في الماضي القريب كان لدي مصر مندوب للتاج البريطاني يتدخل في شئون مصر الداخلية والدولية هكذا قرأنا في التاريخ الحديث وهذا معناه أن السيادة المصرية كانت ناقصة علي حدود مصر والسودان ثم انتهي هذا العهد وأصبحت لمصر سيادة علي حدودها وسواء كانت هذه السيادة كاملة الرشد أو أقل رشداً فالمهم أن المصريين هم الذين يديرون شئونهم الداخلية والخارجية السياسية والعسكرية والاقتصادية وهذا المبدأ في حد ذاته مبدأ هام لا ينبغي أن يختلف عليه أحد ومن يخالف لابد من ردعه ومعاقبته قضائياً، فمثلاً دعاوي الإشراف الدولي علي الانتخابات أو مراقبتها والتي تصدر عن مصريين في الداخل أو الخارج لابد من تجاهلها تماماً وعدم التعليق عليها أو سن تشريعات رادعة لمن يسعي لقوي خارجية للتدخل في الشأن المصري حتي نغلق باب شر لو فتح فلن نستطيع غلقه إلا بالدماء، ثم أين هي المصداقية الدولية في أوضاع سياسية عالمية؟ وهل كل ما يأتينا من أوروبا أو أمريكا مسلَّم به؟ إن الواقع يشهد أن الدول الأوروبية ومعها أمريكا تسير وفق مصالح ومطامع منها ما هو مادي ومنها ما هو فكري وعقائدي وبالتالي ينبغي أن نتعامل معهم بنفس المنهج فالمصالح المادية المشتركة مرحباً بها أما ما هو فكري وعقائدي لابد أن نقف عنده ونتعامل معه وفق ثوابتنا حتي لا نذوب في الآخرين ونصبح مستعمرة غربية بلسان عربي. إن المتبصر للواقع السياسي الأمريكي ليري عجباً وأن المسألة لا تتعلق بحقوق الإنسان أو بالحريات أو بالأقليات أو حتي بما يسمي الديمقراطية، وإنما الواقع يشهد أن الغرض إشعال الفتن في مصر وخلق كيانات متصارعة داخلية لتبقي مصر منشغلة بأمنها السياسي - وهو الأهم علي خلاف من يزعم غير ذلك - عن مشاغل تنموية حضارية أخري، فمثلاً رغبت أمريكا واليهود في انتخابات حرة في فلسطينالمحتلة فكانت النتيجة وصول حركة حماس للحكم فلو كانت العلة هي الديمقراطية لماذا لم تتعامل أمريكا وإسرائيل مع حكومة حماس المنتخبة؟ لأن أمريكا تريد حماس في الحكم لأنها تعلم من خلال خبرائها السياسيين والاستشراقيين أن حركة حماس حركة مناوئة للنظام في مصر. كما أن حماس ترفض مبدأ التفاوض مع يهود وفي الوقت نفسه ليس عندها القدرة العسكرية لإزالة اليهود من الأراضي المحتلة أو من الوجود، إذن تصبح حماس شوكة في ظهر مصر وفي ظهر فلسطين نفسها بإعاقة أي فرص للسلام، وعن طريق الكفاح الفضائي من وراء الميكروفونات تشتعل الفتن وتظهر الانقسامات في المنطقة العربية ويكثر السباب واللعن والاتهامات بالعمالة، ومن هذا المنطلق نفهم لماذا تتصل جهات أمريكية بالإخوان بمصر؟ لأن المصالح الأمريكية ومن ورائها مصالح يهود تري أن القوي الإخوانية الهشة الحمقاء لو وصلت للحكم ستوجد المبرر لأشياء أخري منها إشعال نار الحروب في المنطقة حتي تدور عجلة المصانع الأمريكية والأوروبية لتوريد السلاح للمنطقة، فمثلاً من المقررات الإخوانية السياسية رفض معاهدة كامب دافيد فلو وصلت للحكم سيجد أي الإخوان أنفسهم في مأزق مع القوي الجهادية الفوضوية في مصر والعالم الإسلامي حيث سيطالبهم الجميع بالالتزام بمقرراتهم الحالية بشأن اليهود وإلا فقدوا المصداقية الخادعة التي خدعوا بها الغوغائية عبر السنين الماضية ولازالوا، وإلغاء معاهدة السلام مع يهود معناه مقدمة إعلان حرب جديدة. فهل مصر في وضع يسمح لها بالحرب ليس ضد يهود بل ضد أوروبا وأمريكا بل وروسيا حيث كل هؤلاء مجمعون علي أمن وبقاء يهود وهناك شيء هام لابد من التنبيه عليه أن كثيراً من الكتّاب والمحللين يزعمون أن أمريكا فشلت في العراق وفشلت في أفغانستان والحقيقة والواقع ليشهدان أن أمريكا نجحت فيهما حيث مزقت العراق بالطائفية وأسندت الحكم لطائفة لها امتداد مع إيران سياسياً وفكرياً وعقائدياً مما يقوي من شوكة إيران لتبقي المنطقة ملتهبة وساخنة ومن خلالها تعقد الاتفاقات الأمنية والعسكرية لمواجهة الطوفان الإيراني ومع هذا الوضع تُفتح الخزائن للشرطي الأمريكي والأوروبي، إضافة إلي انتهاء الدور العراقي عربياً تجاه اليهود ولو حتي مجرد هيكل، إذن أمريكا نجحت في سياستها في العراق من خلال ادعاءاتها الكاذبة بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل وتتمادي أمريكا في الكذب فتدعي علي لسان رئيسها السابق أن مصر هي التي أخبرتها بشأن أسلحة الدمار الشامل التي لدي العراق فهل بعد ذلك نأمن للمكر الأمريكي والغربي فنجعلهم حكماً علي نزاهة الانتخابات؟ وأحب أن أذكّر بمعلومة كتبتها سابقاً وربما من حقي أن أدعي أنني من أوائل من ذكر هذه المعلومة أن الإخوان المسلمين ومنذ أيام حسن البنا نفسه كانت لهم اتصالات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن شاء فليرجع إلي كتاب السكرتير الخاص وأمين سر حسن البنا محمود عساف - مع الإمام الشهيد حسن البنا - ص13 حيث عقد حسن البنا نفسه لقاءً في بيت السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بعيداً عن أعين الحكومة المصرية كما صرح الكاتب الإخواني الكبير بنفسه. وخلاصة القول: أن يكون بمصر مشاكل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو طائفية أو أي نوع من المشاكل فلابد أن تكون في إطار البيت المصري ولا يسمح لأحد فرداً أم جماعة أيا كان الانتماء أن يستقوي أو يتعاون مع قوي خارجية إلا من خلال النظام القائم وبإذن صريح منه وإلا سنفتح علي انفسنا أبواب جهنم، والعبرة واضحة أمامنا في العراق وأفغانستان والصومال والسودان ولبنان فهل من مدّكر * ليسانس شريعة - دبلوم فى الدعوة