تركب النيل في الليل .. في الوقت الذي كان فيه الصيادون الرجال يرهبون غدر تماسيح النيل الأبيض إلا أن هدي عبد الحميد خليل السودانية العجوز التي تجاوز عمرها السبعين عاما قهرت تماسيح النيل الابيض كما قهرت ظلامه الدامس المخيف فعلمت الجميع كيف يتحلون بالشجاعة وروح المغامرة للبحث عن لقمة العيش. وهدي هي سودانية من أصل مصري تعيش بمنطقة سد الأولياء وحازت علي جائزة الابداع النسوي من بكين في عام 2005 والتي لا يحصل عليها سوي زوجات الملوك والرؤساء وتشرف عليها 12 دولة منها اليابان وامريكا. ثروة بالصدفة وتقدمت قاهرة التماسيح التي لم تكن تعرف شيئا عن الدنيا سوي قاربها الذي تخرج به ليلا لتعود برزق وفير من الأسماك مع شروق الشمس علي 120 متنافسة من جميع انحاء العالم .. رغم أن الصدفة هي من دفعت باسمها من بين المرشحات عن طريق أحد المراسلين الأجانب الذي كان يتجول بمنطقة سد الأولياء وسمع بقصتها وانتظرها ليلتقط لها بعض الصور عقب عودتها من إحدي رحلاتها النيلية . وكانت المفاجأة عند إعلان فوزها ضمن أفضل عشر سيدات حازت علي وشاح الابداع النسوي في الوسط الريفي ولانها لم تمتلك قيمة تذكرة الطيران لم تتمكن من السفر لاستلام الجائزة وتسلمها نيابة عنها سفارة السودان في بكين وارسلت لها قيمتها والتي قدرت ب 10 آلاف دولار وأخذت قيمة الجائزة التي ساعدتها في انشاء منتجع علي ضفاف النيل الابيض بسد الأولياء بنفس مكان الكشك الصفيحي القديم الذي كانت تمتلكه. قطعنا أكثر من 150 كيلو من قلب العاصمة الخرطوم الي منطقة جبل الأولياء لنتعرف عن قرب علي قصة العجوز قاهرة التماسيح إلا أن خيبة أملنا في لقائها لغيابها في مهمة لتسويق منتجات شركتها لتعليب الأسماك عوضها وجود محمد أحد أقاربها الذي سمح لنا بدخول غرفتها الخاصة لنلتقط من علي جدرانها عددًا من الصور حيث إهتمت قاهرة التماسيح بتعليق ما كتب عنها في الصحف اليابانية وترجمته للعربية ودعمه بصور لها وهي تقف في مقدمة قوارب الصيد استعدادا لرحلات الصيد الليلية . جلود الأسماك وقصة ماما هدي كما يلقبها سكان جبل الأولياء لا تقف عند حد امرأة خرجت ليلا لمواجهة مخاطر النيل وتماسيحه الجامحة بل تتجاوز ذلك حيث كانت هي من أهم من يصنعون وصفات من جلود وزيوت الأسماك النيلية ومن الأعشاب صديقة البيئة التي يقبل عليها العامة كدواء . كانت قصة العجوز التي قهرت النهر أحد أهم مشاهد رحلتنا إلي منطقة خزان جبل الأولياء الذي أقامه المصريون في العام 1973م ليسد حاجة جمهورية مصر العربية حينها من المياه في فترة الجفاف من كل عام. ويستفاد منه الآن في رفع مناسيب المياه خلف وامام الخزان لري مشاريع النيل الأبيض الزراعية ومشاريع الطلمبات شمال الخزان، هذا بالإضافة إلي تنظيمه لفيضان النيل. وبدأ تشييده في نوفمبر 1933م واكتمل في أبريل 1973م بأيدي عمال مصريين وسودانيين يسع لتخزين 3.50 مليار متر مكعب من المياه. هذا وقد ظل هذا الخزان يتبع فنيا وإداريا مصر حتي انشاء السد العالي ثم تسليمه لجمهورية السودان. وجاء الاستغناء عن خزان جبل الأولياء من جانب السودانيين بعد انشاء عدد من السدود السودانية للحفاظ علي حصة السودان الحالية وتحسباً للزيادة في الحصة في مستقبلاً وكانت البداية بسد مرور فضلاً عن سد الروصيرص وأصبح خزان جبل أولياء والذي شيد للدعم المائي لمصر داعما لسد مروي أي داعم للحق السوداني، واستطاع خزان جبل أولياء أن يساهم في مد سد مروي بتدفقات معتبرة ساعدت في دعم بحيرة السد والتي ساهمت بدورها في دعم الكهرباء في أعوام الجفاف في السودان. وفي طريق العودة كان لنا لقاء مع مشهد آخر بمثابة اللغز حيث وجدنا أن الموتي من أكثر سكان المناطق الراقية بالخرطوم حيث كانت مقابر العاصمة تقع جنبا الي جنب مع المساكن والأبراج الشاهقة وفي غالبية الأحياء الراقية والشوارع الرئيسية وكان هذا لغزًا أردنا أن نتعرف علي سره . تجولنا بين مقابر العاصمة فوجدنا مقابر شارع الصحفيين. ومقابر فاروق ومقابر الرميلة عند حي الشجرة وكلها من المقابر المستوية بالأرض ويعلو كل مقبرة شاهد يكتب عليه اسم الشخص صاحب القبر أما عن سر وجود كل المقابر في قلب شوارع العاصمة الرئيسية فكان الغالبية ممن سألنهم يرون وكأن الأمر عادي ويسألون وما الضرر في أن تكون المقابر بين الأحياء السكنية إلا أن بالبحث وجدنا أن هناك تحركات حكومية فعلية لاقامة مدافن خارج العاصمة ونقل الموتي اليها لترك هذه المساحات الشاسعة بقلب العاصمة للسكان من الأحياء.