بينما بدأ العد التنازلي لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان بانتهاء فترة تسجيل أسماء الجنوبيين في الاستفتاء المقرر في 9 يناير .. رصدت "روزاليوسف" في جولة بالخرطوم " العاصمة السودانية " وفي مدينة جوبا " عاصمة الجنوب " أجواءً من التوتر والحذر بين الجانبين خوفا من ردود أفعال غير محسوبة في حالة إذا ما انتهي الاستفتاء بالانفصال . وبات مصير السودان ومستقبله بعد حدث 9 يناير الفاصل في تاريخه قضية تفرض نفسها علي كل سوداني بما في ذلك أن هناك تحركات جديدة من أطراف مختلفة مثل الحركات المتمردة في دارفور في طريقها للسير علي نهج الحركة الشعبية في طلب تقرير المصير أيضا .. وتنقل " روزاليوسف " في سلسلة حلقات من العاصمتين الجنوبية والشمالية الواقع علي الأرض وتداعياته بما فيها المصالح المصرية . تسببت هجرة التجار الشماليين من أسواق الجنوب في موجة من الغلاء ضربت أسواق جنوب السودان مما أدي الي ارتفاع في أسعار غالبية السلع الاستهلاكية باعتبار ان اسواق الجنوب تعتمد عليهم بشكل كبير. وبينما كانت الأسواق خاوية الي حد ما من حركة البيع والشراء في جوبا، بسبب ضعف الاقبال علي الشراء من الاسواق، اختلفت الأوضاع في الشمال وتحديدا في العاصمة الخرطوم حيث كانت الأسواق تعج بالحركة والباعة. وكشفت عدد من الصحف السودانية مؤخرا أن ارتفاع الأسعار في الولاياتالجنوبية بشكل مضاعف أدي إلي عودة أعداد كبيرة من الجنوبيين للشمال مرة أخري في أعقاب برنامج العودة الطوعية الذي قامت به حكومة الجنوب لإعادة جنوبيي الشمال لمناطقهم بالجنوب، واشارت الي ان عددا من المواطنين الجنوبيين بالشمال اكدوا عدم عودتهم للجنوب. وحسب التقارير المنشورة فإن رطل السكر ارتفع سعره ل (7) جنيهات، فيما بلغ سعر جوال الذرة (500) جنيه. سوقان للشمال والجنوب في الخرطوم وظهرت حركة البيع في الشمال بوضوح في السوق العربي بالخرطوم، وهو المعروف ببيع السلع الشمالية من العطارة والمفروشات وجميع السلع المعمرة، وجميع التجار به من الشماليين. وفي المقابل كان هناك تأثر في حجم البيع والشراء في السوق الأفرنجي الذي يبيع الملابس والأحذية وغالبية الباعة فيه من السودانيين الجنوبيين الذين يعرضون الملابس المستعملة المستوردة من البلاد الأوربية لبيعها. اللافت في اسواق الخرطوم هو فكرة الفصل بين اسواق الشماليين والجنوبيين بما يعكس بوضوح التفرقة في المعاملة منذ فترة، حيث يعتمد الجنوبيون المتواجدون في الشمال علي السوق الافرنجي بوسط الخرطوم لقضاء احتياجاتهم المختلفة، في حين يشهد السوق العربي إقبالا كبيرا من الشماليين دون الجنوبيين، والمثير في الأمر ان السوقين متجاوران في وسط العاصمة السودانية. ورغم هجرة عدد كبير من الباعة الجنوبيين الذين تركوا أماكنهم المخصصة علي أرصفته وعادوا الي جوبا، الا أن هذا لم يؤثر بشكل كبير في حركة البيع والأسعار، فمازال هناك الكثير من الجنوبيين الذين يأتون بالبضاعة بل ويتفاعلون مع الباعة الدخلاء من الجنسيات الأفريقية الأخري، وكذلك الباعة الشماليين الذين دخلوا بقوة لتعويض خروج الباعة الجنوبيين. ويروي ان الباقر ادريس - موظف من شمال السودان- أن السوقين العربي والافرنجي يعتمدان في الأساس علي تجار الشمال ومنتجاتهم إلا أن احتياجات المواطنين تختلف من سوق لآخر وعليه يتنوع اقبالهم حسب السلع والمتطلبات التي يريدون شراءها. السوق المصري في جوبا وفي العاصمة الجنوبيةجوبا هناك عدد من الأسواق، أبرزها سوق جوبا الكبير، وهو من أقدم الأسواق الموجودة هناك ، وتتم فيه أغلب الأنشطة التجارية بالجملة، وهذا السوق يعتمد عليه أهل الجنوب بشكل أساسي.. وهناك أيضا سوق الملكية وهو في منطقة الملكية التي كانت المقر الرئيسي للحكم العثماني وقت ان كانت السودان ومصر دولة واحدة.. وتعود نشأته إلي خمسينيات القرن الماضي، بحي الملكية الذي يحوي الكثير من المنشآت التي تعود لعهد الملك فاروق، وهذا السوق خاص بعرض الملابس والأحذية والهدايا.