* عام مضي علي تغيير الخريطة الجيوسياسية للمجتمع الفلسطيني بشقيه في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أن حسمت حركة حماس أمرها، وانقلبت علي الشرعية الوطنية للسلطة الفلسطينية بما اسمته ب "الحسم العسكري".. عام مضي وكأنه دهر من العذاب والأرق والفقر وافتقاد الأمل بين جموع الفلسطينيين الذين مزقهم الحصار وأعياهم الفقر وأماتهم الجوع والمرض وكسرهم شقاق الفرقاء بعد أن كانت الوحدة أكثر ما يميزهم ويقويهم علي أعداء وطنهم حين جمعهم هدف المقاومة، ووحدهم الاستشهاد في سبيل الحرية وإعلان الدولة الحلم الحي لدي كل فلسطيني مازال قلبه ينبض بالحياة مهما وهن. إذاً عام كامل من سيطرة حركة حماس علي قطاع غزة بالقوة في عملية دامت أقل من أسبوع ألحقت خلاله الحركة هزيمة ساحقة بقوات حركة فتح والسلطة الوطنية والأجهزة الأمنية وبسطت سيطرتها بالكامل عليه في خطوة فاجأت الأوساط الفلسطينية قبل الإقليمية والدولية وعلي رأسها إسرائيل، ومنذ ذلك الحين دخل المجتمع الفلسطيني بجميع أطيافه السياسية في دوامة التمزق والتشرذم والانحسار السياسي الداخلي والخارجي والعزلة والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية المتتالية، وعلي الرغم من أن حماس تزعم أن عمليتها العسكرية جاءت استباقاً لانقلاب كانت تخطط له فتح للالتفاف علي النتائج الانتخابية التشريعية التي أوصلتها للمجلس التشريعي ب 74 مقعداً لعدم مشاركتها في النظام السياسي الفلسطيني، إلا أن ما حصل شكل علامة فارقة في العلاقات الداخلية، وسابقة في حل الخلافات السياسية، وأدي في النهاية إلي انهيار الهرم الاجتماعي الداخلي الذي كان متماسكا علي هدف واحد هو الوحدة والمقاومة لدحر الاحتلال، ومنذ ذلك الحين والقضية الفلسطينية آخذة في التراجع محليا ودوليا، وإسرائيل بدورها تغذي هذا الطلاق السياسي المفاجئ وتعمل علي تعزيزه بكل السبل المتاحة، وتجند كل دهائها السياسي ومكرها العسكري لترسيخ حالة الفصل الحادثة وجعلها أمراً واقعاً لابد من التعامل معه كحقيقة لابد منها بهدف إضعاف البنية السياسية الفلسطينية وبالتالي الانفراد بالطرف الأضعف وتمرير ما تراه متوافقاً مع أهدافها ومصالحها السياسية والاستراتيجية، وساهم في تغذية وتصاعد هذا الأمر الدعم الأمريكي اللامحدود لما تراه إسرائيل مناسبا لها رغم الوساطات الحثيثة التي تبذلها الإدارة الأمريكية ظاهرياً كي يتوصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلي حل للصراع القائم بينهما ويتوج بإعلان الدولة الفلسطينية المنتظرة والتي طال انتظارها دون أمل في تحقيق هذا الهدف. الطلاق السياسي الذي هز كيان المجتمع الفلسطيني أدي إلي وجود سلطتين إحداهما في الضفة بقيادة الرئيس المنتخب محمود عباس وتشكيل حكومة طوارئ برئاسة الدكتور سلام فياض، وأخري في غزة بقيادة رئيس الحكومة المقال إسماعيل هنية ومنذ ذلك الوقت وحالة الفوضي والسجال السياسي والتراشق الإعلامي وإلقاء التهم بين الطرفين لا تنتهي، ورغم تدخل أطراف إقليمية وعربية عديدة لرأب الصدع الذي شق جدار الوحدة، وكان لمصر نصيب الأسد فيها إلا أن ما يحدث حتي الآن لا يدعو إلي التفاؤل لجسر الهوة السحيقة بين الطرفين، وأثناء ذلك برزت ظواهر سياسية واجتماعية شديدة الخطورة وكان لسكان قطاع غزة نصيب الأسد في تحمل تبعاتها وأعبائها، ووسط هذه التجاذبات حاولت كل حكومة أن تفرض سيطرتها علي مقاليد الحكم، فمارست ما مارسته من قمع واعتقال وقطع رواتب، وردود أفعال متبادلة لا تخدم بأي حال مصلحة الوطن الشعار البراق الذي رفعه كلاهما دون تحقيق حدوده الدنيا. قيل إن حكم حماس في غزة فرض استتباب الوضع الأمني، واختفاء المظاهر المسلحة.. مظاهرة اطلاق النار وخطف المواطنين والصحفيين الأجانب، لكن رغم ذلك برزت ظاهرة خطيرة للمرة الأولي في القطاع، وهي الاعتداء علي مؤسسات وجمعيات ومدارس ومراكز تعود إلي المسيحيين في القطاع ووصلت حد القتل علي خلفية دينية من متشددين إسلاميين يعتقد أنهم مازالوا طلقاء، واللافت أن حكومة هنية أظهرت تقاعسا في اعتقال مرتكبي هذه الجرائم التي هددت النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي والعلاقات التاريخية بين مسلمي ومسيحي فلسطين، كما برزت ظاهرة أخري لا تقل خطورة عن الأولي تتمثل في تشكيل مجموعات مسلحة دينية متشددة أطلقت علي نفسها أسماء مختلفة أخذت تترعرع في ظل حكم حماس، مما عزز المخاوف والهواجس ليس لدي المسيحيين فقط بل في المجتمع الفلسطيني ككل.