مشاهد مختلفة لحالة التوتر الذي يعيشه السودان حاليا شماله وجنوبه.. تنذر بعاصفة قد تتجدد معها المواجهات المسلحة التي تقترب.. وتقترب كلما اقتربنا من استفتاء تقرير المصير الذي يصوت من خلاله شعب الجنوب في يناير المقبل لخيار الوحدة.. أو الانفصال.. والمشاهد رصدناها من العاصمتين الخرطوموجوبا بعدما أصبح هاجس توابع الانفصال وكأنه يدق طبول الحرب بين الشمال والجنوب من جديد، ونجده واضحا في الاحتشاد والزحام بمطاري العاصمتين للنازحين من الجنوبيين الذين يعيشون بالشمال ويسارعون للعودة للديار تاركين اراضي الشمال. وحالة تأهب من القوي والحركات السياسية بالجانبين ببدء برامج تسلح مكثفة وكأن ساعة الصفر اقتربت.. وهو ما رصدناه في حوارات مسجلة مع قادة القوي السياسية المعارضة المختلفة الذين لم ينكروا هذا التسلح، هذا فضلا عن توتر صامت رصدناه في استطلاع للرأي جمع عينة من السودانيين من مختلف المستويات الاجتماعية والاعمار جبنا خلاله شوارع العاصمتين نسأل المارة.. من مع الوحدة؟ ومن مع الانفصال؟ اخترقنا خلال جولتنا عالم أهل الغابة المعسكرين في قلب العاصمة الخرطوم، فاجأتنا مشاكل أيتام الحروب في الغابات، وتعاطفنا مع قصة الاطفال الأرامل، تعرفنا علي سر غزو الأموات للشوارع والميادين العامة، واكتشفنا قصة ديك النميري الذي حرم علي السودانيين التجول بشارع النيل الأزرق، وجبنا بجبل الأولياء بحثًا عن العجوز التي قهرت تماسيح النيل.. وقبل أن نغادر السودان تسلقنا الشجرة المصرية التي شيدت فوقها المدارس والمساكن والملاعب ولم يفوتنا المرور لشرب الجبنة علي رصيف المشاهير.. التاريخ المصري بالسودان محفور في غالبية المعالم السودانية فنجد الشوارع والأحياء الراقية بالخرطوم هي بنفس أسماء الأحياء المصرية، فيمكنك التجول بحي جاردن سيتي المطل علي النيل الأزرق، وكذا شارع القاهرة وشارع جامعة الدول العربية وشارع النيل، والمطاعم المصرية بالعاصمة الخرطوم ذات شهرة ورواج.. وفي الجنوب نجد الأحياء والمدارس الملكية كانت الأشهر علي مر تاريخ الحضارة بعاصمة الجنوبجوبا، والري المصري علامة مضيئة في جميع الولايات العشر الجنوبية، وهو العلامة الوحيدة للتنمية التي ظلت بارزة علي مر مراحل التوترات في الحروب الأهلية وكأنه غصن الزيتون. ولم يمنعنا الانشغال بالأحداث السياسية المتفجرة من التمتع بالتجول في شوارع العاصمتين الشمالية والجنوبية، إلا أن المتعة كانت مع كل خطوة يغلفها الفضول.. ففي كل مشهد تجذبنا دوامة النوادر والحكايات التي ترويها فصول من القصص الشعبي لهذا الشعب الطيب إلي التوغل أكثر. ديك النميري وأبرز هذه المشاهد كانت في جولتنا بشارع النيل الأزرق بالخرطوم حيث أردنا المرور به سيرا لمشاهدة القصر الرئاسي عن قرب.. إلا أننا فوجئنا بتعليمات تمنع المرو به سيرا علي الأقدام.. ومسموح فقط للسيارات بالمرور به حتي الساعة التاسعة مساء.. في البداية كان من الطبيعي أن يقفز إلي ذهننا أن ذلك لدواع أمنية إلا أننا وجدنا السودانيين يطلعونا علي مبرر آخر لمنع السير علي الأقدام، والمعروف ضمن أهم النوادر بالقصص الشعبي. وتعود القصة كما تروي في القصص الشعبي السوداني إلي ديك كان يحمله أحد عامة الشعب في قفته، ويسير بالقرب من القصر الرئاسي.. إلا