وحاليا يشتهر بالمفروشات الحديثة والستائر والأثاث المنزلي الخشبي والستائر، وتأتي إليه غالبية الفتيات السودانيات المقبلات علي الزواج مع أمهاتهن لاختيار جهاز العرس. وهناك أيضا سوق كونجو كونجو المعروف بالبيع بالتجزئة، وفي السنوات الأخيرة ظهرت كذلك أسواق شعبية كسوق كسطم وسوق الجبل وتباع بهذه الأسواق الحديثة كل السلع الاستهلاكية والتكميلية المستوردة. وإذا كان رواد هذه الأسواق الجنوبية غالبيتهم العظمي من الجنوبيين الذين يأتون للشراء فإن الباعة أصبحوا من جنسيات أفريقية مختلفة، حيث نجد الأوغندي والأثيوبي والاريتري، والكيني، والمدهش هو دخول عدد من الهنود والمصريين أيضا الي هذه الأسواق مؤخرا، حيث يأتون من بلادهم ببضائع استهلاكية لبيعها إما بالجملة لأصحاب المحال الأصليين وهم من السودانيين الشماليين أو يفترشون بها أرصفة الأسواق لبيعها بالتجزئة. وفي هذا السياق قال "أحمد"شاب مصري من الفيوم يتاجر في الأجهزة الكهربائية بالخرطوم انهم يقومون بشحن أجهزة كهربائية ومنزلية من الجيزة ويرسلونها للسودان بالطريق البري عن طريق حلايب ثم الي الخرطوم.. وبعدها يسافرون كمجموعة شباب لتوزيع هذه الاجهزة والمنتجات علي المنازل. وكشف أنهم يبيعون تلك السلع بالتقسيط الشهري حيث يقومون بالمرور علي البيوت شهريا لتحصيل الأقساط المتأخرة عليهم.. وأضاف أنهم في كل مرة يدرسون حالة السوق ويبحثون عن احتياجاته حتي يأتون بتلك البضائع من القاهرة، مشيرا إلي أنهم يركزون علي اسواق الشمال أكثر من الجنوب بسبب مصاريف الضرائب والجمارك العالية. هاجس الاشتباكات يسيطر علي الأسواق وفي جولة بأشهر الأسواق في العاصمتين الخرطوموجوبا، رصدنا أجواء التوتر والترقب للتجار من الشماليين في أسواق الجنوب خوفا من تجدد النزاعات وتردي الأوضاع الأمنية مما يهدد تجارتهم وحياتهم، بالاضافة الي شكوي من ضعف حركة البيع والشراء مقارنة بالأيام التي سبقت التسجيل للاستفتاء والتي شهدت اقبالا من النازحين الجنوبيين من دول الجوار والخرطوم لشراء المواد الاستهلاكية والأثاث. وتراجع الإقبال في المرحلة الراهنة بسبب موجة ارتفاع الأسعار التي اختلفت أسبابها حيث أرجعها البعض إلي هجرة التجار الشماليين للأسواق وإغلاق محالهم، وفي وجود ضعف للمعروضات، بينما بررها آخرون بأنها نتيجة ارتفاع تكاليف النقل، ومع وجود ضغط علي كافة المنافذ البرية والجوية في المرحلة الراهنة استعدادا لاستفتاء تقرير المصير. الكريسماس يشعل أسواق الجنوب ومن سوق الملكية بجوبا كان لنا عدة لقاءات مع عدد من التجار الشماليين الذين مازالوا يفتحون أبواب محالهم ولم يغلقوها أسوة بغيرهم من تجار الشمال وقال عبد العزيز محمد عبد العزيز تاجر شمالي وصاحب محل لبيع الأثاثات المنزلية والأقمشة في سوق الملكية بجوبا إنه لم يشعر الي الآن بأي توتر أمني يجعله يغلق أبواب المحل ويعود للخرطوم أسوة بغيره من التجار، مشيراً إلي أن الأوضاع إلي الآن لا تمثل قلقا. وأضاف أنه بالفعل هناك ارتفاع لأسعار السلع مقارنة بمثيلاتها في الخرطوم وخاصة الالكترونيات والسلع الكهربائية، وذلك بسبب تكاليف نقل هذه السلع ووجود ضريبة عليها الا أن هناك أيضا اقبالًا علي شراء السلع المعمرة نتيجة نزوح الجنوبيين الي جوبا من مختلف البلاد والخرطوم وحاجة السكان لاعادة تأسيس منازل جديدة لهم بموطنهم الأصلي. في حين أوضح بهاء الصديق ذ تاجر شمالي بجوبا أن هناك إقبالا كبيرا علي الأسواق من الجنوبيين في هذه الفترة بسبب اعياد رأس السنة والكريسماس، مشيرًا إلي أن ارتفاع الأسعار ياتي بسبب الترحيل والنقل والعتالة خاصة أن نقلها يأتي عن طريق الطيران. ورغم شكوي التجار الشماليين من ارتفاع أسعار المعيشة بجنوب السودان، وغلاء كافة السلع الاستهلاكية، مما يدفع الكثير منهم للعودة للخرطوم، الا أن جميعهم أقر بعدم تعرضهم لأيه متضايقات من أي نوع لا من الشعب الجنوبي ولا من حكومته.