يناقش اليوم 17 فبراير المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف ، تقرير المراجعة الدورية لحالة حقوق الإنسان في مصر، ورد مصر الرسمي عبر تقرير سلمته للمجلس ويقوم بعرضه الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية، بالتزامن مع مناقشة التقارير المختلفة التي تقدمت بها 47منظمة من منظمات المجتمع المدني عن سجل حقوق الإنسان والحريات الدينية بمصر... فما هي الخلفية الفكرية لما يحدث اليوم ، وما سينتج عنه من قرارات واعتراضات وتوصيات؟ يشير المفكر والمؤرخ الإنجليزي "إريك هوبسباوم"، في كتابه الهام عن تاريخ القرن العشرين - Age of Extremes : أن الخط الفاصل الذي كان يميز بين الصراعات الداخلية والصراعات الدولية قد اختفي، وهو الخط الذي بقي واضحًا طوال القرن التاسع عشر وحتي نهاية الحرب الباردة، إلي حد كبير. كما أن الجيوش الأجنبية لم تكن تعبر الحدود بدعوي حل صراع داخلي ينشب في نطاق دولة مستقلة ذات سيادة، وكان هذا يمثل القاعدة الذهبية للنظام الدولي، وهي قاعدة حققت استقرارًا نسبيا للعالم، إلا أن موازينها قد اضطربت، وتآكلت فاعليتها منذ عام 1989 علي نحو ما حدث في يوغوسلافيا سابقًا. وهو يحذر من أننا سنواجه عملية ارتداد ونكوص إلي قرون غائرة خلت، بسبب انحسار الموجة التاريخية الطويلة التي تدفقت نحو بناء "الدولة - الأمة"، وتدعيم قوتها، وهي الموجة التي بدأت منذ القرن السادس عشر واستمرت حتي عقد الستينات من القرن العشرين. تمثل دلائل هذا الانحسار في ظهور تغير مهم، وهو أن المواطنين أصبحوا أقل استعدادًا لإبداء فروض الطاعة والولاء لقوانين الدولة، ظهر ذلك في ثورة الطلاب في الكثير من العواصم الأوروبية ربيع عام 1968وهي ثورات ناصبت العداء للمؤسسات الحاكمة القائمة آنذاك. إن قوة الدولة الحديثة بلغت ذروتها عندما كان الاحتجاج الاجتماعي يتم في الإطار المؤسسي، وباعتباره جزءًا من العملية السياسية، لكن هذا الأمر انتهي في أوربا في عقد السبعينيات، والدليل هو العجز في القضاء علي الميليشيات المسلحة والمنظمات الإرهابية داخل حدود الدولة، علي الرغم من وجود حكومات قوية. ويخلص "هوبسباوم" إلي أن الحرب الباردة أدت، في شكل أو آخر، إلي الاستقرار النسبي للعالم، وعندما وضعت أوزارها سادت العالم حالة من عدم اليقين، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي اقترن بتدمير نظام العلاقات الدولية الذي كان سائدًا، وبموجبه كان الجميع يعرفون قواعد اللعبة التي تم الاتفاق عليها بدءًا من معاهدة "ويست فاليا" عام8461. فإذا كان نظام الدولة القومية الحديثة، اعتمد أساسًا علي مبدأ "السيادة" وفقًا ل "وست فاليا" التي ربطت كلاً من السيادة القومية والهوية الوطنية بالصفة الإقليمية، أو قل ربطت السلطة بالمكان، وأصبحت للدولة حدود معترف بها من جانب الدول الأخري، فإن هذا الأمر ظل علي هذا المنوال حتي ظهر الناشطون غير الحكوميين الذين انتشروا في الأنظمة الدولية بسرعة رهيبة، مما أدي إلي التقليل من شأن مبدأ "السيادة" نفسه عن محيط التأثير في النظام الدولي، لقد حل الاستقلال، استقلال هؤلاء الناشطين، محل "السيادة" وصار الأفراد والمؤسسات والحركات يناضلون من أجل نيل حريتهم واستقلالهم عن "سيادة" الدولة، بل التنافس مع الدولة في الهيمنة علي المواضيع الساخنة، والتسابق في إبرازها أمام العالم عبر وسائل الإعلام والاتصالات. ولأن أهداف تلك الأطراف المستقلة عن الحكومات، لا ترتبط بمكان معين أو إقليم محدد ، فإن المسألة "السيادة" الإقليمية أصبحت غير ذي بال، كما يقول فيليب مورو ديفارج في كتابه العولمة، إذ إن أهدافًا مثل حماية البيئة أو حقوق الإنسان أو الحرية الدينية لا تتطلب سيادة علي منطقة معينة، بقدر ما تتطلب سيادة من نوع آخر: هو هيمنة هذه الأطراف علي تلك الأهداف وترويجها إعلاميا. هكذا تآكلت "السيادة" علي جميع الجبهات، خصوصًا مع تطور حقوق الإنسان، ومعايير التدخل لأسباب إنسانية، بل أن هناك من يري أن نهاية نظام الدولة "الويست فالي" وبداية عصر ما بعد ويست فاليا "أو ما بعد الحداثة السياسية" مرتبط بانقضاء فكرة السيادة رغم أن العالم لم يتخل كليا عن إطار "ويست فاليا"، أو عن فكرة الدولة ذات السيادة.