أن الديك قفز فجأة وهرب من القفة وظل يجري ويطير، وأفلت من بين الأسوار الحديدية إلي حديقة القصر الرئاسي، فباغته الحرس فهلع وطار فوق السلالم والاعمدة إلي أن وصل شرفة مكتب الرئيس السوداني وكان «النميري» والذي ظل وحرسه يحاولون اسكات الديك دون جدوي ومن وقتها حرم المرور سيرا علي الاقدام من أمام البوابة الرئيسية للقصر الرئاسي بشارع النيل. الشجرة المصرية وقبل أن نصعد إلي حي الشجرة المصرية الذي يروي قصة نجاح مهندس الري المصري بالسودان مررنا بمنطقة جبل الأولياء لنلتقط بعض الصور التذكارية لأول سد اقامه المصريون لتنظيم فيضان النيل علي النيل الأبيض، والذي تنازل عنه الري المصري للري السوداني بعد بناء السد العالي، ويستخدم حاليا كخزان لتوفير بعض المياه لأوقات الجفاف بالسودان، حيث تم الاستعاضة عنه بسد مروي السوداني. تجولنا كذلك بكورنيش النيل الأزرق بحي جاردن سيتي بالخرطوم لنتذوق طعم القهوة الأصيل التي يصنعها الهنادوة، وهي قبائل تعيش في شرق السودان وليسوا بالعرب ويطلق علي معظم رجالها أسم أداروب، وقبل أن نذهب في جولة لحي بحري وأسواقه مررنا أيضا بسوق الحمام لنشرب الجبنة السوداني علي رصيف المشاهير والذي يصطف عليه كبار رجال الدولة في نهاية الأسبوع لشرب الجبنة السوداني وهي اللبن المخلوط بالجنزبيل وبعض الأعشاب. ويعد الري المصري بالسودان أحد أهم الأوجه المشرقة للعلاقات السودانية المصرية المتميزة فقد تأسس في نوفمبر 1904 . وأفاد د.عبدالفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل بأن هناك عدداً كبيراً من المشروعات الخدمية والتنموية التي تنفذها وزارة الري المصرية بجنوب السودان بتكلفة 26.6 مليون دولار، وتم منها مؤخرا افتتاح المرسي النهري الرئيسي بمدينة واو. تطهير المجاري وأضاف د.أحمد رجب نائب رئيس القطاع أن الشهر الماضي شهد بدء تشغيل المعدات المصرية لتطهير المجاري المائية بحوض بحر الغزال بالجنوب السوداني ويوجد أهم المشروعات التنموية الرئيسية والتي تقدر تكلفتها في المرحلة الأولي بنحو 13 مليونا و100 ألف دولار. وتحدث د.حسام الطوخي المشرف علي مشروعات القطاع بأنه تم تجهيز معمل مركزي لتحليل نوعية المياه بمدينة جوبا بتكلفة إجمالية قدرها 300 ألف دولار وهو يعد أول معمل من نوعه يتم إنشاؤه في جنوب السودان بهدف إجراء جميع أنواع التحليلات بنوعية المياه للحد من مصادر التلوث. وكما يقول المهندس عبد العاطي السمان رئيس بعثة الري المصري بالخرطوم كانت المهام الموكلة اليه تتمثل في الحصول علي البيانات الهيدروليكية المنتظمة لا مكان القيام بالتنبؤ بحالة النهر وامكان توزيع مياهه بالقطر المصري إلي جانب الاعداد لمشروعات زيادة إيراد النيل وهو ما أدي بالتفتيش العام إلي انشاء تفتيش ري ملكال، وتفتيش ري الشجرة لتمكينه من القيام بالمهام الموكلة له، وانشاء خزان أوين بأوغندا لمراقبة التصرفات الخارجية من بحيرة فكتوريا ما جعل مهام الري المصري بالسودان لاتزداد وتتسع بعد توقيع اتفاقية الانتفاع الكامل لمياه النيل بين جمهورية السودان ومصر العربية، وإنشاء الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل. ويضيف المهندس عصام السمنودي مدير عام قطاع الري بالخرطوم أنه بعدما أصبح الري المصري