لم يكن من المبالغة ان يقول بعض المراقبين و المتابعين للمشهد الفلسطيني، ان الانقسام والاقتتال الفلسطيني الفلسطيني ربما يكون اشد خطورة من الاحتلال الاسرائيلي علي الشعب الفلسطيني وقضيته، و ان يقول د. وحيد عبد المجيد انه اذا كانت حركات التحرر الوطني قد شهدت انقسامات داخلية فيما بينها فان الانقسام الفلسطيني جديد من نوعه و فريد في تاريخ النضال الوطني التحرري. لذلك لم يكن غريبا ان يخصص الكاتب الصحفي الاستاذ عماد سيد احمد كتابا يحمل عنوانا هو " الفلسطينيون ... و سقوط المحرمات " (مركز الاهرام للترجمة و النشر 2010 ) يريد ان يقول انه ما كان من المحرمات و الخطوط الحمراء في النضال الفلسطيني اصبح من المتداول في الوضع الفلسطيني و يناقش الفصل الاول من الكتاب تحت عنوان " اصلاح ام فوضي " تداعيات اغلاق الستار علي مفاوضات كامب ديفيد الثانية ووقوع احداث 11 سبتمبر وحيث واجه الشعب الفلسطيني مصيرا غامضا، وحيث كانت وضعية الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي في حال وبعد اتفاق المفاوضات باتت في حال آخر . غير ان ما يسجله الكتاب هو بداية التفكير الاسرائيلي في البحث عن قيادة بديلة لعرفات والسلطة الفلسطينية بل ان الرئيس الامريكي دعا الي ما اسماه " دعوه الي قيادة فلسطينية جديدة " و بعد ذلك مارس الامريكيون والاسرائيليون مقاطعة محكمة ضد عرفات و حتي الاوربيون استعدوا للتخلص منه ان لم يعين رئيس وزراء و هو ما خضع له عرفات ويسجل الكتاب وفاة عرفات في الحادي عشر من سبتمبر في المستشفي في باريس , و قد وضع هذا الحدث الفلسطينيين امام مفرق طرق حيث اصبح عليهم ان يختاروا بين التفاوض مع اسرائيل للحصول علي افضل اتفاق ممكن او الاستمرار في القتال سعيا وراء حلم قد لا يتحقق ابدا و كذلك وضعت وفاة عرفات اسرائيل علي المحك فقد كانت تزعم ان عرفات كان القضية الوحيدة في طريق محادثات السلام و اصبح عليهم ان يثبتوا ان ذلك لم يكن ذريعة لعرقلة السلام . اما الفصل الثاني فيجيء تحت عنوان " نيران شقيقة " ففي منتصف عام 2000 كانت فتح و عرفات تحظي بشعبية اكبر اربع مرات من شعبية حماس في غزة و لكن نهاية 2003 كانت حماس قد تقدمت عليها، فقد حققت حماس فوزا كاسحا في الانتخابات التشريعية - 74 مقعدا في برلمان مؤلف من 132 عضوا بينما فازت فتح ذات التاريخ العريض بثلاثة و اربعين مقعدا فقط، و جاءت هذه النتيجة تلك تعكس حالة التردي داخل فتح نتيجة الصراع الداخلي . و يسجل الكتاب رد الفعل الامريكي و الاوروبي لفوز حماس و مطالبتها بان تعترف بحق اسرائيل في الوجود و يطلق الكتاب بسط حماس نفوذها المطلق علي قطاع غزة علي انه اسبوع النكسة الفلسطينية بامتياز فقد بدأت باشتباكات و انتهت بانقلاب عسكري و بدت المفارقة انه في الوقت الذي خرجت فيه في اطار خطة الانسحاب من غزة بدا الاشقاء يقاتلون بعضهم البعض وحيث بدا الاحتلال اكثر رحمة من الاشقاء . و يسجل الكتاب الجهد المصري و السعودي في وقف هذا التدهور، ويمثل الجهد المصري في الوساطة والمباحثات مع حركتي حماس و فتح من اجل السلام وقف اطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه برعاية مصرية . اما الجهد السعودي في اتفاق مكة عام 2007 و حيث كان الاتفاق في الواقع حصيلة لانه سعودي مصري اردني وكذلك سوري، وهو الاتفاق الذي تفكك بعدتشكيل الحكومة و اعادة تشكيل مجلس الامن القومي الفلسطيني . في الفصل الثالث : " غزة تحت حكم حماس " اعتبر الكاتب ان الانسحاب الاسرائيلي من غزة في نهايات عام 2005 كان مكسبا للفلسطينيين بكل المقاييس، لكن حماس حولته الي هزيمة و عبء جديدين علي الشعب الفلسطيني في صيف 2007. و هذا ما كان يعنيه شارون بالتحديد عندما فكر في الانسحاب الاحادي "الفوضي"، و ليس شيئا اخر. و بغض النظر عن اهداف شارون. كانت الحسابات الفلسطينية تنحصر في ثلاثة سيناريوهات متوقعة لفترة ما بعد الانسحاب: الاول ان يشهد القطاع فترة هدوء و اعادة ترتيب الاوراق وبناء المؤسسات الفلسطينية علي اسس مهنية، وترميم ما دمره الاحتلال خلال سنوات الانتفاضة الثانية. و الثاني اندلاع المواجهة مجددا بين الاحتلال و المقاومة الفلسطينية من خلال المناطق القريبة واستئناف المقاومة نشاطها المسلح في الضفة الغربية. أما السيناريو الاخير، تفاقم ظاهرة الفلتان الامني و حدوث صدام بين السلطة و الفصائل، وقد يصل الي حرب اهلية.. وبعد ضغوط قوية من واشنطون استجاب شارون لتبادل الرأي مع القيادة المصرية و للتنسيق الامني، وان كانت مصر قد أوضحت موقفها منذ البداية, انها مع استعدادها لبذل أقصي جهد من أجل العمل علي انجاح الانسحاب الاسرائيلي فانها ترفض في الوقت نفسه القيام بدور الشرطي في قطاع غزة. و في هذا الاطار تم توقيع الاتفاق بين مصر و اسرائيل المعروف (ببروتوكول فيلادليفيا)، ومنح للقاهرة الحق في نشر 750 جنديا، من قوات حرس الحدود داخل الشريط الحدودي بين مصر وغزة، و في الوقت ذاته رفضت القاهرة أي كلام عن ارسال جنود مصريين للقيام بدور أمني مباشر في غزة، مؤكدة أن هذا هو دور الفلسطينيين ومسئوليتهم . و يختتم الكاتب الكتاب بفصل عن " مشروع أبو مازن/ فياض " و كان جوهر هذا المشروع هو تصور فياض ودعوته الفلسطينيين الي الخروج من السلبية و الاستسلام للواقع الذي فرضه الاحتلال الي العمل و التفكير الايجابي و توفير الإمكانات للمواطن الفلسطيني للصمود في أرضه. و قال: "باختصار علينا ان نبادر و نبادر ونتقدم للأمام حتي لو لم تتحقق الدولة في حينه نكون أيضا قد حسنا قدرات السلطة علي تقديم الخدمات للمواطنين, بما يعزز صمودهم و ثباتهم علي الأرض و هو المربع الأول في إنهاء الاحتلال." كان صوت سلام فياض قادما من بعيد, و طريقته مختلفة في التعامل مع الاحتلال. كاتب المقال: سفير سابق