عن مدينة القاهرة، التي يراها قد نالت حظا وافرا من صفة اسمها، يحدثنا الروائي الشاب أحمد مجدي في أولي رواياته "قاهري"، ويحكي لنا عن رحلة الوعود المهدرة لشاب عاش حياته مع أسرته منذ الطفولة حتي سن المراهقة بدول الخليج، ثم عاد ليستقر بوطنه الأم مصر، إلي أن اكتشف بعد تجارب مريرة شبه واقعية أنها ليست المدينة التي طالما حلم بها وسمع عنها في غربته، وهنا نلتقي مع أحمد مجدي، لنتعرف معه علي ملامح القاهرة كما جاءت في روايته. حدثنا عن بداياتك الأدبية وكيف تشكلت خلفيتك الثقافية؟ - البداية كانت عن طريق النشر في مجلة "كلمتنا"، ثم توليت الإشراف علي صفحة الأدب فيها، كنت وقتها أعدها هواية ليس إلا، لكن النقلة الحقيقية حدثت عندما كنت في آخر سنوات الجامعة، وأعطيت مجموعة من قصصي للدكتور محمد عبد الله حسين أستاذ الأدب الحديث بجامعة حلوان لتقييم نصوصها، والحقيقة فوجئت بأن القصص أعجبته، وقرر إدراج قصة (سيد) في مناهج كليتي التربية والآداب في جامعة حلوان.. في تلك اللحظة أيقنت أني أرغب في أن أكمل المسيرة ككاتب. أما الخلفية الثقافية بالنسبة لي فكانت مزيجا من الثقافات واللهجات العربية بحكم مولدي وإقامتي في مدينة العين بدولة الإمارات، وبالتحديد في "حارة السوريين"، مما ترك في وعيي زخما جعل وعيي وثقافتي لا يقتصر علي ما هو مصري فقط، وبالطبع كانت بداية قرائتي، كأغلب أبناء جيلي، مع أحمد خالد توفيق، ثم كانت النقلة الأولي نحو يوسف إدريس ونجيب محفوظ، ومنهما انطلقت لقراءة الأعمال العالمية والمترجمة وللروائيين المصريين المعاصرين والروائيين العرب، وبالطبع الفضل في هذا يعود قبل كل شيء لأسرتي ووالدي تحديدا، الذي كان حريصا علي شراء الكتب التي تناسب أعمارنا وتفكيرنا. وكيف جاءتك فكرة الرواية ولماذا اخترت الشكل الروائي للتعبير عن الفكرة؟ - الفكرة شبه واقعية، وهي مثل أغلب تجارب العمل الأول خبرة ذاتية بسيطة، فكرة أن تكتشف المدينة بحياتها التحتية والشوارع الخلفية، وحياة النواصي، بعد العودة من الغربة، والاستقرار في القاهرة، واخترت القالب الروائي لأنه أعطاني براحا لتفريغ ما كنت أريد قوله، وهو أيضا القالب الفني الأكثر تناغما مع المدينة وحياة المدينة. ولماذا غلب علي جو الرواية الواقعية السوداء، هل هو يأس من الواقع؟ - الحقيقة كان يأسا من الواقع لا شك، فالشخصية الرئيسية في الرواية تواجه صدمة حضارية تتمثل في الانتقال من حياة ترف ورخاء في مدينة وديعة، إلي دوامة القاهرة التي تعيش فترة تراجع في كل الجوانب، مما ولد كل المظاهر وأنماط الحياة والتعاملات التي صادفها البطل في سنواته في القاهرة، التي أعطت النص هذه الصبغة الكابية أو ما أسميته الواقعية السوداء. تحدثت عن تجربة العائدين من دول الخليج فماذا أردت أن تقول من خلالها؟ - أردت أن أقول إنه حتي لو كان الفساد في كل مكان، فهو بنسب ودرجات مختلفة وليست هناك "مدينة فاضلة"، لكن ما يحدث في مصر فاق الحد لدرجة جعلته استثنائيا، وأردت أن أصدم "الأنا" الوارمة والمتقيحة بعنف في ذواتنا ونظرتنا لأنفسنا المتعاظمة، والتعالي الذي يسيطر علي عقلية بعض المصرية، أردت أن أقول أن كل ذلك هو محض تاريخ وماضٍ، وأن الواقع يقول غير ذلك، الكلام المعلب عن الريادة والسيادة والتفوق وكل تلك الأمور صار في الحقيقة مجرد كلام، وفي ذات الوقت أعتقد أن نصوصًا محدودة للغاية في السرد المصري، اهتمت بحق بوضعنا أمام مرآة أخري غير مرآة الغرب، وكان ذلك بالذهاب للخليج مثل رواية "البلدة الأخري" للروائي إبراهيم عبد المجيد، التي انتصرت في النهاية لمصر علي حساب الحياة الخليجية، لكن هل جربنا صدقا أن ننظر لذواتنا نظرة ناقدة أو حتي غاضبة أمام الدول الخليجية والعربية؟ لم ولن نفعل ذلك إلا في الروايات التي تعرينا أمام الغرب مثل: "موسم الهجرة" و"قنديل أم هاشم" و"الحي اللاتيني"، في هذه الحالات فقط ننتقد أنفسنا، لكننا في المقابل نتعالي علي الشرق، ونأنف منه، حتي وإن تفوق علينا في بعض المجالات. وهل تمثل القاهرة لك إذن "وطن الوعود المهدرة" كما جاء علي لسان أحد أبطال الرواية؟ - مضي علي إقامتي في القاهرة 11 سنة، وحتي الآن لم أتمكن من الانسجام والتأقلم مع الحياة القاهرية، والحقيقة ما زلت أري فيها وطنًا للوعود المهدرة علي جميع الأصعدة، السياسية والمعيشية والتفاصيل اليومية والظواهر الاجتماعية الغريبة، التي تمر بها البلد إجمالا والقاهرة تحديدا. صف لنا رحلتك مع النشر في ظل تعددت دور النشر؟ - كانت رحلة صعبة للغاية عكست كل مساوئ سوق النشر في مصر، ناشر يقبل النص لكنه يتأخر كثيرا في نشره، وناشر آخر يقبل بنشره سريعا لكنه يساوم للحصول علي أرباح تغطي ثمن الطباعة وتفوقها، أعتقد أن تجربة النص الأول دوما تكون صعبة ويكون المخاض فيها عنيفا. وهل وجدت مساندة من كبار الأدباء وأبناء جيلك من المبدعين الشباب؟ - إلي حد لا بأس به، خاصة من الكتاب الشباب الذين سارعوا لقراءة النص وإسداء النصح بشأنه وتقييمه والمساعدة، أما الكتاب الكبار فكان التواصل معهم صعبا إلي حد ما، وإن كنت ألتمس لهم العذر، فالحياة صعبة هذه الأيام وللناس مشاغلها. ماذا عن مشروعك المقبل؟ - مشروعي المقبل مغاير تماما، استغرقت في الانتهاء منه 21 شهرا، في حين انتهيت من الرواية الأولي في 4 أشهر فقط، وأحاول في الرواية الجديدة "أوجاع ابن آوي" تخطي تجربة النص الأول بعيوبها ومميزاتها، أحاول كتابة نص أعمق وأكثر غني ودلالة، وتجاوز السرد الكلاسيكي القائم علي زمن تصاعدي وتيمة وحيدة بسيطة، مثل تيمة الاغتراب التي استولت علي رواية "قاهري"، والرواية قيد النشر الآن، وأعتقد أنها ستصدر خلال النصف الأول من 2011 .