والري السوداني الجهازين التنفيذيين للهيئة ساهم ذلك في تطوير مهام الري المصري بالسودان لتلبي المتطلبات الجديدة المتمثلة في الرصد المستمر لمناسيب وتصريفات نهر النيل وروافده داخل حدود السودان حتي السد العالي والقيام بالبعثات المساحية الميدانية لروافد النهر المختلفة بهدف اجراء دراسات موروفولوجية للنهر وروافده اضافة إلي الاشتراك مع الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل في الابحاث والدراسات الميدانية لروافد نهر النيل داخل السودان ودراسة مشروعات زيادة ايراد النهر وتقليل الفواقد من المستنقعات وجمع البيانات الاحصائية عن الامطار وربطها بالمناسيب بهدف التنبؤ بايراد نهر النيل بجانب عمل تحاليل دورية للمياه في أحباس النهر للتأكد من مطابقتها للمواصفات الدولية. مهام البعثة وأوضح د.منصور عبدالرسول أن مهام البعثة تمتد لعمل تحاليل دورية لعينات التربة بقاع النهر في أحباسه المختلفة وتحليلها كيميائيا والمساهمة في الاعداد والتجهيز لاعمال تطهير المجري الملاحي والمشروعات الملحقة به مع العمل علي تنفيذ توصيات اللجنة الفنية العليا للمشروع. ويعزز الري المصري بالسودان العلاقات بين شعب وادي النيل علي الصعيدين الرسمي والشعبي. مذكرة تفاهم ولفت المهندس خالد مهدي منسق مشروعات التعاون الفني بجنوب السودان إلي أن الري المصري نفذ عددًا من المشروعات بعضها اكتمل تنفيذه وبعضها جاري التنفيذ ونجد في هذا الاطار أن الري المصري بالسودان قام بتنفيذ عدد من المشروعات في جنوب السودان ودارفور ضمن اطار مذكرة التفاهم حول التعاون الفني بين وزارتي الموارد المائية والري بمصر وحكومة جنوب السودان الموقعة في 8 أغسطس 2006 بالقاهرة، وتمثلت في دراسات جدوي لانشاء سد لتوليد طاقة كهرومائية علي بحر الغزال بتكلفة مليون دولار وانشاء سد متعدد الأغراض علي نهر سيوي وانشاء مراس نهرية بحوض النيل ببحر الغزال، وحفر آبار جوفية لامداد المدن وقري الجنوب بمياه الشرب وتأهيل وتجديد محطات القياس الرئيسية بجنوب السودان وجميعها مشروعات قيد التنفيذ تقدم الخدمات لابناء الأقاليم الجنوبية وتدعم خيار الوحدة الجاذبة كما لم يغفل الري المصري بالخرطوم الاهتمام بدارفور حيث تم حفر 15 بئرًا جوفية لامداد دارفور بمياه الشرب إلي جانب برامج التدريب والتأهيل والبناء المستمر للقدرات البشرية. اخطار الفيضان يلتقط طرف الحديث المهندس محمد خالد مشيرا إلي أهمية الأدوار التي تلعبها مقاييس المياه المصرية بطول النيلين الأبيض والأزرق في حماية البلدين من أخطار الفيضانات الجامحة من خلال التنبؤ وارسال الاشارات التحذيرية، لافتا إلي أن منطقة جبل الأولياء كانت أكبر شاهدا علي عظمة مشروعات الري المصرية منذ قرون في تنظيم إيراد نهر النيل من خلال انشاء سد الأولياء لتخزين المياه وبما ساهم في حجز كميات وافرة من الأسماك خلفه تدعم صناعات الأسماك بالخرطوم. ويؤكد المهندس محمد يونس أهمية الدور التي تقوم به البعثة ومن خلال قيام المهندسين المصريين خلال شهور الفيضان بالرصد اليومي لارتفاع المناسيب سواء بمياه النيل الأبيض أو الأزرق لاعداد تقرير يومي بالمناسيب وبما يعمل علي المساهمة في دعم غرفة العمليات بوزارة الري بالقاهرة علي تنظيم تصرفات المياه