في الوقت الذي تلاشي فيه الأمل في إمكانية إطلاق مفاوضات سلام جادة بين السلطة الوطنية وإسرائيل، شهدت الساحة الفلسطينية موجة جديدة من الأحداث المتتالية سواء بفعل الآلة العسكرية الإسرائيلية أو علي أيدي عناصر فلسطينية أدت إلي خلط الأوراق مجدداً بما يحمله ذلك من آثار سلبية علي البدائل الفلسطينية للتعامل مع المعطيات الجديدة التي تفرضها إسرائيل علي الأرض، وعلي الرغم من تعدد أبعاد هذا الملف فإنه قد يكون من المفيد تركيز الأضواء علي ثلاث نقاط علي النحو التالي: 1-عشية الذكري الثانية للحرب التي شنتها إسرائيل علي قطاع غزة، تصاعدت حدة التوتر بين إسرائيل والقطاع، في ظل استئناف إطلاق الصواريخ من قبل بعض التنظيمات الفلسطينية انطلاقا من غزة، وتصعيد الطيران الإسرائيلي من هجماته علي مواقع بالقطاع، وبالرغم من أن مثل هذه المواقف تعتبر من قبل الأمور الروتينية التي تعودت عليها المنطقة، فإن التصريحات التي رافقتها علي لسان المسئولين الإسرائيليين استرعت الانتباه، وبصفة خاصة تلويح رئيس الأركان، جابي أشكينازي، بشن هجمات قاسية علي قطاع غزة، وتصريحاته مؤخرا أمام لجنة الأمن والخارجية التابعة للكنيست حول تطور نوعي في القدرات القتالية للمقاومين الفلسطينيين والتي تمثلت في استحواذهم علي صواريخ "قورنت" الروسية الصنع واستخدامها بنجاح في إعطاب أحدي الدبابات الإسرائيلية، وجاء التحرك السياسي من قبل إسرائيل والمتمثل في تقديمها شكوي إلي مجلس الأمن مطالبا بتوجيه رسالة واضحة وقوية لمواجهة الموقف، ليشير إلي مسعي ضمني لتهيئة الأجواء لضربة عسكرية جديدة تحت ستار الدفاع عن النفس. 2- مما لا شك فيه أن هناك ارتباطًا واضح بين تصعيد حدة اللهجة السياسية تجاه "القوة المسيطرة علي القطاع" من جانب، وتزامن الغارات الجوية مع معلومات حول نشر كتيبة مدفعية علي حدوده مجهزة نظام لحمايتها من الصواريخ من جانب آخر، بالموقف الذي تمر به الجهود الرامية إلي التوصل إلي تسوية للصراع، وفي هذا السياق فإنه لا يمكن استبعاد مقولة السعي للفت الأنظار بعيداً عن المأزق السياسي لعملية التفاوض، واستئناف إسرائيل بقوة لنشاطاتها الاستيطانية في القدس ومناطق من الضفة الغربية، بهدف تخفيف من وطأة العزلة السياسية التي تحيط بها من جراء تعنتها في التفاوض وإصرارها علي استبعاد ملفات حساسة منها، ومن ثم إعادة خلط الأوراق مجدداً لتختفي ورقة الأرض وما يرافقها من إدانات دولية للممارسات تقوم بها إسرائيل، وتبرز مجددا ورقة الأمن التي تعيد صورة إسرائيل المعرضة للتهديد إلي الصدارة بما يعنيه ذلك من استثارة عقدة القرن الماضي لدي الغرب إزاء مأساة الشعب اليهودي إن الحرب العالمية الثانية. 3-جاءت التطورات علي الساحة الفلسطينية الداخلية لتسير في اتجاه الذي تفضله إسرائيل؛ فبعد فترة ساد فيها الاعتقاد بأن هناك تحركات صادقة تجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية، سرعان ما عادت الأمور لتنحو منحي التصعيد علي خلفية ملف المعتقلين لدي كل من الطرفين الرئيسين للمعادلة السياسية الفلسطينية: حركتي فتح وحماس، وهو ما أدي إلي ربط حركة حماس عودة الحوار بين الطرفين بمعالجة موضوع السجناء الفلسطينيين في سجون السلطة في الضفة الغربية. ومع عودة هذا الملف ليطفو علي السطح كان من الطبيعي أن يتم تبادل الاتهامات بين الطرفين وصبغها بصبغة سياسية. فمن جانبها تضع حماس تحركات فتح في خانة التنسيق الأمني مع العدو، في حين يؤكد أنصار حركة فتح أن حماس تفتعل الأزمات كلما اقترب الطرفان من عقد جولة جديدة من الحوار لأجل المصالحة. وبغض النظر عن مدي صحة هذه المقولات تبرز حقيقة واضحة تتمثل في صعوبة تحقيق المصالحة التي تعتبر شرطاً ضرورياً وإن كان ليس كافياً لتحديد مستقبل القضية الفلسطينية. وإزاء هذه المعطيات، تتزايد الصورة تعقيداً، وتبدو التسوية أمراً مطلوباً ليس فقط مع إسرائيل وإنما كذلك بين الفلسطينيين أنفسهم بشكل خاص، وبين التوجهات العربية المتضاربة بوجه عام.