يقول المثل الشعبي "الغريق يتعلق بقشة" هذا هو حال الفلسطينيين اليوم، بعد سلسلة من العذابات المتتالية التي لم تبق ولم تذر في كل مناحي الحياة، حصار وتجويع وقمع وفقر طال كل شيء، فجاءت المصالحة اللبنانية لتجدد الأمل في نفوسهم، فربما يشعر الفرقاء الفلسطينيون بالغيرة من اخوانهم اللبنانيين ونحذوا حذوهم، ويتعلمون العبر مما جري في لبنان لتكون بداية علي الطريق الصحيح، والتحريض علي بذل المزيد من الجهد لاغلاق جرح غزة النازف، الذي يدفع الفلسطينيون ثمنه باهظا حتي الآن من افتراق سياسي واجتماعي واقتصادي بين شقي الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة. ربما حركت اهواء المصالحة اللبنانية بعد مخاض عسير أطراف فلسطينية معينة لتري أن المشهد اللبناني سيطرح ويخيم بدروسه واستنتاجاته علي القرارات والاجتماعات الفلسطينية، فهناك شعور قوي بالغيرة من نجاح المصالحة اللبنانية قبل أن يتوصل الفرقاء الفلسطينيون الي مصالحة مماثلة أو شبيهة، خاصة أن المصالحة اللبنانية قد انجزت بفضل جهد عربي، لابد أن يحرص الفلسطينيون عاطفيا وسياسيا واخلاقيا علي مزيد من بذل الجهود لاغلاق جراحهم المؤلمة والتي أوصلتهم الي حالة من الطلاق السياسي عكس نفسه علي أجواء الوفاق التي جعلت اسرائيل تخترق حالة استقرارها وتستغلها لصالحها أسوأ استغلال. لقد ايقظت المصالحة اللبنانية في نفوس الفلسطينيين عزيمة وتصميما للبحث عن حلول ممكنة لما بدا مستعصيا في الفترة الأخيرة خاصة بين حركتي فتح وحماس وعادت المبادرة التي أطلقها منتدي فلسطين للمصالحة الوطنية قبل نحو شهرين للصدارة في محاولة لرأب الصدع في جدار الوحدة الوطنية الفلسطينية التي مزقتها الخلافات والاطماع السلطوية والنزعات الأحادية بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن، لمجرد تحقيق مآرب فصائلية أو حزبية ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع. المبادرة التي قدمها المنتدي تتكون من ثلاثة اقسام الاول يتضمن الأسس والمبادئ التي ترتكز عليها إذ تؤكد أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني أو الطرف المسئول عن السلطة الوطنية، كما تؤكد مواصلة الكفاح لتحقيق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والذي يعني حقه في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة علي الاراضي التي احتلت عام 1967، بما في ذلك القدس، كما يعني ايضا حقه في العودة والتعويض وفقا للقرار 194، وحقه وقواه الوطنية في مقاومة الاحتلال بجميع الاشكال التي يقرها القانون الدولي، شرط ان تكون هذه المقاومة في اطار استراتيجية وطنية واحدة ومرجعية واحدة ولها صلاحيات تحدد اشكال المقاومة المناسبة في كل مرحلة. ويتضمن القسم الثاني عناصر المبادرة التي تنص علي ضرورة موافقة حماس علي ان تقوم وضمن رؤية متكاملة سيتم تطبيقها بشكل متزامن بالتراجع عن نتائج الحسم العسكري وذلك في سياق خطة متكاملة تضمن اعادة الاعتبار والفعالية للهيئات الشرعية وأهمها السلطة التشريعية المجمدة والتأكيد علي تفويض الرئيس محمود عباس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني علي أن يعرض ما يتم الاتفاق عليه علي المجلس الوطني بتشكيلته الجديدة أو علي استفتاء شعبي. والقسم الثالث من المبادرة يتضمن الآليات والإجراءات إذ يقترح أولا وقف الحملات الإعلامية والتحريض وإطلاق المعتقلين السياسيين وعدم اعتقال أي إنسان علي خلفية سياسية، والتراجع عن الخطوات والمواقف والمراسيم المقيدة للحريات الفردية والعامة. هذه المبادرة بعناصرها الثلاثة بما تشمل من تفاصيل كانت قد واجهت الاعتراضات فيما مضي، لكن يبدو أن أجواء المصلحة اللبنانية قد فتحت شهية جميع الأطراف بإعادة تفعيلها، وكما نقل عن رئيس المنتدي رجل الأعمال منيب المصري، فإن تحركاته الحالية تأتي في إطار إحياء المبادرة من جديد، وهو بدوره قد تحدث عنها مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وذهب إليه في دمشق وأبدي الأخير استعداده للتعاطي ايجابيا معها، كما تحدث مع الرئيس محمود عباس الذي أعرب عن ارتياحه لها، وهناك نسخة أرسلت إلي رئيس الاستخبارات المصرية الوزير عمر سليمان وإلي الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي علي أمل أن تعتمد هذه المبادرة عربيا وتلاقي الترحيب والمباركة والسعي الدؤوب لتنفيذها علي غرار مع حدث في لبنان. وفي ضوء التطورات المتلاحقة علي الساحة السياسية المأذومة في إسرائيل وتوجه الجهد للمفاوضات علي سوريا والابتعاد كليا عن المسار الفلسطيني والرغبة في تجميده، فإن مبادرة من هذا النوع لابد أن تلقي الترحيب الفلسطيني أولا والموافقة المبدئية علي الأخذ بمحتواها والبناء عليه لجسر الهوة بين الأطراف المتخاصمة خاصة أن إسرائيل تعمل من جانبها علي الاستفادة القصوي مما هو حادث علي الساحة الفلسطينية من تشرذم وانقسام عصف بالوحدة الوطنية التي كانت مثالا يحتذي به، كما أن السير الإيجابي في مفاوضات الحل الدائم التي بدأت بعد مؤتمر أنابوليس منذ ما يزيد علي ستة أشهر لم تحقق تقدما جديا، بل بالعكس هو ما يتسرب عنها، والمعلومات تشير إلي أن الموقف الأمريكي في الزيارة الأخيرة للرئيس عباس لواشنطن قدم عرضا يمس بشكل جوهري مضمون الحل الدائم حول الدولة الفلسطينية أرضا ووحدة ترابية، وأكد ذلك خطابا بوش الشهيران قبل أسابيع قليلة ما زاد الطين بلة، وأوضح النوايا الأمريكية بما لا يدع مجالا للشك، الأمر الذي كان سبب جوهريا ليس فقط في إعلان الرئيس عباس عن خيبة أملهم من المحادثات بل فقدانه الزمل للمرة الأولي منذ توليه الرئاسة حول جدوي التفاوض. لقد نجحت إسرائيل بامتياز ليس بالتلاعب بين المسارين الفلسطيني والسوري فقط، بل إنها أضافت لهما نجاحا آخر بمحاولة فتح مسار تفاوض آخر علي الفلسطينيين علي النقيض من المسار الجاري علي السلطة الفلسطينية وذلك للتلاعب بهما والتخلص منهما علي حد سواء. وهنا نعود مجددا للسؤال الحائر منذ زمن: ألم يحن الوقت بعد للشرعية الفلسطينية أن تعيد صياغة أوراقها للمعركة الأساسية وهي الدفاع عن الوطن قبل الضياع الجديد؟!