* يستقبل الفلسطينيون العام المقبل والكثير من الأسئلة لم تجد طريقا لإجابتها بعد، ماذا عن التهدئة مع إسرائيل؟ وماذا عن الحصار الذي عصف بحياتهم؟ وماذا عن الانتخابات العامة المبكرة؟ وهل سيستمر الرئيس عباس في منصبه أم أنه سيودعه قريبا؟ وما هو مصير الانقسام الجيوسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وهل سيسفر الحوار الوطني الفلسطيني الذي سيستأنف قريبا في القاهرة عن اتفاق مصالحة ترحم الشعب من عذاباته اليومية والحياتية التي تفوق بكثير ما سببه لهم الاحتلال خلال أعوام طويلة من احتلاله لأراضيهم...إلخ. كل هذه وغيرها أسئلة يحار فيها العقل ولا تجد إجابة شافية أو حتي مطمئنة لكل من تراود ذهنه الذي انهكه التفكير دون جدوي؟ ان في كل سؤال من هذه الأسئلة ملف مليء بالألغام والمفاجآت ولا أحد يستطيع التكهن بما يمكن أن يصبح عليه العام المقبل مع توديع الأيام الأخيرة من العام الحالي، فحالة الارتباك والفوضي والحذر والقلق كلها أسباب موضوعية ليختلط فيها الممكن وغير الممكن حتي بات من المستحيل التيقن مما هو ممكن ومتاح ومما هو يستحيل تحقيقه، لذا فهو متروك لعنصر المفاجأة كي تتولي نتائجه أياً كانت!! ربما تكون التهدئة مطلبا وطنيا فلسطينيا يجمع عليه الفلسطينيون علي غير طبيعتهم وإن كان أيضاً هو مطلب إسرائيلي، لذا وبموجب معلومات وصلت للقيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل مفادها أن حماس قررت مواصلة التهدئة دون الإعلان رسميا عنها. لكنها تعتزم رفع التسعيرة التي ستجبيها من إسرائيل علي أي تحرك عسكري للجيش الإسرائيلي داخل القطاع، فإن باراك وزير الدفاع الإسرائيلي معني هو أيضا باستمرار التهدئة كونها مصلحة إسرائيلية بحتة كما هي مصلحة فلسطينية، لكن احتمال تصعيد عسكري في القطاع لايزال قائما.. ورغم هذه المخاوف من اعتداءات عسكرية إسرائيلية محتملة يبقي حال السلطة الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه، فالأزمة الدستورية التي تعيشها السلطة الفلسطينية بسبب الانفصال السياسي والجغرافي الناجم عن سيطرة حماس علي السلطة في قطاع غزة جعل الرئيس محمود عباس يجد نفسه أمام خيارات صعبة ربما يكون أقلها صعوبة إجراء الانتخابات، فمن جهة يبدو انهاء الانقسام عبر اتفاق المصالحة الوطنية صعبا، إن لم يكن مستحيلا في هذه المرحلة بسبب الهوة العميقة وأزمة الثقة بين حركتي فتح وحماس ومن جهة ثانية تواجه السلطة أزمة دستورية ناجمة عن انتهاء ولاية الرئيس عباس وبدء اطلاق نواب حماس الأربعين المعتقلين لدي إسرائيل، مما يوفر للحركة غالبية في المجلس التشريعي، تمكنها من توفير نصاب قانوني لعقد المجلس واتخاذ قرارات يصعب الطعن في شرعيتها. ربما لا يعترف الرئيس عباس بصفته رئيسا للسلطة بقرارات المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه حماس حتي في حال توافر نصاب قانوني لعقده، وذلك بسبب تورط نواب الحركة في قطاع غزة في الانقلاب مثل محمود الزهار، وسعيد صيام وإسماعيل هنية وغيرهم، إلا أن توافر النصاب القانوني لحماس في المجلس سيظل يشكل أرقاً للسلطة، وتوتراً لا يمكن التكهن بعواقبه. لكن تبقي مبادرة الرئيس عباس بإعلان انتخابات مبكرة مطلباً يحظي بتأييد الغالبية الساحقة بين الفلسطينيين "الثلثين وفق استطلاعات الرأي العام" وتضع هذه المبادرة حركة حماس أمام ضغط شعبي كبير، إذ يري الجمهور الفلسطيني في الانتخابات العامة الوسيلة المثلي والوحيدة تقريبا للتغلب علي الانقسام والانفصال، لكن تدهور الحياة الديمقراطية عقب سيطرة حماس علي غزة وما رافق ذلك من تعزيز سيطرة الأجهزة الأمنية والعسكرية في الجانبين يشكل تحديا جديدا لأي انتخابات مقبلة، فمن الممكن أن يتصرف الطرفان فتح وحماس عكس نتائج الانتخابات تماما إذ إن فتح المسيطرة علي مؤسسات السلطة في الضفة ستقاوم بتسليم هذه المؤسسات لحماس في حال فوزها في الانتخابات والأمر ذاته ينطبق علي حماس في غزة. لذا يبقي الملاذ الأخير لفتح والسلطة اللجوء إلي مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية للحصول علي غطاء دستوري للخطوات المقبلة، وربما يصل الأمر إلي انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني العام المقبل لتوفير غطاء لخطوة الانتخابات، وربما يصادق المجلس الوطني الذي يمثل برلمان الشعب الفلسطيني في الداخل والمنفي علي قانون لانتخابات المجلس الذي لم يشهد انتخابات عامة منذ تأسيسه عام 1964.. لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه الرئيس عباس عند الدعوة للانتخابات المبكرة هو رفض حماس إجراء الانتخابات في قطاع غزة، مما سيضطر السلطة إلي إجرائها في الضفة الغربية وحدها، ويشكل هذا التحدي عامل التردد الأكبر لدي الرئيس عباس في إجراء انتخابات دون تحقيق المصالحة لأنه سيكرس الانقسام والانفصال بين قطاع غزة تحت حكم حماس والضفة الغربية تحت حكم فتح. ووسط هذه المخاوف والصورة الأكثر ضبابية في المشهد الفلسطيني تتداول وسائل الإعلام عن نية حركة حماس تنصيب أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني رئيسا للسلطة خلفا للرئيس عباس وذلك بعد انتهاء ولاية الأخير في التاسع من يناير المقبل، ورغم نفي حماس الأمر نفيا قاطعا، إلا أن احتمالات ذلك ربما تكون واردة، كما هو الحال في الكثير من الملفات الشائكة بين الأطراف الفلسطينية مجتمعة. وإذا كان هذا هو الحال الفلسطيني، فكيف ستكون هناك إجابات شافية ومحددة عن كل الأسئلة التي تجول في الذهن الجماهيري والشعبي المغلوب علي أمره، والذي ينتظر معجزة من السماء حتي تحل هذه الملفات التي يشكل كل ملف منها قنبلة شديدة الانفجار، ومن غير المعروف مدي تأثيرها عن الحياة العامة للشعب الفلسطيني الذي ينتظر العام المقبل بكثير من التشاؤم والقليل من الأمل!!