صديقي جاهل جهول فالجمهور (حسب قوله) لا يفهم الأمور الصعبة ولا الرموز ولا التحولات - يعني الجمهور عاوز الشيء السهل المباشر، ولما سألته: وكيف لك أن تنوب عن الجمهور - وهي كلمة واسعة فالجمهور ليس كائنا واحدًا وليس نوعية موحدة، بل هو كيانات مختلفة ونوعيات متباينة - صرخ في سماعة الهاتف: أنا عارف - أنا فاهم - أنا حسان الأعوج أخصائي جماهير وكاشف وعارف ماذا يريد الجمهور - وكيف يفهم وكيف ينبسط. وقلت له: آسف يا صاحبي فالجمهور في مسرحيتي فعلا قد انبسط وفهم وصفق وأدرك - فلا شيء غامض ولا شيء يعوق تواصل الجمهور مع تفاصيل الحكاية، فهي سهلة وبسيطة ومطروحة لكن في (أسلوب جديد). وعند سماع صاحبي الأعوج كلمة (أسلوب جديد) صرخ في غضب قائلاً: (أهو ده اللي مودينا في داهية) حكاية الجديد ما الداعي للجديد - حد طلب منك توجع قلبك وتفكر وتفتش عن (أسلوب جديد)؟ ومين قال لك الجمهور عاوز (هذا الجديد)؟ الجمهور مبسوط من المسرحيات القديمة مبسوط منها، قلت لصديقي حسان: ما الضرر في إسعاد الناس بفكرة جديدة أو أسلوب متميز لطيف وجديد يجعل للفن متعة ولذة ونشوة وكذلك (مفاجأة)؟ قال حسان: يا عم آهو كلام - كل هذه تكاليف وضياع للوقت والجهد - الناس عايزه البساطة والسهولة والمباشرة. وأكملت حواري معه وسألت: من جعلك تطلق أحكام (المفلسة) نيابة عن جماهير الناس - إنت يا صديقي تحكم بناء علي (محدودية) عقلك وفكرك وتجاربك ومن خلال رؤيتك القاصرة لدور الفن وتلقي الجماهير - إنت يا صديقي ثابت عايش علي الثوابت وتعشق القراقيش والفول النابت والطبيخ البايت ولا تريد لنفسك أو لغيرك التقدم. ولو كلفت نفسك مشقة القراءة والاطلاع والتوقف عند أسرار الإبداع، لفهمت أن الجمهور يتطور شوقه للجديد وأعتقد كما قال المثل الشعبي (ابنك علي ما تعوده) فأنا أعتقد كذلك أن (جمهورك علي ما تعوده)، الجمهور الذي يشاهد اليوم تطورات شاشات التليفزيون بتنوع ألوانها وإيقاعاتها وجنون أغانيها وتطور برامجها ويشاهد (أحيانًا) الأفلام السينمائية ذات البعد الثالث والتصوير الخرافي والإمكانيات الكبيرة - لم يعد يتوقع أن يشاهد سذاجات الجهل الفني ورتابة البناء والأداء.. فالدنيا تطورت وهذه الحكايات انتهي زمنها ودخلت دنيا التاريخ المتحفي - لكنها لم تعد (تجر مشاهدًا) ولا تصنع نجاحًا ولا تحقق فلاحًا.. أما ما تزعمه يا صديقي عن حكاية الغموض فهو جهل منك وقلة بصيرة - والعمل الفني الجيد يظل فيه شيء من الجمال والخفاء والغموض مما يدفع المشاهد لكي يفكر ويبحث - مثل ما نقوله في حصص المطالعة والإملاء بالمدرسة فنقول: - سرق اللص حمارًا. فالجملة واضحة وقد عرفنا السارق والمسروق ولن نجهد الذهن بحثا عن سارق ولا قلقا علي المسروق. لكن عندما نقول: سُرق الحمار - فنحن ملزمون يا صديقي بالبحث عن السارق وإن أصابنا الكسل فعلي الأقل سنفكر في من سرق - وقد نطلق بعض الأسماء كمشروع متهمين أو مشبوهين وسوف نربط الدلالات والأسباب التي تؤكد هذا الزعم - فمن له مصلحة لسرقة الحمار؟ ومن هو معني أكثر بأمر الحمار؟ ومن يستفيد من الحمار؟ يعني سيظل (الحمار) هو المحرض علي البحث والتفكير - تصور يا صديقي لقد أصبح (الحمار) بطلاً يدعونا للتفكير والتأمل - وقد لا يكون الحمار قد سرق - قد يكون قد انطلق بحثا عن محبوبته أو تمردًا وانطلاقًا لعالم أكثر حرية وفهما - أو - أو أليس إخفاء السارق مثيرًا لكثير من الحركة والنشاط..؟! صرح صاحبي - بلا حمار بلا بغل - ده شغل زرايب، أنا فاهم كل حاجة مش عاوز حمار يعلمني إزاي أفهم. ومضي صديقي الحمار مبرطعا (قافلاً الخط في وجهي..).