فجأة يظهر علي الشاشة فلاح مريض، نائماً علي بطنه، بينما تظهر من جانب الصورة يد غامضة هي في الأغلب لطبيب، يحمل في يده حقنة كبيرة مملوءة بسائل أزرق، ويتزامن هذا مع صوت المعلق القوي متحدثاً عن حقنة التغيير التي تؤلم في البداية بينما يغرس الطبيب سن الحقنة في عضل النائم.. فيتألم لوهلة ثم يسعد في بلاهة.. مع قول المعلق إنه بعد الألم سوف يسعد لا شك في ذلك. إنه الإعلان السمج الذي يروج به حزب الوفد لنفسه، في الانتخابات الحالية، والمتضمن أيضاً بعد هذا المشهد السخيف رسالة تدعو الناخبين إلي اختيار الوفد.. الذي يقول الإعلان أن رمزيه في قوائم الترشيح «النخلة والميزان» يعبران عن «الخير والعدل». لو كنت مكان حزب الوفد لاخترت أن أختصر الإعلان فوراً، وأكتفي بجزئه الثاني المصمم بأساليب الجرافيك، وحذف الجزء الأول الذي يحمل معاني مؤسفة، تسيء للحزب، رغم أن المعني المستهدف «نتائج التغيير» يجوز جداً أن يكون مقبولاً ويخدم علي رسالة حزب المعارضة الأكبر. فكرة إقناع الناس بأن التغيير مؤلم في البداية لكن نتائجه سوف تكون جيدة فيما بعد، والإيحاء بأن المجتمع مريض ويحتاج إلي علاج، هي في حد ذاتها مفهومة.. الحزب الوطني نفسه حين يلجأ لقرارات صعبة فإنه يتكلم عن آلام التغيير. ولكن المشاهد يجب أن يتساءل بعد إعلان حزب المعارضة: لماذا لم يعط طبيب الوفد الحقنة للمريض في ذراعه وهو واقف.. بدلاً من أن يقدمه للناس بهذه الطريقة المذرية.. أم أن تلك هي نصائح الخبير الجنوب إفريقي الذي تحدث عنه الدكتور السيد البدوي بُعيد وصوله إلي رئاسة الحزب متوعداً بحملات دعائية مكثفة للحزب؟ منهج الدعاية السياسية مدفوعة الأجر معروف عالمياً، وتتبعه الأحزاب في مختلف الدول، وقد لجأ إليه الحزب الوطني قبل الجميع منذ أقدم علي إصلاح نفسه وتجديد ذاته في العملية التي بدأت منذ 2002، وقد أنتج الوطني عديداً من الأفلام التليفزيونية التي ترسخ رسائل تتعلق بالاستقرار وتحقيق النمو والعدالة، وصولاً حتي إلي الاعترف في بعض أفلام الحملة الحالية ببعض السلبيات التي لا تنفي كثيراً من الإيجابيات. وقد سخر المعارضون من حملات الوطني.. وهذا طبيعي بقصد تشويه الرسالة.. لكن كل دعاية الوطني تتضمن رسائل مباشرة وصريحة لا التفاف فيها.. ولا يوجد فيها مريض يستلقي في وضع مؤسف. في مختلف دول العالم، من حق أي جهة سياسية أن تلجأ إلي مضامين من أي نوع، ما دامت قد التزمت بمواثيق الإعلان وقيم الإعلام، حتي لو لجأت إلي رسائل سلبية، لا إهانة فيها لأحد، وقد تصفحت بعض المعلومات حيث طالعت في موقع «سويس انفو» تقريرين مختلفين عن استخدام الأحزاب المتباينة للملصقات السياسية المستفزة، وتبين أن لدي سويسرا تراثاً عنيفاً من هذا النوع.. بما في ذلك استخدام حيوانات مثل الفئران والأخطبوط والأغنام للإشارة إلي معان بعينها.. وتصوير الأجانب علي أنهم متسللون غرباء.. وفي الولاياتالمتحدة تتعدد الأساليب وتتسم بابتكارات مذهلة.. وصولاً إلي أنجح حملات الدعاية التي قادت أوباما إلي مقعد الرئيس تحت شعار «يس وي كان».. أو «نعم نحن نستطيع».. تلك الحملة التي نجحت لدرجة أنها تحولت من مواد إعلانية مدفوعة الأجر إلي مواد إعلامية تستخدمها الصحف والمحطات من تلقاء نفسها. الوفد، الذي يعتقد أنه يحقق تجميعاً للوفديين من خلال باب ثابت يومي في صفحته الأولي بعنوان «لا تنتخب الحزب الوطني»، لا يسيء إلي رسالته وإلي نفسه بإعلان «حقنة التغيير» هذا، فقط، وإنما يسيء إلي الحياة السياسية المصرية.. وإلي صناعة الميديا في مصر.. لأنه يصر علي أن يذيع هذا الإعلان المخجل في مختلف المحطات العربية التي يشاهدها الناخب المصري.. تري ماذا يقول عنا صناع الإعلام والإعلان في العالم العربي وهم يرون هذا الفيلم. وإذا كان علي الحزب أن يجامل مكتب محمد مصطفي شردي الذي أنتج هذا الإعلان.. وهو مرشح بارز عن الحزب في بورسعيد.. فإن عليه أن يتحمل النتيجة.. والسخرية التي سوف تلحق برسالته. الموقع الإلكترونى : www.abkamal.net البريد الإلكترونى :[email protected]