تمتاز طريقة الحنفية أتباع مذهب أبي حنيفة بأنهم وضعوا القواعد والبحوث الأصولية التي رأوا أن أئمتهم بنوا عليها اجتهادهم، فهم لا يثبتون قواعد وبحوثا نظرية، وإنما يثبتون قواعد عملية عنها أحكام أئمتهم، ورائدهم في تحقيق هذه القواعد والأحكام التي استنبطها أئمتهم بناء عليها لا مجرد البرهان النظري، ولهذا أكثروا في كتبهم من ذكر الفروع، وصاغوا في بعض الأحيان القواعد الأصولية علي ما يتفق وهذه الفروع، فكانت وجهتهم استمداد أصول فقه أئمتهم من فروعهم. ومن أشهر الكتب الأصولية التي ألفت علي هذه الطريق أصول أبي زيد الدبوسي المتوفي سنة 430ه، وأصول فخر الإسلام البزدوي المتوفي سنة 483ه، وكتاب المنار للحفاظ النسفي المتوفي سنة 790ه، وأحسن شروحه: «مشكاة الأنوار». وقد سلك بعض العلماء في التأليف في هذا العلم طريقا جامعا بين الطريقتين السابقتين فعني بتحقيق القواعد الأصولية وإقامة البراهين عليها، وعني كذلك بتطبيقها علي الفروع الفقهية وربطها بها. ومن أشهر الكتب الأصولية التي ألفت علي الطريقة المزدوجة كتاب «بديع النظام» الجامع بين البزدوي والأحكام لمظفر الدين البغدادي الحنفي المتوفي سنة 694ه، وكتاب «التوضيح» لصدر الشريعة، و«التحرير» للكمال بن الهمام، و«جمع الجوامع» لابن السبكي. ومن المؤلفات الحديثة الموجزة المفيدة في هذا العلم: كتاب «إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول للإمام الشوكاني المتوفي سنة 1250ه. وكتاب «أصول الفقه» للمرحوم الشيخ محمد الخضري بك، المتوفي سنة 1927ه، وكتاب «تسهيل الوصول إلي علم الأصول» للمرحوم الشيخ محمد عبد الرحمن عيد المحلاوي المتوفي سنة 1920م. وبالاطلاع علي الكثير من هذه الكتب يستطيع المرء أن يضع خلاصة وافية يبين ويتبين فيها مصادر التشريع الإسلامي ويكشف عن مرونتها وخصوبتها وسعتها، ويستطيع أن يتبين مباحث الأحكام بيانا يقرب فهمها ويستجلي حكمة الشارع فيما شرعه، ويستطيع أن يقف الباحث فيها علي البحوث اللغوية والتشريعية بصيغة القواعد ليسهل فهمها وتطبيقها، وسوف يقف الباحث علي الأمثلة التطبيقية من النصوص الشرعية ومن قوانيننا الوضعية ليعرف كيف ينتفع عملاً بهذا العلم، وسوف يري في كثير من المواضيع المقارنة بين أصول الأحكام الشرعية وأصول القوانين الوضعية ليتبين أن مقصد الاثنين واحد وهو الوصول إلي فهم الأحكام من نصوصها فهما صحيحا، وتحقيق مقاصد الشارع مما شرعه، وتأمين نصوص القوانين من العبث بها. وأهم ما ألفت النظر إليه أن بحوث علم أصول الفقه وقواعده ليست بحوثا وقواعد تعبدية وإنما هي أدوات ووسائل يستعين بها المشرع علي مراعاة المصلحة العامة والوقوف عند الحد الإلهي في تشريعه، ويستعين بها القاضي في تحري العدل في قضائه وتطبيق القانون علي وجهه، فهي ليست خاصة بالنصوص الشرعية والأحكام الشرعية. إن تعريف علم أصول الفقه، وموضوعه، وغايته، ومنشأه، ونسبته إلي سائر العلوم، وواضعه وحكم الشرع فيه، ومسائله، هذه كلها تسمي مبادئ العلم. وهي تكون للعلم صورة إجمالية تجعل من يشرع في دراسته ملمّاً به، ولهذا اعتاد المؤلفون أن يقدموا مؤلفهم في العلم بمقدمة في بيان مبادئه. وقد ألف كثير من العلماء رسائل خاصة في مبادئ العلوم، وابن خلدون في المقدمة كتب في القسم الأخير منها فصولا ممتعة في العلوم الشرعية واللغوية والعقلية، بين فيها تعريف كل علم ونشأته وتطوره. باحث إسلامي - مقيم في اسيوط