من أمام السد العالي، والتنبؤ بأي متغيرات قد تطرأ أولا بأول. البعثة التعليمية ويشير المهندس عصام عبد العزيز أنه علي الصعيد الشعبي يعمل بالري المصري بالسودان أكثر من 300 عامل سوداني يقوم الري المصري بتوفير كل سبل العيش لهم خاصة السكن لكل موظف بمنشأة الري المصري بالشجرة، كما تتبع الري المصري بالشجرة مدرسة الشجرة العربية التي تشرف عليها البعثة التعليمية المصرية بالسودان وقد تم عمل احتفالية لخريجي المدرسة مؤخرا. ويوجد أيضا النادي العربي بالشجرة والذي أصبح ملتقي لجميع العاملين بالري المصري من سودانيين ومصريين وكذا ملتقي لجميع المصريين، وتم منذ شهرين افتتاح روضة اطفال علي أعلي مستوي خدمة لابناء العاملين السودانيين بالري المصري بالسودان، ويعمل الري المصري بالسودان علي التواصل مع الوزارات والمؤسسات الرسمية عبر وزارة الري والموارد المائية بالسودان حيث يقدم الدعم لعدد من المرافق مثل الدعم في موسم الفيضان بالتعاون مع الدفاع المدني. مشروعات خدمية ومن جانبه أكد د.محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري حرص الحكومة المصرية علي مشاركة الأخوة في شمال وجنوب السودان في تنفيذ مشروعات التنمية في جميع المجالات، لافتا إلي أنه تم الاتفاق مع الجانب السوداني علي دعم التنمية في الولاياتالجنوبية سواء في مجال الموارد المائية والري أو في مجالات أخري مثل الصحة والتعليم والكهرباء بما يعود بالنفع علي شعب جنوب السودان. وكشف الوزير عن دراسة اقامة العديد من المشروعات الخدمية التي تقوم بتنفيذها وزارة الموارد المائية والري المصرية لخدمة أهدف التنمية في جنوب السودان منها دراسات الجدوي لانشاء سد علي نهر سيوي بمدينة «واو» لتوليد الطاقة وغيرها من الأغراض التنموية اضافية إلي تركيب وحدات رفع لنقل مياه الأنهار للتجمعات السكانية القريبة من المجاري المائية بتكلفة 450 ألف دولار. وأشار إلي أنه يتم إنشاء محطة رفع مياه بمدينة »واو »ومشروع تدريب وبناء القدرات البشرية في مجال تنمية وإدارة الموارد المائية وإنتاج الخرائط الطبوغرافية وتحليل ومعالجة البيانات المساحية فضلا عن زيادة المنح الدراسية في الجامعات المصرية. وقال علام انه قد تم الانتهاء من تأهيل عدد (3) محطات قياس تصريفات ومناسيب بتكلفة قدرها 800 ألف دولار ويجري حالياً تأهيل (4) محطات أخري بتكلفة تقديرية مليون و200 ألف دولار. كما يمثل مشروع تطهير المجاري المائية بحوض بحر الغزال أحد المشروعات التنموية الرئيسية والذي تقدر تكلفته في المرحلة الأولي بنحو 13 مليونا و100 ألف دولار منوها في هذا الإطار إلي الانتهاء من توريد معدات الدفعة الأولي بمبلغ 4 ملايين دولار إلي مواقع العمل في جنوب السودان وجار حالياً نهو الترتيبات النهائية لتوريد معدات الدفعة الثانية بمبلغ 2،4 مليون دولار وتشمل المعدات البحرية إلي مواقع العمل بالجنوب. وأشار الوزيرإلي أنه يتم حالياً تنفيذ مشروع حفر30 بئرا جوفية مزودة بمجمعات لتوزيع مياه الشرب النقية في الولاياتالجنوبية بتكلفة قدرها 5 ملايين و885 الف دولار حيث تم الانتهاء من حفر عدد 6 آبار جوفية في ولايتي أعالي النيل وشمال بحر الغزال وجار حالياً الانتهاء من حفر ثلاثةآبار جوفية في ولاية غرب بحر الغزال.