النجاح في مدرسة الملكية 50% وفي أحسن أحوالها تصل الي 52%، وهناك أعداد كبيرة تدخل الاعادة وكل عام يتضاعف عدد أصحاب الاعادات الدراسية في الصفوف المختلفة.. لافتا الي أن الأغلبية التي تدرس بالمدرسة حاليا مسيحية والسنة الدراسية تبدأ من أول أبريل وحتي الثالث والعشرين من ديسمبر. واستطرد قائلا: هناك العديد من الشخصيات المرموقة في المجتمع الجنوبي تخرجت في مدرسة الملكية ومنهم الوزيرالسابق والعالم السوداني منير عوض وغالبية خريجي مدرسة الملكية يحصلون علي منح دراسية بالجامعات المصرية.