كثير من الشباب المصري يمارس رياضة الجري في المكان يستنزف الوقت والجهد لكنه لا يقطع مسافات، حركته السريعة تؤكد تفجره بالطاقة ومحاولته الفعل، لكن البيئة الاقتصادية لا تنجب فعلا واقعيا، والأسباب كثيرة أبرزها أن العقل الجمعي فاقد للذاكرة الإنتاجية، يعاني التخمة الاستهلاكية. عدد ليس قليلا من الشباب المصري يلجأ للمشروعات الصغيرة بحثا عن الاستثمار لكنه يلجأ للاقتصاد الريعي عبر مشروعات تجارية استهلاكية تعتمد علي المنتج المستورد، كمشروعات الاتجار في أجهزة المحمول وقطع غياره، والكمبيوتر والملابس المستوردة من الصين وقليل من يلجأ لمشروعات إنتاجية تقدم إضافة حقيقية للاقتصاد القومي. المشكلة ليست في الشباب ولكنه في البيئة والمناخ الاقتصادي، والقوانين الضابطة لحركة السوق ومؤسسات الدولة المسئولة عن غرس ثقافة الاستثمار ورعاية ما تنبته، ولذلك اثلج صدري تأكيد الرئيس مبارك في خطابه أمام مجلسي الشعب والشوري علي أهمية دعم الدولة للمستثمرين خاصة منهم المستثمر الصغير والمشروعات المتناهية الصغر بغية توفير فرص عمل إضافية للشباب والمساهمة في الارتقاء بمعدلات نمو الاقتصاد المصري. وطالما هناك إرادة سياسية لدعم المستثمر الصغير واستبدال ثقافة الوظيفة الحكومية ومنطق «إن فاتك الميري تمرمغ في ترابه»، لتحل مكانها ثقافة العمل الخاص والاستثمار، مدعومة من رأس الدولة فلدي من الثقة ما يدفعني للمساهمة في تحقيق هذا الهدف النبيل، الذي طالما حلمت به وتمنيته لأبناء جيلي، فلست ببعيد عن أنين جرحي البطالة، وسباحتهم اليومية في أمواج الحياة الصعبة بحثا عن عمل يكفل لهم حياة كريمة. وفي اعتقادي لابد من اتباع استراتيجيتين تسيران بالتوازي، احداهما طويلة المدي والأخري سريعة الجدوي، يقوم عليهما «جهاز قومي لحماية المستثمر الصغير والمشروعات المتناهية الصغر» يتم انشاؤه بقرار جمهوري تكون مهمته بعيدة المدي: إعادة احياء الثقافة الإنتاجية عبر خطط إعلامية محفزة ومناهج تربوية. أما الهدف القريب فهو أن يتولي هذا الجهاز إعداد دراسات جدوي لاحتياجات السوق المصري والإقليمي، وارشاد الشباب إلي المشروعات الإنتاجية القابلة للنجاح للايفاء باحتياجات السوق، وتدريب المستثمر الصغير ورفع كفاءته الإدارية والفنية في مجال نشاطه الاستثماري، وتيسير اقراضه أو لعب حلقة الوصل بين عدد من الشباب لإنشاء شركات مساهمة صغيرة للتغلب علي عقبة التمويل ثم مساندتهم في تسويق منتجاتهم وابراز النماذج الناجحة منهم لتحفيز غيرهم. والأهم توفير حماية للمستثمر الصغير في مواجهة المستثمر الكبير والربط ما بين أصحاب النشاط الواحد لخلق كيانات كبيرة قادرة علي المنافسة والتوجه للصناعات التكميلية. إلي جانب حماية المنتج من تقلبات السوق والأزمات الخارجة عن إرادته ومثال علي ذلك صناعة الدواجن التي حققت اكتفاء ذاتياً نهاية التسعينيات واقتحمت سوق التصدير، حيث عمل بها آلاف الشباب في القري والريف غير أن أنفلونزا الطيور ذهبت بأحلامهم وطموحاتهم وأموالهم ادراج الرياح. الحلم ليس بعيد المنال والتجارب الدولية كثيرة وإرادة الرئيس مع حكومة جادة وبرلمان مسئول كافية لتحويل مصر إلي نمر أفريقي وقوتها البشرية وشبابها علي كامل استعداد وإنا معهم لمنتظرون.